الحمد لله.
أولا:
لا حرج في ذبح ذبيحة وإطعام لحمها، أو التصدق به، شكرا لله تعالى على نعمة، كختم القرآن، أو قدوم غائب، أو بناء منزل، ونحو ذلك، وهو من العمل الصالح، وقد قال تعالى: (اعْمَلُوا آلَ دَاوُودَ شُكْرًا) سبـأ/13.
ومِن شُكر الله تعالى: التقرب إليه بأنواع العبادات والطاعات ، والتحبب له بالحسنات الطيبات ، من صلاة وزكاة وصيام ونحو ذلك .
ومن شكر الله أيضا شكره بالنسك ، وهو الذبح لوجه الله تعالى .
وقد روى البيهقي في "شعب الإيمان" (1805) عَنِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ: " تَعَلَّمَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ الْبَقَرَةَ فِي اثْنَتَيْ عَشْرَةَ سَنَةً، فَلَمَّا خَتَمَهَا نَحَرَ جَزُورًا ".
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في تفسير قوله تعالى : ( فَصَلِّ لِرَبِّكَ وانْحَرْ ) :
"والمقصود: أن الصلاة والنسك هما أجلّ ما يُتقرب به إلى الله ، فإنه أتى فيهما بالفاء الدالة على السبب ؛ لأن فعل ذلك ، وهو الصلاة والنحر ، سبب للقيام بشكر ما أعطاه الله إياه من الكوثر والخير الكثير. فشكر المنعِم عليه، وعبادته: أعظمها هاتان العبادتان ، بل الصلاة نهاية العبادات وغاية الغايات ، كأنه يقول إنا أعطيناك الكوثر، و[هو] الخير الكثير ، وأنعمنا عليك بذلك ، لأجل قيامك لنا بهاتين العبادتين ، شكراً لإنعامنا عليك ، وهما السبب لإنعامنا عليك بذلك ؛ فقم لنا بهما .
فإن الصلاة والنحر محفوفان بإنعامٍ قبلهما وإنعام بعدهما ، وأجلُّ العبادات المالية : النحر ، وأجلُّ العبادات البدنية : الصلاة ، وما يجتمع للعبد في الصلاة لا يجتمع له في غيرها من سائر العبادات ، كما عرفه أرباب القلوب الحية ، وأصحاب الهمم العالية ، وما يجتمع له في نحره من إيثار الله ، وحسن الظن به ، وقوة اليقين ، والوثوق بما في يد الله : أمر عجيب ، إذا قارن ذلك الإيمان والإخلاص ، وقد امتثل النبي صلى الله عليه وسلم أمر ربه ، فكان كثير الصلاة لربه ، كثير النحر ، حتى نحر بيده في حجة الوداع ثلاثا وستين بدنة ، وكان ينحر في الأعياد وغيرها " انتهى، من "مجموع الفتاوى" (16/532).
وقد سئل سماحة الشيخ عبد العزيز بن باز، رحمه الله: " هل الذبح يندرج تحت باب الصدقة، وإذا أردت أن أذبح من أجل التصدق عن الميت هل هذا جائز؟".
فأجاب: "لا شك أن الذبح لله ، والتقرب إليه بذلك : من أفضل الصدقات، ومن أفضل القربات كما قال الله عز وجل: قُلْ إِنَّ صَلَاتِي وَنُسُكِي يعني: ذبحي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ لَا شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ .
وقال سبحانه: إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ * فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ ؛ فالتقرب إلى الله بالذبائح فيه خير عظيم، ولهذا شرع الله سبحانه وتعالى الضحية في أيام عيد النحر، وكان النبي صلى الله عليه وسلم يضحي بكبشين أملحين كل سنة، عليه الصلاة والسلام، أحدهما عنه وأهل بيته، والثاني عمن وحد الله من أمته عليه الصلاة والسلام.
فإذا ذبح الإنسان ذبيحة يقصد بها التقرب إلى الله ، ونفع الفقراء والإحسان إليهم، فلا بأس بذلك، وكان عليه الصلاة والسلام يذبح في بعض الأحيان ذبيحة، ويوزعها بين صديقات زوجته خديجة رضي الله عنها، وهكذا التصدق بالنقود وبالطعام من التمر، أو الأرز أو غير ذلك أو الملابس، كل ذلك قربة وطاعة، إذا كان لله وحده سبحانه وتعالى، على الوجه الذي شرعه الله جل وعلا.
أما الذبح من أجل التقرب إلى الموتى، كالذبح للبدوي والحسين أو للشيخ عبد القادر الجيلاني بقصد التقرب إليهم، ليشفعوا له أو ليشفوا مريضه، أو يقضوا حاجته، أو يطلبوا المدد، ويذبحوا له من أجل ذلك : هذا شرك بالله ولا يجوز، ولهذا قال عليه الصلاة والسلام: لعن الله من ذبح لغير الله .
والتقرب بالذبائح للموتى ليشفعوا للذابح أو يقضوا حاجته، أو ليشفوا مريضه، أو يمدوه بمدد ينفعه، أو يحفظوا مزرعته، أو بهائمه، كل هذا شرك بالله عز وجل، وقد يفعل هذا بعض الجهلة، وهذا من الشرك الأكبر، وهكذا الذبح للأصنام وللصور المنحوتة على صور بعض العظماء أو للجن أو للكواكب أو للملائكة يتقرب إليهم، كل هذا من الشرك الأكبر، وهكذا دعاؤهم والاستغاثة بهم، والنذر لهم، كل هذا من الشرك الأكبر - نعوذ بالله من ذلك - .
وإذا ذبح الإنسان الذبيحة من أجل الصدقة لا بأس، يتصدق بها عن أبيه، أو عن أمه، أو عن أخواته، يتقرب بها إلى الله، ويرجو ثوابها لهذا الميت، لا بأس بذلك، أو للحي كذلك".
انتهى، من "فتاوى نور على الدرب" (14/306-308).
والذبح لو لم يكن قربة مشروعة، في غير النسك ، لما شرع الوفاء بنذره في غير ذلك، لأن النذر الذي يلزم الوفاء به: إنما هو نذر الطاعة ، وليس نذر أمر مباح ؛ فضلا عن نذر المعصية.
وينظر للفائدة: جواب السؤال رقم: (89705).
ثانيا:
لا يشرع الذبح بما يسمى (الفدو) اعتقادا أنه يدفع السوء والبلاء.
وينظر: جواب السؤال رقم: (26952).
والله أعلم.
تعليق