الأحد 21 جمادى الآخرة 1446 - 22 ديسمبر 2024
العربية

حكم القطط الكفيفة

432492

تاريخ النشر : 16-05-2023

المشاهدات : 26771

السؤال

جاءت عند منزلنا قطة كفيفة، فقررنا أن نربيها، ولكن بعد فترة أصبحت تسبب لنا مشاكلا، فأنها لا تريد أن تجلس في المنزل، وتقوم بعض وجرح من يقترب منها، فهل يجوز لنا إخراجها من المنزل أم لا؟

ملخص الجواب

يجب على المسلم إطعام الحيوان العاجز عن إطعام نفسه، إذا كان حيوانا محترما، وحصل عجزه وهو في ملكه، أو يده عليه، وخِيف هلاكُه بترك إطعامه، فإن ألحقت الحيوانات المنهي عن قتلها بالإنسان ضرراً، فلا حرج عليه أن يطردها من البيت .  

الجواب

الحمد لله.

أولاً:

جاءت شريعتنا بالحث على الإحسان للإنسان والحيوان، وقد تضافرت النصوص على ذلك، منها قوله تعالى: وَأَحْسِنُوا إِنَّ اللَّهَ ‌يُحِبُّ ‌الْمُحْسِنِينَ (البقرة: 195) وقول النبي صلى الله عليه وسلم : (إِنَّ اللَّهَ ‌كَتَبَ ‌الْإِحْسَانَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ..) مسلم (1955). وقوله صلى الله عليه وسلم: (الرَّاحِمُونَ يَرْحَمُهُمُ الرَّحْمَنُ ، ارْحَمُوا أَهْلَ الْأَرْضِ يَرْحَمْكُمْ مَنْ فِي السَّمَاءِ) أبوداود (4941)، وصححه الألباني.

ووردت النصوص الدالة على الإحسان إلى الحيوان خاصة، وما في ذلك من الأجر العظيم ، فعن أبي هريرة رضي الله عنه أنّ النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( بَيْنَا رَجُلٌ بِطَرِيقٍ ، اشْتَدَّ عَلَيْهِ الْعَطَشُ ، فَوَجَدَ بِئْرًا ، فَنَزَلَ فِيهَا فَشَرِبَ ، ثُمَّ خَرَجَ ، فَإِذَا كَلْبٌ يَلْهَثُ يَأْكُلُ الثَّرَى مِنَ الْعَطَشِ ، فَقَالَ الرَّجُلُ : لَقَدْ بَلَغَ هَذَا الْكَلْبَ مِنَ الْعَطَشِ مِثْلُ الَّذِي كَانَ بَلَغَ مِنِّي ، فَنَزَلَ الْبِئْرَ ، فَمَلأَ خُفَّهُ مَاءً ، فَسَقَى الْكَلْبَ ، فَشَكَرَ اللَّهُ لَهُ ، فَغَفَرَ لَهُ . قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ! وَإِنَّ لَنَا فِي الْبَهَائِمِ لأَجْرًا؟ فَقَالَ: فِي كُلِّ ذَاتِ كَبِدٍ رَطْبَةٍ أَجْرٌ) رواه البخاري (2234)، ومسلم (2244).

وقد ذكر بعض المؤرخين من صور إحسان المسلمين إلى الحيوان ما يعجب له المرء، قبل أن تأتي المنظمات الدولية التي تدعي الرفق بالحيوان وتبطش بالإنسان. وذكر الشيخ علي الطنطاوي رحمه الله: "أن أوقافاً في القرن الثامن كانت مُعدة للحيوانات الأليفة تقوم بإطعامها والعناية بها" علي طنطاوي "ذكريات" (7/312) .

كما منعت الشريعة التلهي بقتل الحيوانات والطيور، واتخاذها هدفًا لتعليم الإصابة في الرمي ؛ فقد ورد أنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم (لَعَنَ مَنِ اتَّخَذَ، شَيْئًا ‌فِيهِ ‌الرُّوحُ ‌غَرَضًا) رواه مسلم (1958).

ثانياً:

إذا حاز الإنسان الحيوانات الأليفة: وجب عليه أن يطعمها، أو يتركها تسعى لتبحث عن رزقها، فإن لم يفعل فإنه آثم ، وفي الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم : (دخلت امرأة ‌النار ‌في ‌هرة ربطتها، فلم تطعمها، ولم تدعها تأكل من خشاش الأرض) رواه البخاري (3140).

خشاش الأرض أي : حشراتها .

وأما إذا كان هذا الحيوان عاجزاً عن القيام بنفسه كحال القطة الكفيفة المذكورة في السؤال، فالذي يظهر أنه يلزم إطعامه؛ إلا إن كانت قادرة على الانصراف والبحث عن رزقها، فيُخير المرء بين إطعامها إحساناً أو إخراجها. للحديث المذكور سابقاً (دخلت امرأة ‌النار ‌في ‌هرة ...)

وقد نص الفقهاء على ذلك.

قال النووي رحمه الله: "من ملك دابة، ‌لزمه ‌علفها، ‌وسقيها، ويقوم مقام العلف والسقي تخليتها لترعى، وترد الماء إن كانت مما يرعى ويكتفي به، لخصب الأرض ونحوه، ولم يكن مانع ثلج وغيره..، ويطَّرد هذا في كل حيوان محترم [أي : له حرمة في الشرع]" انتهى من "روضة الطالبين وعمدة المفتين" (9/120).

وقال الصاوي رحمه الله : "اعلم أن نفقة الدابة إذا لم يكن مرعى واجبة ويقضى بها [أي : يلزمه القاضي بالنفقة عليها] ، لأن تركها منكر، ودخل في الدابة هرة عمياء فتجب نفقتها على من انقطعت عنده، حيث لم تقدر على الانصراف، فإن قدرت عليه لم تجب، لأن له طردها" انتهى، "حاشية الصاوي على الشرح الصغير" (1/ 525).

ثالثاً:

إذا كانت هذه القطة مؤذية، ويلحقكم منها ضرر، فيجوز التخلص منها، ولو أدى إلى تضررها، مادام أنه لا يمكن دفع أذاها إلا بطردها وإخراجها من المنزل، فقد أذنت الشريعة بقتل الحيوان المنهي عن قتله إذا لحق الإنسان ضرر لا يندفع إلا بقتله. فإخراجها من باب أولى.

وقد سئل الشيخ ابن باز رحمه الله: "يوجد في منزلنا كثير من ‌النمل، وهو مؤذٍ ولدغاته مؤلمة، ولا تشفى إلا بعد معالجتها بالمطهرات، وأحيانًا بعد تطهيرها يبقى أثر الألم لمدة يوم كامل، وأحيانًا أكثر من ذلك، والسؤال: هل يجوز لنا قتل هذا ‌النمل؟ وهل هذا الضرر الذي يسببه لنا كافٍ للقضاء عليه؟

الجواب : نعم، إذا آذاكم هذا ‌النمل فاقتلوه ولا بأس، ولكن بغير النار، بغير التحريق، يقتل بالمبيدات الأخرى غير النار ولا حرج في ذلك لأذاه" انتهى من "فتاوى نور على الدرب لابن باز" (17/289).

وسئل الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: "ورد حديث عن الرسول صلى الله عليه وسلم أنه (لا يُقْتَل أربع. وذكر منها: ‌النمل) والنمل أحياناً ‌يؤذي في البيوت، يعني: يدخل الغرف وتتكون جماعات، هل يجوز لنا قتله بالسم وغيره؟

 الجواب: نعم. (نهى النبي عليه الصلاة والسلام عن قتل أربعة من الدواب: النملة، والنحلة، والهدد، والصُّرَد) ....، إذا كان هذا ‌النمل لا يندفع آذاه إلا بقتله، فاقتله ولا حرج عليك، لكن هناك وسيلة قبل أن يقتل وهي أن تصب على بيوته شيئاً من الجاز، فإننا جربنا هذا ورأيناه إذا صُبَّ على بيته شيء من الجاز فإنه يرتحل، ولا يبقى، فإذا أمكن ذلك فهو أحسن، وإذا لم يمكن فلا بأس بقتله" انتهى من "لقاء الباب المفتوح" (130/ 23 بترقيم الشاملة).

والله أعلم

هل انتفعت بهذه الإجابة؟

المصدر: موقع الإسلام سؤال وجواب