الاثنين 22 جمادى الآخرة 1446 - 23 ديسمبر 2024
العربية

كيف يحفظ أولاده من التأثر بالبيئة الفاسدة؟

437643

تاريخ النشر : 18-10-2023

المشاهدات : 2534

السؤال

ولدت في عائلة مسيحية أرثوذكس في مدينة حمص، سافرت إلى جزر الكاريبي في سن السابعة عشر، أسلمت في سن ال ٢٣، فقاطعني أهلي جميعا سبع سنين، بعد أحداث سوريا سافر إخوتي الثلاثة عندي بعد صلح تم من الجميع إلا أبي إلى الآن، رزقني الله تعالى بزوجة ملتزمة، ومنها رزقني سبحانه بنتين وولدين، عملي في جزر الكاريبي، وجنسيتي أمريكية، وزوجتي مغربية، نشأ أولادي بين الثلاثة بلدان في الإبتدائية، أدخلت الكبيرين في المدرسة الإسلامية في فلوريدا، حفظ قرآن حتى الظهر، وبعدها التعليم الأكاديم ، كانت الأمور جيدة، ولكم لاحظت على أولادي مع حفظهم للقرآن تسرب الثقافة الأمريكية لأنفسهم، ففرت بهم إلى المغرب بلد الزوجة، ظنا مني انهم سيتعلمون دينهم، ويرون أخلاق المسلمين في بلاد المسلمين، خاب ظني ولم أجد بغيتي، أضاع اولادي ما في صدورهم من قرآن، وضعفت ثقافتهم الإسلامية، إلا إني لا أدع يوما إلا وأعلمهم مما علمني الله تعالى، ولكن لم يكن هذا هدفي، أنا بفضل الله تعالى أتنفس الإسلام، ويجري في دمي، وأود ان يحفظ الله تعالى ذريتي، ويحفظ دينهم، بماذا تنصحوني، لا أريد الرجوع لامريكا، وليس عندنا أجواء إسلامية في محل إقامتنا في المغرب؟

الجواب

الحمد لله.

أولًا:

سبق لنا التعرض إلى نصائح وإرشادات متعلقة بتربية الأولاد في المجتمعات الغربية، وهي في الحقيقة صالحة للتطبيق في كل بيئة غير إسلامية، فنرجو مراجعة جواب السؤال رقم: (4237).

ثانيًا:

بعد الاستفادة من الخارطة الموجودة في جواب السؤال السابق ذكره، نحب أن نوضح أمرًا مهمًا، وهو أننا عندما نربي أولادنا لا نملك أية وسائل حتمية لحفظهم من الوقوع في الأخطاء، نحن نجتهد، ونعلم، ونغذي بالقيم، ولا نهمل، ولا نعجز، ولا نكسل، ولا نُحبَط؛ ثم نسأل الله التوفيق.

وقد نوفي هذا حقه، وقد نقصر، وفي الحالتين: لا نتائج حتمية، وهذه طبيعة البشر ... وأيضا: سابق القدر!!

وفي قصة الخضر خبران: أحدهما عن غلامين صالحين، كان أبوهما صالحا، والثانية عن غلام طالح، كان أهله صالحين.

حرصك على صلاح أولادك، واستقامتهم، طبيعي جدًا، بل واجب شرعي: أن تقوم على رعايتهم، وحفظهم، وتربيتهم، وتبذل كل ما في وسعك، لتلك الغاية المنشودة.

ومخاوفك مقبولة، ومفهومة، وقد قصدنا أن نقول: أن الإنسان محدود؛ محدود العلم، محدود القدرة والقوة، جاهل بالغيوب؛ ليس له قدرة على التأثير فيما هو خارج دائرة أفعاله وخياراته.

وتقبُّل هذه المحدودية مهم جدًا، كي لا يصاب الإنسان بالقنوط واليأس، وهو ضروري جدًا كي يتبرأ الإنسان من حوله وقوته، ويداوم على سؤال الله الهداية والتوفيق له، ولأبنائه، ولجميع من يحب.

فالعاصم من طوفان الثقافات الفاسدة هو الله وحده، وما تفعله إنما هو أسباب مطلوبة، مأمور بها شرعا، ولها تأثيرها مهما يكن خفيا عنك، ثم لن تعدم ثوابها من الله، على كل حال.

وحينئذ، وأنت أبصر بحالك، وحال أولادك؛ يمكنك أن تعيد تقييم التجربة، وتقييم "المكان" و"الأرض" التي تناسب أولادك؛ فإن "البلد" المعين: إنما يطلب، حيث يصلح حال العبد فيه، وكم من مقيم في أرض صالحة، وبلد حرام؛ وهو بعيد عن ربه، منتهك لحدوده. والعكس كذلك.

روى الإمام مالك في " الموطأ " (4/1117) عن يحيى بن سعيد: " أن أبا الدرداء كتب إلى سلمان الفارسي: أن هلم إلى الأرض المقدسة ، فكتب إليه سلمان : إن الأرض لا تُقدِّس أحدا وإنما يقدس الإنسان عمله" .

وحينئذ، فعليك أن تتخير أولى البلاد بك، وبعيالك، وأقربهم لصلاح أمرك، وأمر عيالك.

وإن كنا نرى أن بلاد العرب والمسلمين، أقرب إلى ذلك على كل حال؛ فانتقل من مدينة لأخرى، ومن حي إلى آخر، عسى أن يكون أقرب، وأصلح لعيالك، لا سيما في مآلهم، ومستقبل أمرهم.

ثم، عليك بعد ذلك أن توقن أن قضاء الله لك وللأبناء خير كله، تشكر إن أنتجت أفعالك ما ترجو وتصبر إن ابتعدت النتائج بعض الشي عما تحب.

ثالثًا:

ربما تتعرض سلوكيات أبنائك لنوع من المد والجزر، تتجاذبهم المؤثرات الخارجية حينًا، وترجع بهم جهودك أحيانًا، لكن الثابت المهم، الذي ينبغي أن يدوم، لأن تأثيره يدوم: هو جودة علاقتك بأبنائك، واستمرارية تعبيرك عن حبك لهم، وعن تقديرك لهم، وعن اعترافك بحسناتهم، ونقاط قوتهم، واستمرارية تشجيعك لهم.

إن جودة العلاقة بهذا الشكل: من شأنه أن يعود بأبنائك إلى شاطئك، مهما ابتعدت سفنهم عنك في بعض الأحيان.

وبعض الآباء يهتزون إذا جذبت السبل أبناءهم، فيتعاملون بشيء من العنف، أو يغلبهم حزنهم وخوفهم، فيغفلون عن ضرورة استمرار التعبير عن المحبة والتقدير، وأهمية الجمع بين الحزم واللطف، فيؤدي هذا إلى زيادة المسافات والفجوات بينهم وبين أبنائهم.

لهذا كان من الضروري أن نؤكد هنا أنه على الرغم من أهمية الإجراءات والنشاطات المشروحة في السؤال الذي أحلناك إليه، فإن استمرارية تجويد العلاقة، والتعبير عن المحبة والتقدير والتشجيع؛ كل ذلك له مفعول السحر على أبنائك، وسيجعل ولاءهم لك وللأسرة، ولقيم الأسرة؛ مهما ابتعدوا ابتعادًا مؤقتًا.

نسأل الله لك ولأسرتك الهداية والتوفيق والثبات.

والله أعلم.

هل انتفعت بهذه الإجابة؟

المصدر: موقع الإسلام سؤال وجواب