الحمد لله.
الحكم على الأفعال يرجع فيه إلى الشرع، فما وافق الشرع فهو الصواب، وما خالفه هو الخطأ.
فلا ينتظر العبد علامة يتبين بها الصواب من الخطأ، وإنما يعمل ما علم أنه صواب، أو يسأل أهل العلم عن الصواب.
ولا حرج عند التباس الأمر، لا سيما في المذاهب والشيوخ ونحو ذلك أن يسأل الله علامة تبين له الصواب من خطأ، مع سؤال الله دائما الهداية والتوفيق.
وقد جاء في قصة غلام الأخدود، ما روى مسلم (3005) عَنْ صُهَيْبٍ، أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: ( ... فَبَيْنَمَا هُوَ كَذَلِكَ إِذْ أَتَى عَلَى دَابَّةٍ عَظِيمَةٍ قَدْ حَبَسَتِ النَّاسَ، فَقَالَ: الْيَوْمَ أَعْلَمُ آلسَّاحِرُ أَفْضَلُ أَمِ الرَّاهِبُ أَفْضَلُ؟ فَأَخَذَ حَجَرًا، فَقَالَ: اللهُمَّ إِنْ كَانَ أَمْرُ الرَّاهِبِ أَحَبَّ إِلَيْكَ مِنْ أَمْرِ السَّاحِرِ فَاقْتُلْ هَذِهِ الدَّابَّةَ، حَتَّى يَمْضِيَ النَّاسُ، فَرَمَاهَا فَقَتَلَهَا، وَمَضَى النَّاسُ...) الحديث.
وذكر الذهبي في ترجمة أبي المظفر السمعاني: "وقال الحسين بن أحمد الحاجي: خرجت مع أبي المظفر إلى الحج، فكلما دخلنا بلدة، نزل على الصوفية، وطلب الحديث، ولم يزل يقول في دعائه: اللهم بين لي الحق، فلما دخلنا مكة، نزل على أحمد بن علي بن أسد، وصحب سعدا الزنجاني حتى صار محدثا" انتهى من "سير أعلام النبلاء" (19/118).
وذكر في ترجمة الحافظ ابن ناصر السلامي: "وقال أبو طاهر السلفي: سمع ابن ناصر معنا كثيرا، وهو شافعي أشعري، ثم انتقل إلى مذهب أحمد في الأصول والفروع، ومات عليه...
أنبؤونا عن ابن النجار، قال: قرأت بخط ابن ناصر وأخبرنيه عنه سماعا يحيى بن الحسين، قال: بقيت سنين لا أدخل مسجد أبي منصور الخياط، واشتغلت بالأدب على التبريزي، فجئت يوما لأقرأ الحديث على الخياط، فقال: يا بني! تركت قراءة القرآن، واشتغلت بغيره؟! عد، واقرأ علي ليكون لك إسناد.
فعدت إليه في سنة اثنتين وتسعين، وكنت أقول كثيرا: اللهم بين لي أي المذاهب خير.
وكنت مرارا قد مضيت إلى القيرواني المتكلم في كتاب (التمهيد) للباقلاني، وكأن من يردني عن ذلك.
قال: فرأيت في المنام كأني قد دخلت المسجد إلى الشيخ أبي منصور، وبجنبه رجل عليه ثياب بيض ورداء على عمامته يشبه الثياب الريفية، دري اللون، عليه نور وبهاء، فسلمت، وجلست بين أيديهما، ووقع في نفسي للرجل هيبة وأنه رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فلما جلست التفت إلي، فقال لي: عليك بمذهب هذا الشيخ، عليك بمذهب هذا الشيخ - ثلاث مرات -.
فانتبهت مرعوبا، وجسمي يرجف، فقصصت ذلك على والدتي، وبكرت إلى الشيخ لأقرأ عليه، فقصصت عليه الرؤيا، فقال: يا ولدي، ما مذهب الشافعي إلا حسن، ولا أقول لك: اتركه، ولكن لا تعتقد اعتقاد الأشعري.
فقلت: ما أريد أن أكون نصفين، وأنا أشهدك، وأشهد الجماعة أنني منذ اليوم على مذهب أحمد بن حنبل في الأصول والفروع.
فقال لي: وفقك الله.
ثم أخذت في سماع كتب أحمد ومسائله والتفقه على مذهبه، وذلك في رمضان، سنة ثلاث وتسعين وأربع مائة.
قال ابن الجوزي، وغيره: توفي ابن ناصر في ثامن عشر شعبان، سنة خمسين وخمس مائة" انتهى من "سير أعلام النبلاء" (20/ 269).
على أنه لو تردد في أمر ما، أو أمور، ولم يكن هناك من الشرع دليل على الأفضل، والأرجح؛ فاستخار الله تعالى في ذلك، ودعا بدعاء الاستخارة، سواء في مسائل العلم، أو العمل؛ لكان أحسن له، وأعظم بركة عليه في أمره كله.
وينظر للفائدة: جواب السؤال رقم: (11981)، ورقم: (112154).
والله أعلم.
تعليق