الحمد لله.
الاغتصاب يراد به: الإكراه على الزنا، والاعتداء على عرض المرأة، وهتك سترها وحرمتها وإلحاق الضرر بها.
والمغتصب نوعان:
1-من يُكره المرأة على الزنا، دون استعمال سلاح، ولا خطف لها، وهذا يحد حد الزنى، إن ثبت الزنا بإقراره، أو بشهادة أربعة من الرجال، فإن كان بكرا جلد مائة جلدة، وإن كان محصنا: رجم بالحجارة حتى الموت.
وأوجب عليه بعض العلماء أن يدفع مهر المرأة .
قال الإمام مالك رحمه الله :" الأمر عندنا في الرجل يغتصب المرأة، بكراً كانت أو ثيبا : أنها إن كانت حرة : فعليه صداق مثلها...، والعقوبة في ذلك على المغتصِب، ولا عقوبة على المغتصبة في ذلك كله " انتهى من "الموطأ" (2/ 734).
قال الباجي رحمه الله” :المستكرَهة ؛ إن كانت حرة : فلها صداق مثلها على من استكرهها، وعليه الحد، وبهذا قال الشافعي، وهو مذهب الليث، وروي عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه .
وقال أبو حنيفة والثوري: عليه الحد دون الصداق.
والدليل على ما نقوله : أن الحد والصداق حقان: أحدهما لله، والثاني للمخلوق، فجاز أن يجتمعا، كالقطع في السرقة، وردها " انتهى من " المنتقى شرح الموطأ (5/ 268، 269) .
وقال ابن عبد البر رحمه الله: " وقد أجمع العلماء على أن على المستكرِه المغتصِب الحدَّ، إن شهدت البينة عليه بما يوجب الحد، أو أقر بذلك.
فإن لم يكن: فعليه العقوبة (يعني : إذا لم يثبت عليه حد الزنا لعدم اعترافه ، وعدم وجود أربعة شهود ، فإن الحاكم يعاقبه ويعزره العقوبة التي تردعه وأمثاله).
ولا عقوبة عليها إذا صح أنه استكرهها وغلبها على نفسها ، وذلك يعلم بصراخها، واستغاثتها ، وصياحها" انتهى من " الاستذكار " (7/146)
2-من يُكْرِه المرأة على الزنا باستعمال السلاح، أو يخطف المرأة، سواء زنى بها أم لا، فهذا يحد حد الحرابة، ويخير فيه الإمام ونائبه بين: القتل، أو القتل مع الصلب، أو قطع اليد والرجل من خلاف، أو النفي من الأرض؛ لقوله تعالى : ( إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الأَرْضِ فَسَاداً أَنْ يُقَتَّلُوا أَوْ يُصَلَّبُوا أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ مِنْ خِلافٍ أَوْ يُنْفَوْا مِنَ الأَرْضِ ذَلِكَ لَهُمْ خِزْيٌ فِي الدُّنْيَا وَلَهُمْ فِي الآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ ) المائدة/33.
جاء في قرر هيئة كبار العلماء بشأن جرائم السطو والاختطاف:
" إن جرائم الخطف والسطو لانتهاك حرمات المسلمين على سبيل المكابرة والمجاهرة: من ضروب المحاربة والسعي في الأرض فساداً، المستحقة للعقاب الذي ذكره الله سبحانه في آية المائدة ، سواء وقع ذلك على النفس أو المال أو العرض ، أو أحدث إخافة السبيل وقطع الطريق. ولا فرق في ذلك بين وقوعه في المدن والقرى، أو في الصحارى والقفار، كما هو الراجح من آراء العلماء رحمهم الله تعالى.
قال ابن العربي يحكي عن وقت قضائه : رُفِعَ إلي قومٌ خرجوا محاربين إلى رفقة، فأخذوا منها امرأة مغالَبة على نفسها من زوجها ومن جملة المسلمين معه ، فاحتملوها ، ثم جد فيهم الطلب، فأُخذوا، وجيء بهم ، فسألت من كان ابتلاني الله به من المفتين فقالوا : ليسوا محاربين ! لأن الحرابة إنما تكون في الأموال لا في الفروج ! فقلت لهم : إنا لله وإنا إليه راجعون ! ألم تعلموا أن الحرابة في الفروج أفحش منها في الأموال ؟! وأن الناس كلهم ليرضون أن تذهب أموالهم وتُحرب من بين أيديهم ولا يُحرب المرء من زوجته وبنته ، ولو كان فوق ما قال الله عقوبة، لكانت لمن يسلب الفروج" انتهى.
ينظر: جواب السؤال رقم: (41682).
والحاصل: أن الاغتصاب ليس على درجة واحدة، وقد تصل عقوبته إلى القتل.
والله أعلم.
تعليق