الحمد لله.
أولاً:
الاستخارة والاستشارة مطلوبتان، وقد جاءت النصوص الدالة على ذلك.
قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله معلقاً على ما بوب له النووي رحمه الله في كتاب الأذكار (باب الاستخارة والمشاورة): "الاستخارة مع الله، والمشاورة مع أهل الرأي والصلاح، وذلك أن الإنسان عنده قصور أو تقصير، والإنسان خلق ضعيفا، فقد تُشكل عليه الأمور، وقد يتردد فيها فماذا يصنع. انتهى من" شرح رياض الصالحين لابن عثيمين" (4/159).
وقد ورد عند الطبراني – برقم 980 - مرفوعاً بسند ضعيف جداً (ما خاب من استخار ولا ندم من استشار) . قال الشيخ الألباني – في "السلسلة الضعيفة" (611) : "موضوع".
لكنه مع ذلك: كلام صحيح المعنى، كما قال الشيخ ابن باز رحمه الله.
قال ابن الحاج رحمه الله: "فعلى هذا فمن ترك الاستخارة والاستشارة يُخاف عليه من التعب فيما أخذ بسبيله لدخوله في الأشياء بنفسه دون الامتثال للسنة المطهرة، وما أحكمته في ذلك؛ إذ إنها لا تستعمل في شيء إلا عمته البركات، ولا تترك من شيء إلا حصل فيه ضد ذلك. نسأل الله السلامة" المدخل لابن الحاج» (4/ 43).
ثانياً:
لم يرد -حسب علمنا- نص في تقديم الاستشارة على الاستخارة أو العكس.
إلا أن بعض أهل العلم تلمسوا معاني وعللا، رأوا من خلالها تقديم إحداهما على الأخرى.
الرأي الأول:
من يرون أنّ الاستشارة تقدم على الاستخارة، وهم فقهاء الشافعية.
قال النووي رحمه الله: "اعلم أنه يُستحبّ لمن خطرَ بباله السفرُ أن يُشاورَ فيه مَن يعلمُ من حاله النصيحة والشفقة والخبرة، ويثقُ بدينه ومعرفته، قال الله تعالى: (وشَاوِرْهُمْ فِي الأمْرِ) [آل عمران: 159]، ودلائلُه كثيرة.
وإذا شاورَ، وظهرَ أنه مصلحةٌ: استخارَ الله سبحانه وتعالى في ذلك، فصلَّى ركعتين من غير الفريضة ودعا بدعاء الاستخارة" انتهى من "الأذكار للنووي" (ص214).
قال الفيومي في فتح القريب المجيب على الترغيب والترهيب: "ولتكن الاستشارة قبل الاستخارة، فإذا شاور، وظهر أنه مصلحة: استخار الله تعالى في ذلك، فصلى ركعتين من غير الفريضة، ودعا بدعاء الاستخارة" انتهى من "فتح القريب المجيب" (4/ 494).
الرأي الثاني:
من يرون تقديم الاستخارة على الاستشارة، وهم فقهاء الحنابلة.
قال البهوتي رحمه الله: "ولا يكون وقتَ الاستخارة عازمًا على الأمر الذي يستخير فيه، أو على عدمه: فإنه خيانة في التوكل.
ثم يستشير، فإذا ظهرت المصلحة في شيء فعله" انتهى من كشاف القناع" (3/ 108).
قال الشيخ ابن باز رحمه الله: "هذا هو دعاء الاستخارة، فيقول هذا، ثم يستخير، ثم يستشير من يرى أنه أهل للاستشارة في أحد الأمرين" انتهى من "فتاوى نور على الدرب لابن باز" (11/ 79).
وقال أيضا: " تشرع -صلاة الاستخارة-مكررة حتى يطمئن قلبه، وينشرح صدره لما يريد، ويستشير إخوانه الثقات المعروفين الذين يعتقد منهم الخير وأنهم يحبون له الخير، يستشيرهم بعد الصلاة " انتهى من "فتاوى نور على الدرب لابن باز" (11/ 73).
وقال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: "وقد اختلف العلماء هل المقدم المشورة أو الاستخارة؟ والصحيح أن المقدم الاستخارة، فقدم أولا الاستخارة، لقول النبي صلى الله عليه وسلم: إذا هم أحدكم بالأمر فليصل ركعتين" انتهى من "شرح رياض الصالحين لابن عثيمين" (4/ 162).
والذي يظهر، والله أعلم: أن الأمر واسع؛ فمن جهة أنه لا يلزم الجمع بينهما، فقد شاور النبي صلى الله عليه وسلم أصحابه في مواطن، ومضى دون استخارة.
ومن جهة أخرى: أنه في بعض الأمور قد تكون الاستشارة أحق بالتقديم، كما لو أراد أن يمضي في أمر لا يعلم عنه شيئا مطلقاً، فيستشير من خبروا الأمر، ثم إن تردد في المضي فيه استخار، وقد يتردد في الأمر يعلم عنه ما يفي بالغرض، فيستخير ويمضي.
والله أعلم
تعليق