الاثنين 24 جمادى الأولى 1446 - 25 نوفمبر 2024
العربية

حكم زيارة النساء لقبر النبي صلى الله عليه وسلم

457783

تاريخ النشر : 22-05-2023

المشاهدات : 14324

السؤال

ما حكم زيارة النساء لقبر النبي صلى الله عليه وسلم؟

ملخص الجواب

الذي عليه جمهور العلماء: كراهة زيارة النساء للقبور، واستثنَوا من ذلك: قبر النبي صلى الله عليه وسلم فيُندَب لهنَّ زيارته، لكن الذي عليه الفتوى في بلاد الحرمين: تحريم زيارة النساء للقبور -ومنها قبر النبي صلى الله عليه وسلم-، وإذا سمح المسؤولون عن المسجد النبوي بزيارة النساء لقبره صلى الله عليه وسلم فلا حرج في ذلك، ولا تثريب على مَن عَمِلَ بهذا القول.

الجواب

الحمد لله.

أولا:

تستحب زيارة القبور. والمقصود من زيارة القبور شيئان :

* انتفاع الزائر بذكر الموت والموتى ، وأن مآلهم إما إلى جنة وإما إلى نار ، وهو الغرض الأول من الزيارة .

* نفع الميت والإحسان إليه بالسلام عليه ، والدعاء والاستغفار له .

عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ بُرَيْدَةَ عَنْ أَبِيهِ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (كُنْتُ نَهَيْتُكُمْ عَنْ زِيَارَةِ الْقُبُورِ فَزُورُوهَا) رواه مسلم (977).

وعند أحمد (2/398) بلفظ: (إِنِّي كُنْتُ نَهَيْتُكُمْ عَنْ زِيَارَةِ الْقُبُورِ فَزُورُوهَا ، فَإِنَّهَا تُذَكِّرُكُمِ الْآخِرَةَ).

وعَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: (نَهَيْتُكُمْ عَنْ زِيَارَةِ الْقُبُورِ فَزُورُوهَا، وَلَا تَقُولُوا هُجْرًا) يَعْنِي لَا تَقُولُوا سُوءًا". موطأ مالك" (2/485).

وعند أحمد (17/429) بلفظ: (إِنِّي نَهَيْتُكُمْ عَنْ زِيَارَةِ الْقُبُورِ فَزُورُوهَا، فَإِنَّ فِيهَا عِبْرَةً).

قال النووي: " وَكَانَ النَّهْيُ أَوَّلًا لِقُرْبِ عَهْدِهِمْ مِنْ الجاهلية ، فربما كانوا يَتَكَلَّمُونَ بِكَلَامِ الْجَاهِلِيَّةِ الْبَاطِلِ ، فَلَمَّا اسْتَقَرَّتْ قَوَاعِدُ الْإِسْلَامِ ، وَتَمَهَّدَتْ أَحْكَامُهُ ، واشتُهرت مَعَالِمُهُ: أُبِيحَ لَهُمْ الزيارة ، واحتاط صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِقَوْلِهِ (وَلَا تَقُولُوا هُجرا)" انتهى من "المجموع شرح المهذب" (5/310).

وقال العيني: " ومعنى النهي عن زيارة القبور إنما كان في أول الإسلام عند قربهم بعبادة الأوثان واتخاذ القبور مساجد، فلما استحكم الإسلام، وقوي في قلوب الناس، وأُمِنت عبادةُ القبور والصلاة إليها: نُسخ النهي عن زيارتها، لأنها تذكر الآخرة، وتزَهِّد في الدنيا " انتهى من "عمدة القاري شرح صحيح البخاري" (8/70).

قال ابن عبد البر رحمه الله : " في هذا الحديث من الفقه : إباحة الخروج إلى المقابر وزيارة القبور؛ وهذا أمر مجمع عليه للرجال" انتهى من "التمهيد" (20/239).

ثانيا:

اختلف العلماء في زيارة النساء للقبور:

فمنهم من منع من ذلك مطلقاً؛ للأحاديث الواردة في لعن زوَّارات القبور، وهي ثلاثة أحاديث :

1= عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ: " أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَعَنَ زُوَّارَاتِ الْقُبُورِ" رواه الترمذي (1056) وقَالَ: "هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ " . 

2= وعَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ حَسَّانَ بْنِ ثَابِتٍ عَنْ أَبِيهِ قَالَ: " لَعَنَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ زُوَّارَاتِ الْقُبُورِ" رواه ابن ماجه (1574)، زوارات: بضم الزاي.

3= وعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: " لَعَنَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ زُوَّارَاتِ الْقُبُورِ"، رواه ابن ماجه (1575) .

وفي لفظ: " لَعَنَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ زَائِرَاتِ الْقُبُورِ وَالْمُتَّخِذِينَ عَلَيْهَا الْمَسَاجِدَ وَالسُّرُجَ". رواه الترمذي (320).

وهذه الأحاديث لا تخلو من بعض كلام في أسانيدها، إلا أن جمعا من العلماء حكموا بحسنها، بل حكم عليها الشيخ الألباني بالصحة فقال: " فالحديث صحيح لغيره". "إرواء الغليل" (3/233) .

وقال شيخ الإسلام: " أَقَلَّ أَحْوَالِهِ أَنْ يَكُونَ مِنْ الْحَسَنِ" انتهى من "مجموع الفتاوى" (24/351).

وقالوا: هذه الأحاديث تدل على تحريم زيارة النساء للقبور.

وهذا القول قال به بعض المالكية، وبعض الحنفية، وهو رواية عن الإمام أحمد، واختارها شيخ الإسلام وابن القيم، وعليه الفتوى عند أئمة الدعوة .

ولشيخ الإسلام في مجموع الفتاوى فتوى مطولة نصر فيها القول بتحريم زيارة النساء للقبور.

وذهب بعض العلماء إلى الإباحة، وأجابوا عن الأحاديث الواردة في لعن "زوارات القبور" بجوابين:

الأول : أن الأحاديث الواردة في لعن زوارات القبور: إنما كانت في أول الأمر، لمَّا كانت الزيارة محرمة، ثم وردت الرخصة للجميع بالزيارة .

قال الحاكم: "وَهَذِهِ الْأَحَادِيثُ الْمَرْوِيَّةُ فِي النَّهْيِ عَنْ زِيَارَةِ الْقُبُورِ: مَنْسُوخَةٌ". المستدرك على الصحيحين (1/530).

وقال البغوي: " فَذَهَبَ بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ إِلَى أَنَّ هَذَا كَانَ قَبْلَ تَرْخِيصِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي زِيَارَةِ الْقُبُورِ، فَلَمَّا رَخَّصَ، دَخَلَ فِي الرُّخْصَةِ الرِّجَالُ وَالنِّسَاءُ".شرح السنة (2/417).

وأجاب المانعون بأن حديث المنع خاص ، وحديث الإذن عام ، والخاص مقدم على العام عند التعارض؛ حتى ولو جاء العام متأخرا عنه .

قال شيخ الإسلام : " وَالْعَامُّ إذَا عُرِفَ أَنَّهُ بَعْدَ الْخَاصِّ: لَمْ يَكُنْ نَاسِخًا لَهُ عِنْدَ جُمْهُورِ الْعُلَمَاءِ ... فَكَيْفَ إذَا لَمْ يُعْلَمْ أَنَّ هَذَا الْعَامَّ بَعْدَ الْخَاصِّ ، إذْ قَدْ يَكُونُ قَوْلُهُ: (لَعَنَ اللَّهُ زَوَّارَاتِ الْقُبُورِ) بَعْدَ إذْنِهِ لِلرِّجَالِ فِي الزِّيَارَةِ " انتهى من "مجموع الفتاوى" (24/353).

وقال ابن القيم : " وَقَوْله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (كُنْت نَهَيْتُكُمْ...): إِنَّمَا هُوَ صِيغَة خِطَاب لِلذُّكُورِ،  وَالْإِنَاث وَإِنْ دَخَلْنَ فِيهِ تَغْلِيبًا، فَهَذَا حَيْثُ لَا يَكُون دَلِيل صَرِيح يَقْتَضِي عَدَم دُخُولهنَّ ، وَأَحَادِيث التَّحْرِيم مِنْ أَظْهَر الْقَرَائِن عَلَى عَدَم دُخُولهنَّ فِي خِطَاب الذُّكُور" انتهى من "تهذيب السنن" (9/ 43).

ولكن يشكل على هذا ما جاء عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي مُلَيْكَةَ، أَنَّ عَائِشَةَ أَقْبَلَتْ ذَاتَ يَوْمٍ مِنَ الْمَقَابِرِ ، فَقُلْتُ لَهَا: يَا أُمَّ الْمُؤْمِنِينَ، مِنْ أَيْنَ أَقْبَلْتِ؟

قَالَتْ: مِنْ قَبْرِ أَخِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ.

فَقُلْتُ لَهَا: أَلَيْسَ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَهَى عَنْ زِيَارَةِ الْقُبُورِ؟

قَالَتْ: نَعَمْ، كَانَ قَدْ نَهَى، ثُمَّ أُمِرَ بِزِيَارَتِهَا" رواه الحاكم في المستدرك (1/532) ، وصححه الألباني في "الإرواء".

فهذا الأثر فيه إخبار صريح بأن النهي كان في أول الأمر، ثم جاءت الرخصة لهن بالزيارة .

الثاني: أن المراد من هذه الأحاديث " المكثرات من الزيارة " وليس من تزور القبور أحياناً ؛ لأن لفظة ( زوارات ) لا تدل على مطلق الزيارة ، بل على كثرة الزيارة .

قال أبو العباس القرطبي : " ثم إن هذا اللعن إنما هو للمكثرات من الزيارة ؛ لأن (زوارات) للمبالغة. ويمكن أن يقال : إن النساء إنما يُمنَعن من إكثار الزيارة ؛ لما يؤدي إليه الإكثار من تضييع حقوق الزوج ، والتبرج ، والشهرة ، والتشبه بمن يلازم القبور لتعظيمها ، ولما يخاف عليها من الصراخ ، وغير ذلك من المفاسد ، وعلى هذا يفرِّق بين : الزائرات ، والزوارات " انتهى من "المفهم لما أشكل من تلخيص كتاب مسلم" (8/ 108)

قال الشوكاني: " وَهَذَا الْكَلَامُ هُوَ الَّذِي يَنْبَغِي اعْتِمَادُهُ فِي الْجَمْعِ بَيْنَ أَحَادِيثِ الْبَابِ الْمُتَعَارِضَةِ فِي الظَّاهِرِ" انتهى من "نيل الأوطار" (4/135).

وهو اختيار المباركفوري أيضا في "تحفة الأحوذي" (4/137) .

وأما وراية (زائرات) فضعيفة ولا تثبت .

قال الشيخ الألباني : " فقد تبين من تخريج الحديث أن المحفوظ فيه إنما هو بلفظ (زوارات) ... وإذا كان الامر كذلك، فهذا اللفظ (زوارات) ، إنما يدل على لعن النساء اللاتي يكثرن الزيارة" انتهى من "أحكام الجنائز" (1/186)

وقد يجاب عن هذا بأن لفظ (زوارات) قد يكون لتعدد الزائرات ، لا لتعدد الزيارة من المرأة الواحدة. "مجموع فتاوى ورسائل العثيمين" (17/323).

ويستدل من يجيز الزيارة من حيث المعنى بأن المقصود من الزيارة : تذكر الآخرة والاعتبار ، وهو أمر يشترك فيه الرجال والنساء ، " وتذَكُّر الموت يحتاج إليه الرجال والنساء " انتهى من "المفهم لما أشكل من تلخيص كتاب مسلم" (8/107).

ولكن قد يقال : هذه المصلحة المظنونة ، معارضة بمفسدة أعظم منها .

قال ابن القيم : " فَإِنَّ هَذِهِ الْمَصْلَحَة وَإِنْ كَانَتْ مَطْلُوبَة مِنْهُنَّ ، لَكِنْ مَا يُقَارِن زِيَارَتهنَّ مِنْ الْمَفَاسِد الَّتِي يَعْلَمهَا الْخَاصّ وَالْعَامّ مِنْ فِتْنَة الْأَحْيَاء ، وَإِيذَاء الْأَمْوَات ، وَالْفَسَاد الَّذِي لَا سَبِيل إِلَى دَفْعه إِلَّا بِمَنْعِهِنَّ مِنْهَا ، أَعْظَم مَفْسَدَة مِنْ مَصْلَحَة يَسِيرَة تَحْصُل لَهُنَّ بِالزِّيَارَةِ ، وَالشَّرِيعَة مَبْنَاهَا عَلَى تَحْرِيم الْفِعْل إِذَا كَانَتْ مَفْسَدَته أَرْجَح مِنْ مَصْلَحَته" انتهى من "تهذيب السنن" (9/ 44).

والذي عليه جمهور العلماء: كراهة زيارة النساء للقبور؛ " لأِنَّ النِّسَاءَ فِيهِنَّ رِقَّةُ قَلْبٍ، وَكَثْرَةُ جَزَعٍ، وَقِلَّةُ احْتِمَالٍ لِلْمَصَائِبِ، وَهَذَا مَظِنَّةٌ لِطَلَبِ بُكَائِهِنَّ، وَرَفْعِ أَصْوَاتِهِنَّ".

"الموسوعة الفقهية" (24/88).

قال ابن قدامة :  " وَيَحْتَمِلُ أَيْضًا كَوْنَ الْخَبَرِ فِي لَعْنِ زَوَّارَاتِ الْقُبُورِ، بَعْدَ أَمْرِ الرِّجَالِ بِزِيَارَتِهَا، فَقَدْ دَارَ بَيْنَ الْحَظْرِ وَالْإِبَاحَةِ، فَأَقَلُّ أَحْوَالِهِ الْكَرَاهَةُ.

وَلِأَنَّ الْمَرْأَةَ قَلِيلَةُ الصَّبْرِ، كَثِيرَةُ الْجَزَعِ، وَفِي زِيَارَتِهَا لِلْقَبْرِ تَهْيِيجٌ لِحُزْنِهَا، وَتَجْدِيدٌ لِذِكْرِ مُصَابِهَا، فَلَا يُؤْمَنُ أَنْ يُفْضِيَ بِهَا ذَلِكَ إلَى فِعْلِ مَا لَا يَجُوزُ، بِخِلَافِ الرَّجُلِ، وَلِهَذَا اخْتُصِصْنَ بِالنُّوحِ وَالتَّعْدِيدِ، وَخُصِصْنَ بِالنَّهْيِ عَنْ الْحَلْقِ" انتهى من "المغني" (2/425).

قال أبو بكر الشاشي: " إِن كَانَ زيارتهن الْمَقَابِر لتجديد الْحزن والبكاء والتعديد وَالنوح على مَا جرت بِهِ عادتهن : حَرُم ، وَعَلِيهِ يُحمل الْخَبَر.

وَإِن كَانَ زيارتهن للاعتبار بِغَيْر تعديد وَلَا نياحة : كُره ، إِلَّا أَن تكون عجوزا لَا تُشْتَهى ، فَلَا يكره ، كحضور الْجَمَاعَة فِي الْمَسَاجِد " انتهى من "حلية العلماء في معرفة مذاهب الفقهاء" (2/308).

قال النووي : " وَهَذَا الَّذِي قَالَهُ حَسَنٌ ، وَمَعَ هَذَا فَالِاحْتِيَاطُ لِلْعَجُوزِ تَرْكُ الزِّيَارَةِ؛ لِظَاهِرِ الْحَدِيثِ" انتهى من "المجموع شرح المهذب" (5/311).

وكذا قال ابن عابدين : " وَهُوَ تَوْفِيقٌ حَسَنٌ " انتهى من "حاشية ابن عابدين" (2/242).

ثالثا:

ذهب جمهور العلماء القائلين بكراهة زيارة النساء للقبور، إلى استثناء قبر النبي صلى الله عليه وسلم من هذه الكراهة.

جاء في "الموسوعة الفقهية" (24/88): "أما النساء، فمذهب الجمهور أنه تكره زيارتهن للقبور، لقوله صلى الله عليه وسلم: (لعن الله زوارات القبور)، ولأن النساء فيهن رقة قلب، وكثرة جزع، وقلة احتمال للمصائب، وهذا مظنة لطلب بكائهن، ورفع أصواتهن...

ويستثنى من الكراهة زيارة قبر النبي صلى الله عليه وسلم، فإنه يندب لهن زيارته، وكذا قبور الأنبياء غيره عليهم الصلاة والسلام، لعموم الأدلة في طلب زيارته صلى الله عليه وسلم" انتهى.

وقد صرح الحنابلة والشافعية باستثناء زيارة قبر النبي صلى الله عليه وسلم، فلا تكره للنساء.

وقال في "أسنى المطالب" (1/ 331) : " إلا قبر النبي صلى الله عليه وسلم، فلا تكره لها زيارته بل تندب" انتهى.

وقال في "شرح منتهى الإرادات" (1/383) : " إلا زيارة النساء لقبر النبي صلى الله عليه وسلم وقبر صاحبيه أبي بكر وعمر؛ فتسن، كالرجال".

رابعا:

الذي عليه الفتوى عند علمائنا في هذه البلاد تحريم زيارة النساء للقبور، حتى قبر النبي صلى الله عليه وسلم.

قال الشيخ محمد بن إبراهيم رحمه الله: " والصحيح في المسألة: منعهن من زيارة قبره". انتهى من "فتاوى الشيخ محمد بن إبراهيم" (3/239).

وقال الشيخ ابن باز رحمه الله: "‌والخلاف ‌في ‌زيارة ‌النساء ‌لقبر ‌النبي ‌صلى ‌الله عليه وسلم مشهور، ولكن تركهن لذلك أحوط وأوفق للسنة؛ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم لم يستثن قبره ولا قبر غيره، بل نهاهن نهيا عاما، ولعن من فعل ذلك منهن، والواجب الأخذ بالتعميم ما لم يوجد نص يخص قبره بذلك؛ وليس هناك ما يخص قبره " انتهى من "مجموع فتاوى ومقالات متنوعة لابن باز" (13/333).

وينظر: "فتاوى اللجنة الدائمة" (9/101)، "الشرح الممتع" (5/379).

وقال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله : "زيارة ‌النساء لقبر النبي صلى الله عليه وسلم يرى بعض العلماء أنها ليست زيارة؛ لأن بيننا وبين قبر الرسول ثلاثة جدر، وزيارة الميت: هي التي يقف الإنسان فيها على قبره، وعلى هذا فلا تعتبر زيارة، وقد أشار إلى هذا شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله فيما أعلم في قوله: إن المقبرة المحجر عليها أو التي بينك وبينها جدار لا يعتبر زيارتك لها زيارة من وراء الجدار.

وبهذا أجاب بعض أهل العلم عن قول الفقهاء رحمهم الله: تسن زيارة ‌قبر ‌النبي صلى الله عليه وسلم حتى للنساء، قالوا: إن هذه ليست زيارة حقيقية؛ لأن بين الواقف خارج الحجرة وبين القبر ثلاثة جدر.

أما عرفاً فإنها تسمى زيارة بلا شك، ويقال: المرأة زارت ‌قبر ‌النبي، لهذا نرى أن من الاحتياط ألا تزور ‌قبر ‌النبي صلى الله عليه وسلم، وأن تكتفي بالسلام عليه ولو من بعد " انتهى من "لقاء الباب المفتوح" (164/ 16 بترقيم الشاملة).

خامسا:

إذا سمح المسؤولون عن المسجد النبوي بزيارة النساء لقبره صلى الله عليه وسلم، فلا حرج في ذلك؛ لأمور:

1-أن أصل مسألة زيارة النساء للقبور من مسائل الخلاف المعتبر بين العلماء، بين قائل بالمنع أو الكراهة أو الإباحة، كما سبق بيانه.

2 – انتفاء محذور البكاء والنياحة والجزع، والذي هو المعنى من وراء نهي النساء عن زيارة القبور.

قال ابن تيمية: "ومعلوم أن المرأة إذا فتح لها هذا الباب أخرجها إلى الجزع والندب والنياحة، لما فيها من الضعف وكثرة الجزع وقلة الصبر" انتهى من "مجموع الفتاوى" (24/355).

وكل هذه المعاني غير متحققة في زيارتهن لقبره صلى الله عليه وسلم.

3-أن جمهور العلماء القائلين بالمنع أو الكراهة يستثنون قبر النبي صلى الله عليه وسلم من هذا الحكم.

فإذا تبين أن الترخيص هو قول جمهور العلماء من المذاهب الفقهية المعتبرة، فلا بد من مراعاة الخلاف في هذه المسألة؛ لأن القادمين للزيارة من أنحاء العالم على مذاهب فقهية مختلفة، وهم يتعبدون الله بما يفتيهم علماؤهم، ففي الأمر سعة، ولا تثريب على من عمل بهذا القول.

والله أعلم.

هل انتفعت بهذه الإجابة؟

المصدر: موقع الإسلام سؤال وجواب