الحمد لله.
عبارة:"الله يسلمك"، "الله يسلمهم" هي في المعنى كعبارة: السلام عليك، والسلام عليهم.
ففيها الدعاء بالسلامة.
قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله تعالى:
" والسلام: بمعنى الدعاء بالسلامة من كل آفة، فإذا قلت لشخص: السلام عليك، فهذا يعني أنك تدعو له بأن الله يسلمه من كل آفة: يسلمه من المرض، يسلمه من الجنون، يسلمه من شر الناس، يسلمه من المعاصي وأمراض القلوب، يسلمه من النار، فهو لفظ عام ، معناه: الدعاء للمسلّم عليه بالسلامة من كل آفة " انتهى. "رياض الصالحين" (4 / 380).
وعادات الناس في التخاطب الأصل فيها الإباحة فلا ينهى عن شيء منها إلا بدليل.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى:
" تصرفات العباد من الأقوال والأفعال نوعان: عبادات يصلح بها دينهم، وعادات يحتاجون إليها في دنياهم: فباستقراء أصول الشريعة نعلم أن العبادات التي أوجبها الله أو أحبها لا يثبت الأمر بها إلا بالشرع. وأما العادات فهي ما اعتاده الناس في دنياهم مما يحتاجون إليه، والأصل فيه عدم الحظر، فلا يحظر منه إلا ما حظره الله سبحانه وتعالى...
والعادات الأصل فيها العفو، فلا يحظر منها إلا ما حرمه، وإلا دخلنا في معنى قوله: ( قُلْ أَرَأَيْتُمْ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ لَكُمْ مِنْ رِزْقٍ فَجَعَلْتُمْ مِنْهُ حَرَامًا وَحَلَالًا ) ولهذا ذم الله المشركين الذين شرعوا من الدين ما لم يأذن به الله، وحرموا ما لم يحرمه ... وهذه قاعدة عظيمة نافعة " انتهى . " مجموع الفتاوى " (29 / 16 – 18).
لكن هذه العبارة في التحية خلاف الأفضل، فالأفضل التقيد بالصيغة التي جاءت بها السنة .
كما في حديث أَبِي هُرَيْرَةَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: ( خَلَقَ اللَّهُ آدَمَ عَلَى صُورَتِهِ، طُولُهُ سِتُّونَ ذِرَاعًا، فَلَمَّا خَلَقَهُ قَالَ: اذْهَبْ فَسَلِّمْ عَلَى أُولَئِكَ، النَّفَرِ مِنَ المَلاَئِكَةِ، جُلُوسٌ، فَاسْتَمِعْ مَا يُحَيُّونَكَ، فَإِنَّهَا تَحِيَّتُكَ وَتَحِيَّةُ ذُرِّيَّتِكَ، فَقَالَ: السَّلاَمُ عَلَيْكُمْ، فَقَالُوا: السَّلاَمُ عَلَيْكَ وَرَحْمَةُ اللَّهِ، فَزَادُوهُ: وَرَحْمَةُ اللَّهِ ) رواه البخاري (6227) ومسلم (2841).
كما ينبغي التنبه إلى أن الأدب في رد السلام : أن يكون بالمثل أو بالأحسن.
كما في قول الله تعالى:
( وَإِذَا حُيِّيتُمْ بِتَحِيَّةٍ فَحَيُّوا بِأَحْسَنَ مِنْهَا أَوْ رُدُّوهَا إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ حَسِيبًا ) النساء (86).
قال ابن كثير رحمه الله تعالى:
" أي: إذا سلم عليكم المسلم، فردوا عليه أفضل مما سلم، أو ردوا عليه بمثل ما سلم به، فالزيادة مندوبة، والمماثلة مفروضة " انتهى. "تفسير ابن كثير" (2 / 368).
قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله تعالى:
" والحسن في الرد يكون بالصيغة، ويكون بالصوت، ويكون بالوجه.
فمثلا إذا قال: السلام عليك ورحمة الله، فالأحسن أن تقول: عليك السلام ورحمة الله وبركاته… " انتهى. من كتاب "فتاوى نور على الدرب" (12 / 396).
ورد المسلم على من يبلغه السلام بعبارة: الله يسلمك.
هذه الصيغة لا تحيط بالواجب ولا بالمندوب؛ ففيها السلام على المبلغ وليس فيها رد السلام على المرسل.
والله قد أمر برد التحية، كما في الآية السابقة.
قال ابن كثير رحمه الله تعالى:
" قول العلماء قاطبة: أن الرد واجب على من سلم عليه، فيأثم إن لم يفعل؛ لأنه خالف أمر الله في قوله: ( فَحَيُّوا بِأَحْسَنَ مِنْهَا أَوْ رُدُّوهَا ) " انتهى. "تفسير ابن كثير" (2 / 370).
فيجب رد السلام على المرسل، كما ورد في حديث عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا: ( أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ لَهَا: يَا عَائِشَةُ هَذَا جِبْرِيلُ يَقْرَأُ عَلَيْكِ السَّلاَمَ، فَقَالَتْ: وَعَلَيْهِ السَّلاَمُ وَرَحْمَةُ اللَّهِ وَبَرَكَاتُهُ ) رواه البخاري (3217) ومسلم (2447).
وإذا سلم مع هذا على المبلّغ أيضا كان أكمل.
روى النسائي في "السنن الكبرى" (9 / 146): عَنْ أَنَسٍ قَالَ: ( جَاءَ جِبْرِيلُ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَعِنْدَهُ خَدِيجَةُ وَقَالَ: إِنَّ اللهَ يُقْرِئُ خَدِيجَةَ السَّلَامَ، فَقَالَتْ: إِنَّ اللهَ هُوَ السَّلَامُ وَعَلَى جِبْرِيلَ السَّلَامُ، وَعَلَيْكَ السَّلَامُ وَرَحْمَةُ اللهِ ).
قال النووي رحمه الله تعالى:
" إذا بعث إنسان مع إنسان سلاماً، فقال الرسول: فلان يسلّم عليك، فقد قدّمنا أنه يجب عليه أن يردّ على الفور، ويستحبّ أن يردّ على المبلِّغ أيضاً، فيقول: وعليك وعليه السلام.
وروينا في سنن أبي داود عن غالب القطان عن رجل قال: حدّثني أبي عن جدي قال: ( بَعَثَنِي أَبِي إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ: ائْتِهِ فَأَقْرِئْهُ السَّلَامَ، قَالَ: فَأَتَيْتُهُ فَقُلْتُ: إِنَّ أَبِي يُقْرِئُكَ السَّلَامَ، فَقَالَ: عَلَيْكَ السَّلَامُ، وَعَلَى أَبِيكَ السَّلَامُ ).
قلت: وهذا وإن كان رواية عن مجهول، فقد قدّمنا أن أحاديثَ الفضائل يُتسامح فيها عند أهل العلم كلهم " انتهى. "الأذكار" (ص 212).
وقال ابن مفلح، رحمه الله: " ويستحب أن يسلم على الرسول قيل لأحمد إن فلانا يقرئك السلام قال عليك وعليه السلام وقال في موضع آخر، وعليك وعليه السلام وقال وكذلك روي عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال له رجل أبي يقرئك السلام قال: عليك وعلى أبيك السلام". انتهى، من "الآداب الشرعية" (1/370).
والله أعلم.
تعليق