الحمد لله.
أولًا: سبق لنا في أسئلة أخرى الجواب عن مشروعية التعدد وحكمته وأحكامه، فيرجى مراجعة الأسئلة التالية: (372570)، (14022).
ثانيًا:
يظهر من السؤال أن صاحبته لم تتزوج بعد، فضلًا عن أن تكون في تجربة تعدد، فضلًا عن أن تكون في تجربة تعدد تزوج فيها الزوج أربعة نسوة.
ما احتمالية أن تتزوجي من معدد؟
الجواب: احتمالية ضعيفة، فنسب المعددين لا تتجاوز وفقا للإحصائيات الرسمية عشرة بالمائة من المتزوجين، وهذا في الدول المشهورة بالتعدد، وتقل هذه النسبة في دول أخرى.
ما احتمالية أن تتزوجي من معدد له أربعة نسوة؟
الجواب : احتمالية أشد ضعفا مما قبلها .
فهذا الاضطراب والصراع الفكري النفسي الذي أدخلت نفسك فيه بلا داع، ما الذي سيجره عليك سوى الهم والتنغيص، مع تسلط الشيطان؟
هبي أنك تزوجت زوجًا غير معدد، وكان زواجًا تعيسًا آذاك فيه هذا الزوج، وأضر بك، هل تعلمين أن احتمالية وقوع هذا تفوق بكثير احتمالية الزواج من معدد ؟
نعم ؛ فرص التورط في زواج تعيس كبيرة جدًا، فبدلًا من صرف الطاقة لمحاولة إحسان الاختيار، وتجنب الزواج التعيس الذي احتمالية تورطنا فيه كبيرة، نتورط في زحام أفكار يتعلق بحالة قليلة الوقوع أو نادرة.
ثم بدلا من ذلك الهم كله، والكآبة السوداء، لك ألا تقبلي من أول أمرك أن تتزوجي من رجل متزوج، بل تكوني أنت الزوجة الأولى، ثم لك أيضا أن تشترطي على زوجك ألا يعدد عليك، وأنه متى تزوج عليك، كان لك حق الفسخ؛ ثم أنت حينها بخير النظرين؛ إما أن تكوني زوجة أولى، ومعك أخرى، كما سار أمر الناس كثيرا؛ وإما أن تعودي سيرتك الأولى، فتبقي في بيتك .. غير ذات زوج!! فهوني عليك يا أمة الله، فالأمر ليس بكل هذه الدوامة التي تدورين فيها؛ فإن هذا كله من تلاعب الشيطان ببني آدم ، يريد أن يُدخلهم في أبواب السخط على شرع الله، وهو يتدرج بهم نحو هذا دون أن يشعروا.
ثالثًا:
يجب على الزوج أن يقوم بحقوق زوجته وأبنائه في حدود قدرته ، وكلما استطاع بابًا يوفي به هذه الحقوق، فلا يقصر فيه، والزواج الصحي السعيد تتكافل فيه الأرحام كلها، ولا يقفون لبعضهم بحراب الواجب وغير الواجب.
فالسؤال لك أيتها السائلة الكريمة: أن تنظري حولك، وتسألي النساء المتزوجات من غير معدد؛ من الذي قام على أمورهم أثناء الولادة؟
الجواب في الغالب الأعم من الحالات: أهل الزوجة، وهم لم يسألوا عن الوجوب، بل هذا من التكافل وحسن العشرة، ولو قدر أنهم لم يقوموا بهذا، لوجب على الزوج القيام به فيما يستطيع، إما بنفسه، وإما بغيره، كأن يستأجر من يقوم به كممرضة ونحو ذلك، فيما لا يستطيع ولا يدخل تحت قدراته ومهاراته ووقته.
فإن كان الغالب في أعراف الناس، حتى في الزواج الانفرادي، أن أهل الزوجة يعينون الزوجة حال ولادتها؛ فما الذي جد في حال المعدد؟!
الذي جد هو محاولات استجلاب الاعتراضات على نموذج شرعه الله بحدود ونظام، لحكم ومصالح كثيرة، قد نعلم بعضها ولا نعلم البعض الآخر .
وهذه الاعتراضات ليس لها أساس، ثم نحن أيضا لا نعترض بها على الزواج الانفرادي، رغم وجودها فيه.
والأولاد في الزواج الانفرادي قد يغيب عنهم الأب فترة طويلة؛ بل لأشهر، وسنوات أيضا، كما هو معلوم من سفر الناس للعمل، أو لغير ذلك من المقاصد .
فلو كان الزوج لطبيعة عمله يغترب أسبوعًا أو أكثر ، من الذي يقوم على أولاده هذه المدة ؟
لو كان الزوج مغتربًا للعمل كما هو الحال في كثير من الأسر، من الذي يقوم على الأولاد معظم الشهور؟
لماذا يقبل هذا عرفًا ولا ينكره الناس ، ويأتون في التعدد ويتذكرون فجأة أن الأب لن يرى أولاده سوى يوم كل أربعة أيام؟
وهل الأب بالفعل لن يرى أولاده سوى يوم كل أربعة أيام؟
الجواب : إن كان أبًا عادلا يقوم بواجباته، كما هو نظام الشريعة الذي على أساسه أباحت له التعدد؛ فقسمة الأيام خاصة بالمبيت لدى زوجاته ، وليست خاصة برعاية حق أبنائه، فيجب عليه أن يرعى حق أولاده بقدر ما يحتاجونه، ويستطيعه ، ولا مانع من أن يراهم ويتحمل تربيتهم مع أمهم .
ثالثا :
وبعد أن بينا أن هذه الاعتراضات لا أساس لها من الصحة من الناحية الواقعية ، نخاطب فيك الإيمان الكامن في قلبك :
هل تؤمنين بأن القرآن حق ، وأنه كلام الله الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه ؟
هل تؤمنين بأن الله تعالى عليم وحكيم ، وأنه أعلم بمصالح العباد من أنفسهم ؟
هل تؤمنين بأن الله تعالى أعدل الحاكمين ، ولا يمكن أن يشرع شيئا فيه ظلم للمرأة أو الأطفال أو المجتمع ؟
ثم .. هل تؤمنين بأن هذه الآية الكريمة :
(فَانكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ مَثْنَى وَثُلاثَ وَرُبَاعَ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلاَّ تَعْدِلُوا فَوَاحِدَةً ) سورة النساء/3 هل تؤمنين بأنها آية من القرآن الكريم ؟
فإن أجبت عن شيء من هذه الأسئلة بـ (لا)؛ فاعلمي أنك قد خرجت بذلك من الإيمان .
وإن أجبت بـ (نعم) وهو ما نظنه فيك إن شاء الله؛ فلماذا الاعتراض إذن ؟!
واعلمي أن الاعتراض على أوامر الله وشرعه هو شأن إبليس ، فهو أول من اعترض على أوامر الله حين أمره سبحانه وتعالى بالسجود لأبينا آدم ، فكان ذلك سبب لعنته وطرده من رحمه الله إلى الأبد ، ثم ورَّث إبليس اللعين هذا الاعتراض إلى أتباعه ، فإياك أن تكوني منهم .
لك أن تختاري لنفسك ما شئت ، تتزوجي أو لا تتزوجي ، تعيشي منفردة أو غير منفردة .. ما شئت .
ولكن إياك ثم إياك أن تعترضي على ما شرعه الله ، فإن عاقبة ذلك وخيمة في الدنيا والآخرة .
واعلمي أن مقولة : (أفضل الانفراد على التعدد) قد قالها قبلك الكثيرات، ولكنهن ندمن بعد فوات الأوان ، وصرحت الكثيرات منهن أنها تود أن لو كانت الزوجة الرابعة، بدلا من هذا الانفراد التعيس الذي سجنت نفسها فيه .
ولا تقولي: أنا لست كهؤلاء ؟ فكلهن قد قلن تلك الكلمة ! ولكن طبيعة الإنسان واحدة .
رابعًا وأخيرا :
اسألي الله من فضله أن يرزقك زواجًا هانئًا سعيدًا ناجحًا، فإن هذه هي الغاية التي يرجوها كل راغب في الزواج، ولا تعلقي نفسك بأمور احتمالاتها محدودة، واعتراضاتك عليها قد توجد وأكبر منها في الزواج الانفرادي، واستعيذي بالله من الشيطان الرجيم، ولينشرح صدرك لما شرعه الله، وليس شرطًا أن تحبي التعدد مثلا، المهم أن توقني أنه زواج شرعه الله، وأن فيه فرص نجاح وسعادة، كما في الزواج الانفرادي فرص فشل وتعاسة، فاسألي الله النجاح والسعادة والهناء ولا تنشغلي بما وراء ذلك.
والله أعلم
تعليق