الحمد لله.
لم يرد حديث صحيح أن النبي صلى الله عليه وسلم جمع بين صلاتين بسبب المطر.
وما رواه النجاد فإسناده ضعيف.
قال الشيخ الألباني رحمه الله تعالى:
" حديث: ( أنه صلى الله عليه وسلم جمع بين المغرب والعشاء في ليلة مطيرة ) رواه النجاد بإسناده.
ضعيف جدا.
وقد وقفت على إسناده، رواه الضياء المقدسى فى "المنتقى من مسموعاته بمرو" (ق 37 / 2) عن الأنصارى: حدثنى محمد بن زريق بن جامع المدينى أبو عبد الله ـ بمصر ـ حدثنا سفيان بن بشر، قال: حدثنى مالك بن أنس عن نافع عن ابن عمر: ( أن النبى صلى الله عليه وسلم ... ) الحديث.
قلت: وهذا سند واه جدا، وآفته الأنصاري، وهو محمد بن هارون بن شعيب بن إبراهيم بن حيان أبو على الدمشقي ، قال عبد العزيز الكتانى: كان يُتَّهم. قال الحافظ في "اللسان": " وقد وجدت له حديثاً منكراً "، ثم ذكر حديثا آخر.
وشيخه محمد بن زريق لم أعرفه.
وسفيان بن بشر، ويقال: ابن بشير، وهو الأنصاري: مصري، ترجمه ابن أبى حاتم (2 / 1 / 228)، ولم يذكر فيه جرحا ولا تعديلا.
وأما ابن حبان فذكره في "الثقات".
والحديث لم يقف على إسناده الحافظ ابن حجر! فقال في " التلخيص " (131): " ليس له أصل، وإنما ذكره البيهقي عن ابن عمر، موقوفاً عليه، وذكره بعض الفقهاء عن يحيى بن واضح عن موسى بن عقبة عن نافع عنه مرفوعاً ".
قلت: ويحيى بن واضح ثقة محتج به في الصحيحين، وكذا من فوقه، ولكن أين الإسناد بذلك إلى يحيى؟ " انتهى من "إرواء الغليل" (3 / 39).
وغاية ما في ذلك حديث ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: "جَمَعَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَيْنَ الظُّهْرِ وَالْعَصْرِ، وَالْمَغْرِبِ وَالْعِشَاءِ بِالْمَدِينَةِ، فِي غَيْرِ خَوْفٍ، وَلَا مَطَرٍ ".
قِيلَ لِابْنِ عَبَّاسٍ: مَا أَرَادَ إِلَى ذَلِكَ؟ قَالَ: " أَرَادَ أَنْ لَا يُحْرِجَ أُمَّتَهُ" رواه مسلم (705).
قال الشيخ الألباني رحمه الله تعالى:
" ( من غَيْرِ خَوْفٍ، وَلَا مَطَرٍ ): فإنه يشعر أن الجمع للمطر كان معروفا في عهده صلى الله عليه وآله وسلم، ولو لم يكن كذلك لما كان ثمة فائدة من نفى المطر كسبب مبرر للجمع، فتأمل " انتهى من "إرواء الغليل" (3/40).
وكذا لم يرد عن أحد من الخلفاء الراشدين – فيما نعلم- أنه جمع لأجل المطر، كما لم يرد أنهم نهوا عنه، أو استنكروه.
وإنما ورد عن ابن عمر رضي الله عنه، وعن عدد من أئمة التابعين بالمدينة، من غير نكير عليهم، كما روى الإمام مالك في "الموطأ" (1 / 145) عَنْ نَافِعٍ: ( أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ كَانَ إِذَا جَمَعَ الْأُمَرَاءُ بَيْنَ الْمَغْرِبِ وَالْعِشَاءِ فِي الْمَطَرِ، جَمَعَ مَعَهُمْ ).
قال ابن عبد البر رحمه الله تعالى:
" وروي عن عبد الله بن عمر، وأبان بن عثمان، وعروة بن الزبير، وأبي سلمة بن عبد الرحمن، وسعيد بن المسيب، وأبي بكر بن عبد الرحمن، والقاسم بن محمد، وعمر بن عبد العزيز: أنهم كانوا يجمعون بين الصلاتين ليلة المطر...
وهو أمر مشهور بالمدينة معمول به فيها ، وبه قال أحمد وإسحاق " انتهى من "الاستذكار" (6 / 31).
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى:
" الجمع للمطر من الأمر القديم المعمول به بالمدينة زمن الصحابة والتابعين، مع أنه لم ينقل أن أحدا من الصحابة والتابعين أنكر ذلك، فعلم أنه منقول عندهم بالتواتر جواز ذلك " انتهى من "مجموع الفتاوى" (24 / 83).
وقال الألباني رحمه الله تعالى:
" والمعروف عن ابن عمر: الموقوف، كما قال مالك في " الموطأ " (1/145/5) : عن نافع: ( أن عبد الله بن عمر كان إذا جمع الأمراء بين المغرب والعشاء في المطر جمع معهم ).
ومن طريق مالك رواه البيهقي (3/168).
ثم روى عن هشام بن عروة: أن أبا عروة وسعيد بن المسيب، وأبا بكر بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام بن المغيرة المخزومى كانوا يجمعون بين المغرب والعشاء في الليلة المطيرة، إذا جمعوا بين الصلاتين، ولا ينكرون ذلك.
وعن موسى بن عقبة: أن عمر بن عبد العزيز كان يجمع بين المغرب والعشاء الآخرة إذا كان المطر، وأن سعيد بن المسيب، وعروة بن الزبير، وأبا بكر بن عبد الرحمن، ومشيخة ذلك الزمان كانوا يصلون معهم ولا ينكرون ذلك.
وإسنادهما صحيح , وذلك يدل على أن الجمع للمطر كان معهودا لديهم " انتهى من "إرواء الغليل" (3 / 39 – 40).
والله أعلم.
تعليق