الأحد 21 جمادى الآخرة 1446 - 22 ديسمبر 2024
العربية

يشكو من نشوز الزوجة وعقوق الأولاد

467760

تاريخ النشر : 31-01-2024

المشاهدات : 2669

السؤال

أنا والحمد لله تفضل الله على بالالتزام والمدوامة على صلواتي، والطاعات ما استطعت، لدي زوجة تعاني من مرض الذئبة الحمراء، ولديها عدة أعضاء في الجسم متأثرة منه، ومنها القلب، لي بنات، إحدى بناتي عمرها 20 عاماً تعاني من سرطان في الغدد اللمفاوية، وهي تحت العلاج، والحمد لله تتماثل للشفاء مع تأثر بعض وظائف الأعضاء أيضاً، كما إنها تتلقى علاجا نفسيا لضغوط المرض، منذ صغر سن بناتي وأنا اجتهد معهن في دينهما وحجابهما، حتى إلتقتا ـ وهن صغيرات ـ ببعض أقاربهن من النساء الكبيرات في السن، فميعوا لهن الدين والحجاب، فبدأن بالتهاون في الحجاب واللباس. الآن أنا أعاني من نشوز زوجتي، وعقوق البنات، وخصوصاً البنت المريضة، مع أن زوجتي محجبة، إلا أنها كلما نصحت أو تكلمت معها في شأن من شئون الدين أو السلوك خلاف هواها ترفض، وتناكف، ويعلو صوتها، ثم تفعل ما بدى لها بمنتهى الاستعلاء، والله المستعان، والبنت المريضة لا تقبل رأيا ولا حجة، دائماً ما تقول: دعني أفعل الشيء لله لا لأنك تطلبه مني، والنقاش إلى غير جدوى. الآن، مع قلقي على دين زوجتى وابنتي، إلا أن الكلام معهما يؤدي للانفعال، مما يؤثر على صحتهما، فنتهار بنتي أحياناً، وتصاب وزجتى بهبوط يكاد يغمى عليها، وتتأثر دقات قلبيهما المتأثر بالمرض، فاهرع للأدوية أو الطبيب حسب الحاجة. السؤال: ماذا أفعل؟ والله أنا في حالة لا أحسد عليها، والحمد لله على كل حال، إن سكت، فهل أنا مقصر في حقهن مع عنادهن التام؟ وهل هذا من الدياثة؟ وماذا أفعل تجاه حالتهم الصحية؟

الجواب

الحمد لله.

بداية نسأل الله العظيم رب العرش العظيم أن يشفي زوجتك وابنتك وأن يشرح صدورهن للإيمان وأن يصلح ذات بينكم ويحييكم حياة طيبة

 أولاً:

الحال الذي ذكرته مع زوجتك وابنتك هذا من الابتلاء الذي قد يصيب المؤمن، فيختبر الله صبره، ويعظم له أجره، وفي الحديث عن أبي هريرة، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (ما يصيب المسلم، من نَصب ولا وَصَب، ولا هم ولا حزن، ولا أذى، ولا غم، حتى الشوكة يشاكها، إلا كفر الله بها من خطايا) البخاري (5318).

قال الغزالي رحمه الله: "وقال بعض السلف : ‌من ‌الذنوب ذنوب لا يكفرها إلا الغم بالعيال" انتهى من "إحياء علوم الدين" (2/32).

ثانياً:

معالجة مثل هذه الحالات يحتاج إلى صبر وحكمة خاصة مع الحالة الصحية لهما، فيكون الإحسان إليهما والقرب منهما طريقك إلى قلوبهن لقبول ما تقول، فالإحسان يمنحك فرصة كبيرة لترشيد سلوكياتهن الخاطئة، فهو مفتاح القلوب، وهذا ما مكّن يوسف عليه السلام من أن يكون مرجعية لمن كان معه في السجن، حيث عللوا ذلك بقولهم  إنا نراك من المحسنين ، هذا من أفضل المداخل لتغيير الآخرين والارتقاء بهم.

ثالثاً:

لا تكثر النصح والتذكير فهذا مما ينفر ويزيد تعقيد الأمور، واختر الأساليب غير المباشرة، وحالات الاستعداد النفسي لديهن، فعن ابن مسعود قال: "كان النبي صلى الله عليه وسلم ‌يتخولنا ‌بالموعظة في الأيام كراهة السآمة علينا" رواه البخاري (68).

قال الخطابي رحمه الله: "قوله: يتخولنا، معناه يتعهدنا، أي يراعي الأوقات في موعظته، ويتحرى منها ما يكون مظنة القبول" انتهى من "أعلام الحديث/شرح صحيح البخاري" (1/ 194).

رابعاً:

من المهم أن تصحح المفهوم الخاطئ عند ابنتك بقولها إنها تريد أن تعمل الشيء لله لا لقولك، فهذا من مداخل الشيطان، فلا بد أن تدرك أنها ولو فعلته لقولك فهي تفعله لله، لأن التزام طاعتك حتى في المباحات مما أمر الله به، وجعل مخالفته من الكبائر، فكيف بأمر مما أوجب الله، فهي تمتثل لقولك امتثالاً لأمر الله بطاعتك، ويحصل لها امتثال أمر الله فيما أوجب عليها مما أمرتها به، فيرتفع عنها إثم المخالفة، ويحصل لها أجر البر والإحسان، وفي ذلك خير عظيم لها، فمن أحسن إلى والديه أحسن الله إليه فعن عبد الله بن عمرو رضي الله عنه ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: رِضَى الرَّبِّ فِي رِضَى الوَالِدِ ، وَسَخَطُ الرَّبِّ فِي سَخَطِ الْوَالِدِ رواه الترمذي (1899)، الألباني في "السلسة الصحيحة" حديث رقم: (516).

وعليها أن تدرك أنه لا يجوز لها تجاوز ما يراه الوالد من مصلحة لها في أمور دينها ودنياها، فالآباء أحرص على ما ينفع أولادهم من الأولاد أنفسهم، وغالبا وبالتجربة المتواترة أنّ طاعتهم عاقبتها خيرٌ ولو لم تكن على هوى الأبناء، ومخالفتهم عاقبتها سيئة، ولو ظهر أول الأمر خلاف ذلك. وفي طاعته وموافقته ستجد كل خير في العاجل والآجل فعن أبي الدرداء أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: الوَالِدُ ‌أَوْسَطُ ‌أَبْوَابِ الجَنَّةِ، فَإِنْ شِئْتَ فَأَضِعْ ذَلِكَ البَابَ أَوْ احْفَظْهُ رواه الترمذي (1900)، وصححه الألباني في "السلسة الصحيحة" (914).

خامساً:

من واجب الرجل القوامة على أهله في أمورهم الدينية والدنيوية، لقوله صلى الله عليه وسلم : كُلُّكُمْ ‌راع، وكلكم مسؤول عن ‌رعيته، الإمام راع ومسؤول عَنْ ‌رَعِيَّتِهِ، وَالرَّجُلُ رَاعٍ فِي أَهْلِهِ وَهُوَ مسؤول عَنْ ‌رَعِيَّتِهِ، ...الحديث رواه البخاري (853).

ولكن كونهم لا يلتزمون له ببعض الأمور ويقعون ببعض المخالفات دون رضاك، فهذا أمر قد يخرج عن سيطرتك، فإذا كان لا يمس بأصل الدين والشرف، فالأمر يعالج بالتدريج ويوازن بين المصالح والمفاسد.

وأما ما أشرت إليه في سؤالك، هل يعتبر هذا من الدياثة؟

فالجواب: لا، هذا ليس من الدياثة. والدياثة قد عرفها النبي صلى الله عليه وسلم بأنه الرجل الذي يرض الفاحشة في أهله. فعن ابن عمر رضي الله عنهما أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: ثَلَاثَةٌ قَدْ حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ الْجَنَّةَ مُدْمِنُ الْخَمْرِ وَالْعَاقُّ وَالدَّيُّوثُ الَّذِي يُقِرُّ فِي أَهْلِهِ الْخَبَثَ  رواه أحمد (5372) من حديث ابن عمر ، وصححه الألباني في "صحيح الجامع".

والله أعلم.

هل انتفعت بهذه الإجابة؟

المصدر: موقع الإسلام سؤال وجواب