الحمد لله.
تعامل الأفراد المعتاد مع محلات الذهب يتم بصورتين:
الصورة الأولى، وهي الواردة في السؤال:
أن تشتري الذهب بالنقود الورقية، ولا تبادل ذهبا بذهب، وفي هذه الحالة يجوز لصاحب المحل أن يضيف سعر المصنعية أو غيرها على القيمة الأصلية لسعر الذهب الصافي، فمثلاً إذا كان سعر جرام الذهب الصافي الأسواق (وهو سعر عالمي) 50 دولار وأردت شراء عشرة جرامات، فقطعا لن يبيعك الجرام ب 50 دولار، لأنه قام بتصنيع الذهب، أو اشتراه مصنعا، فالذهب المصنع يضاف إلى كل جرام قيم المصنعية عند البيع، حسب نوع الذهب المصوغ، فمثلاً الإيطالي مصنعية الجرام 2 دولار، والسنغافوري 5 دولار، فبحسب نوع المصنعية يرتفع الثمن، ولا حرج في هذا مادام أنه يتم التقابض في المجلس لكامل الثمن.
وذلك أن الذهب والنقود أجناس مختلفة، ولا يشترط فيها التماثل، وإنما يشترط فيها التقابض، كما في حديث عباد بن الصامت رضي الله عنه المذكور سابقاً: (فَإِذَا اخْتَلَفَتْ هَذِهِ الْأَصْنَافُ فَبِيعُوا كَيْفَ شِئْتُمْ إِذَا كَانَ يَدًا بِيَدٍ).
الصورة الثانية:
أن تبادل صاحب المحل ذهب قديم بذهب جديد، ويضيف إليها ثمن المصنعية (الصياغة) وتدفع فارق الثمن بينهما، بمعنى أن تعطيه مائة جرام ذهب قديم، مقابل مائة جرام جديد، ومائة دولار زيادة مقابل المصنعية، وفي حال كان الأمر كذلك، فهذا التعامل غير جائز، فعن عبادة رضي الله عنه قال: قَالَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم (الذهب بالذهب. والفضة بالفضة. والبر بالبر. والشعير بالشعير. والتمر بِالتَّمْرِ. وَالْمِلْحُ بِالْمِلْحِ. مِثْلًا بِمِثْلٍ. سَوَاءً بِسَوَاءٍ. يَدًا بِيَدٍ. فَإِذَا اخْتَلَفَتْ هَذِهِ الْأَصْنَافُ، فَبِيعُوا كَيْفَ شِئْتُمْ، إِذَا كَانَ يَدًا بِيَدٍ) مسلم (1587). وفي رواية أخرى عند مسلم (فَمَنْ زَادَ أَوِ اسْتَزَادَ فَقَدْ أَرْبَى. الْآخِذُ وَالْمُعْطِي فِيهِ سَوَاءٌ) (1584).
وتصحيح هذه المعاملة هو: أن تبيع الذهب القديم بثمنه، وبعد أن تقبض الثمن تشتري ذهبا، والأفضل أن تبحث عن الشيء الجديد في مكان آخر، المهم ألا تقع المبادلة بين ذهب وذهب مع دفع الفرق ولو كان ذلك من أجل الصناعة.
جاء في "الموسوعة الفقهية": "ذَهَبَ جُمْهُورُ الْفُقَهَاءِ إلَى أَنَّ عَيْنَ الذَّهَبِ وَتِبْرَهُ، وَالصَّحِيحَ وَالْمَكْسُورَ مِنْهُ: سَوَاءٌ فِي جَوَازِ الْبَيْعِ، مَعَ التَّمَاثُلِ فِي الْمِقْدَارِ، وَتَحْرِيمِهِ مَعَ التَّفَاضُلِ. قَالَ الْخَطَّابِيُّ: وَقَدْ حَرَّمَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَنْ يُبَاعَ مِثْقَالُ ذَهَبٍ عَيْنٍ، بِمِثْقَالٍ وَشَيْءٍ مِنْ تِبْرٍ غَيْرِ مَضْرُوبٍ، وَكَذَلِكَ حرم التَّفَاوُتُ بَيْنَ الْمَضْرُوبِ مِنْ الْفِضَّةِ وَغَيْرِ الْمَضْرُوبِ مِنْهَا، وَذَلِكَ مَعْنَى قَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم: (الذَّهَبُ بِالذَّهَبِ تِبْرُهَا وَعَيْنُهَا) " انتهى من "الموسوعة الفقهية الكويتية" (22/ 74).
وسئل الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: "ما الحكم في أن كثيراً من أصحاب محلات الذهب يتعاملون بشراء الذهب المستعمل (الكسر)، ثم يذهبون به إلى تاجر الذهب ويستبدلونه بذهب جديد مصنع، وزن مقابل وزن تماماً، ويأخذون عليه أجرة التصنيع للذهب الجديد؟
فأجاب: ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم، أنه قال: (الذهب بالذهب والفضة بالفضة والبر بالبر والتمر بالتمر والشعير بالشعير والملح بالملح مثلاً بمثل سواء بسواء يداً بيد).
وثبت عنه أنه أُتي بتمر جيد، فسأل عنه، فقالوا كنا نأخذ الصاع من هذا بالصاعين والصاعين بالثلاثة، فأمر النبي صلى الله عليه وسلم، برد البيع وقال هذا عين الربا. ثم أرشدهم أن يبيعوا التمر الرديء بالدراهم ثم يشتروا بالدراهم تمراً جيداً.
ومن هذه الأحاديث تأخذ أن ما ذكره السائل من تبديل ذهب بذهب مع إضافة أجره التصنيع إلى أحدهما: أنه أمر محرم لا يجوز، وهو داخل في الربا الذي نهي النبي صلى الله عليه وسلم عنه.
والطريق السليم في هذا: أن يباع الذهب الكسر بثمن، من غير مواطأة ولا اتفاق، وبعد أن يقبض صاحبه الثمن، فإنه يشتري الشيء الجديد، والأفضل أن يبحث عن الشيء الجديد في مكان آخر، فإذا لم يجده رجع إلى من باعه عليه واشترى بالدراهم، وإذا زادها فلا حرج. المهم أن لا تقع المبادلة بين ذهب وذهب مع دفع الفرق، ولو كان ذلك من أجل الصناعة" انتهى من "فتاوى إسلامية (2/353).
وينظر جواب السؤال رقم : (243147)، (336111).
والله أعلم.
تعليق