الحمد لله.
هذا الخبر رواه البخاري في "الأدب المفرد" (1042)، وغيره: عن عَلِيّ بْن مُسْهِرٍ.
ومحمد بن فضيل بن غزوان في "الدعاء" (ص 220).
و أبو يعلى الموصلي في "المسند" (9 / 47)، وعنه ابن حبان كما في "الإحسان" (10/ 349)، وغيرهما: عن إِسْمَاعِيل بْن زَكَرِيَّا.
كلهم: ( عَلِيّ بْنُ مُسْهِرٍ، وابن فضيل، و إِسْمَاعِيل بْن زَكَرِيَّا ): عَنْ عَاصِمٍ الْأَحْوَل، عَنْ أَبِي عُثْمَانَ النَّهْدِيِّ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ:
"أَبْخَلُ النَّاسِ الَّذِي يَبْخَلُ بِالسَّلَامِ، وَإِنَّ أَعْجَزَ النَّاسِ مَنْ عَجَزَ بِالدُّعَاءِ" وهذا لفظ البخاري.
وقد صحح هذا الإسناد عدد من أهل العلم.
قال الهيثمي رحمه الله تعالى:
" رواه أبو يعلى موقوفا في آخر حديث، ورجاله رجال الصّحيح" انتهى. "مجمع الزوائد" (10 /146 - 147).
وقال الحافظ ابن حجر رحمه الله تعالى:
" أخرج الإسماعيلي طريق عاصم من حديث أبي يعلى، عن محمد بن بكار، عن إسماعيل بن زكريا، بسند البخاري فيه، وزاد في آخره، قال أبو هريرة: ( إن أبخل الناس من بخل بالسلام، وأعجز الناس من عجز عن الدعاء)، وهذا موقوف صحيح عن أبي هريرة، وكأن البخاري حذفه لكونه موقوفا، ولعدم تعلقه بالباب " انتهى من "فتح الباري" (9/565).
وقد خالفهم مسروق بن المرزبان، فرواه مرفوعا إلى النبي صلى الله عليه وسلم.
كما عند الطبراني في "الدعاء" (ص 39)، وفي "المعجم الأوسط" (5 / 371)، قال: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْحَضْرَمِيُّ قَالَ: حدثنَا مَسْرُوقُ بْنُ الْمَرْزُبَانِ قَالَ: حدثنَا حَفْصُ بْنُ غِيَاثٍ، عَنْ عَاصِمٍ الْأَحْوَلِ، عَنْ أَبِي عُثْمَانَ النَّهْدِيِّ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: (أَعْجَزُ النَّاسِ مَنْ عَجَزَ فِي الدُّعَاءِ، وَأَبْخَلُ النَّاسِ مَنْ بَخِلَ بِالسَّلَامِ).
ثم قال الطبراني: " لَمْ يَرْوِ هَذَا الْحَدِيثَ عَنْ عَاصِمٍ إِلَّا حَفْصٌ، تَفَرَّدَ بِهِ: مَسْرُوقٌ، وَلَا يُرْوَى عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم إِلَّا بِهَذَا الْإِسْنَادِ " انتهى.
ومسروق وإن كان صدوقا إلا أنه ليس بثبت قوي.
قال الذهبي رحمه الله تعالى:
" مسروق بن المرزبان.
صدوق معروف.
سمع شريكا وجماعة.
قال أبو حاتم: ليس بقوي" انتهى من "ميزان الاعتدال" (4/319).
وقد خالفه جماعة كما سبق، فرووا هذا الخبر موقوفا من كلام أبي هريرة ، فلا شك أن رواية الجماعة في هذه الحال أقوى.
وسُئل الدارقطني رحمه الله تعالى:
" عن حديث أبي عثمان، عن أبي هريرة، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( أبخل الناس من بخل بالسلام، وأعجزهم من عجز عن الدعاء ).
فقال: يرويه عاصم، واختلف عنه؛
فرواه حفص بن غياث، عن عاصم، عن أبي عثمان، عن أبي هريرة، عن النبي صلى الله عليه وسلم.
قال مسروق بن المرزبان، عنه مرفوعا، ووقفه عنه مسهر، وإسماعيل بن زكريا، ومحاضر بن المورع، عن عاصم.
والصحيح موقوف " انتهى من "علل الدارقطني" (11 / 216 - 217).
وقد ورد مرفوعا من غير حديث أبي هريرة.
فروى الطبراني في "الدعاء" (ص39)، وغيره: عن زَيْد بْن الْحَرِيشِ، حدثنا عُثْمَانُ بْنُ الْهَيْثَمِ، حدثنا عَوْفٌ، عَنِ الْحَسَنِ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُغَفَّلٍ، رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: أَعْجَزُ النَّاسِ مَنْ عَجَزَ فِي الدُّعَاءِ، وَأَبْخَلُ النَّاسِ مَنْ بَخِلَ بِالسَّلَامِ.
وفي إسناده زيد بن الحريش لم نقف على من وثقه، إلا ذكر ابن حبان له في "الثقات" (8/ 251)، لكن قال فيه: " رُبمَا أَخطَأ " انتهى.
وورد من حديث أنس، رواه ابن عدي في "الكامل" (6/387)، قال:
حَدَّثَنَا يَحْيى بْنُ مُحَمد بْنِ أَبِي الصُّفَيْرَاءِ، أَخْبَرنا إِبْرَاهِيمُ بْنُ سَعِيد، حَدَّثَنا غَسَّانُ بْنُ عُبَيد، حَدَّثَنا طَرِيفُ بْنُ سَلْمَانَ، عَن أَنَس، أَن رسُول اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَال: إِنَّ أبخل الناس من بخل بالسلام، وأعجزه مَنْ نَقَصَ مِنَ الدُّعَاءِ.
وفي إسناده طريف بن سلمان، وهو منكر الحديث.
قال ابن عدي رحمه الله تعالى:
" طريف بن سلمان، ويقال: ابن سليمان، أبو عاتكة.
سمع أنسا، عن النّبيّ صلى الله عليه وسلم: ( طَلَبُ الْعِلْمِ فَرِيضَةٌ )، منكر الحديث.
سمعت ابن حماد ذكره عن البخاريّ … وعامة ما يرويه عن أنس لا يتابعه عليه أحد من الثقات " انتهى من "الكامل في ضعفاء الرجال" (6 / 385 - 387).
وقال الذهبي رحمه الله تعالى:
" طريف بن سلمان أبو عاتكة: عن أنس.
قال أبو حاتم: ذاهب الحديث. وقال البخاري: منكر الحديث. وقال النسائي: ليس بثقة. وقال الدارقطني وغيره: ضعيف " انتهى من "ميزان الإعتدال" (2/307).
فالحاصل؛ أن هذا الخبر روي مرفوعا إلى النبي صلى الله عليه وسلم ، وروي موقوفا على أبي هريرة رضي الله عنه ، وتصحيح أحد الوجهين من الرواية في هذا الحديث: هو من مسائل الاجتهاد السائغ بين المشتغلين بهذا العلم، ولهذا اختار كلا من القولين قوم من أهل العلم الحديث.
وإن كان الأقرب فيه ، فيما ظهر لنا : أنه لم يصح رفعه إلى النبي صلى الله عليه وسلم ، وإنما يصح موقوفا من كلام أبي هريرة رضي الله عنه.
والله أعلم
تعليق