الجمعة 21 جمادى الأولى 1446 - 22 نوفمبر 2024
العربية

هل صح أن عائشة مُثِّلَت للنبي صلى الله عليه وسلم في الجنة وقت وفاته، ليسهل عليه فراقها؟

469028

تاريخ النشر : 12-12-2023

المشاهدات : 1592

السؤال

سمعت شيئا يقول بأن عائشة مثلت للنبي عليه الصلاة والسلام في الجنة وقت وفاته ليسهل عليه فراقها، وكان لا يطيق البعد عنها، فما صحة هذا الخبر، وهل هناك حديث أو أثر صحيح يتعلق بهذا؟

الجواب

الحمد لله.

ورد في هذا الأمر عدة روايات كلها ضعيفة.

الأولى:

ما رواه المروزي في "زوائد الزهد" (1078)، وابن أبي عاصم في "الآحاد والمثاني" (5 / 390)، والطبراني في " المعجم الأوسط" (3 / 284) وغيرهم: عن أَبي مُعَاوِيَةَ الضَّرِير، قَالَ: حدثنا أَبُو حَنِيفَةَ النُّعْمَانُ بْنُ ثَابِتٍ، عَنْ حَمَّادٍ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ، عَنِ الْأَسْوَدِ، عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي مَرَضِهِ الَّذِي مَاتَ فِيهِ: ( إِنَّهُ لَيُهَوِّنُ عَلَيَّ الْمَوْتَ أَنِّي أُرِيتُكِ زَوْجَتِي فِي الْجَنَّةِ).

وقال الطبراني رحمه الله تعالى:

" لَمْ يَرْوِ هَذَا الْحَدِيثَ عَنْ حَمَّادٍ إِلَّا أَبُو حَنِيفَةَ وَمِسْعَرٌ، تَفَرَّدَ بِهِ أَبُو مُعَاوِيَةَ ".

وحماد، وهو ابن أبي سليمان، قد تفرد به عن إبراهيم، وحماد له أوهام، فتفرده بهذا الخبر يضعفه.

قال ابن أبي حاتم رحمه الله تعالى:

" سمعت أبي يقول - وذكر حماد بن أبي سليمان - فقال: هو صدوق، ولا يحتج بحديثه، هو مستقيم في الفقه وإذا جاء الآثار شوش " انتهى من "الجرح والتعديل" (3/147).

وقال الحافظ ابن حجر رحمه الله تعالى:

" حَمَّاد بن أبي سُليمان: فقيهٌ صدوقٌ له أوهام " انتهى من "تقريب التهذيب" (ص 178).

الثانية:

روى الإمام أحمد في "المسند" (41/519)، قال: حَدَّثَنَا وَكِيعٌ، عَنْ إِسْمَاعِيلَ، عَنْ مُصْعَبِ بْنِ إِسْحَاقَ بنِ طَلْحَةَ، عَنْ عَائِشَةَ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: ( إِنَّهُ لَيُهَوِّنُ عَلَيَّ أَنِّي رَأَيْتُ بَيَاضَ كَفِّ عَائِشَةَ فِي الْجَنَّةِ ).

وقد روي مرسلا، كما عند الإمام أحمد في "فضائل الصحابة" (2/871)، قال: حدثنا وَكِيعٌ، عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ أَبِي خَالِدٍ، عَنْ مُصْعَبِ بْنِ إِسْحَاقَ بْنِ طَلْحَةَ. وَقَالَ وَكِيعٌ مَرَّةَ: عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ( لَقَدْ رَأَيْتُ عَائِشَةَ فِي الْجَنَّةِ كَأَنِّي أَنْظُرُ إِلَى بَيَاضِ كَفَّيْهَا، لَيُهَوَّنُ بِذَلِكَ عَلَيَّ عِنْدَ مَوْتِي ).

ورواه ابن أبي شيبة في "المصنف" (18/127)، قال: حَدَّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ.

وابن سعد في "الطبقات الكبرى" (8/52)، قال: أَخْبَرَنَا يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ.

كلاهما: عَنْ إِسْمَاعِيلَ بن أبي خالد، قَالَ: حَدَّثَنِي مُصْعَبُ بْنُ إِسْحَاقَ بْنِ طَلْحَةَ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: ( قَدْ أُرِيتُ عَائِشَةَ فِي الْجَنَّةِ لِيَهُونَ عَلَيَّ بِذَلِكَ مَوْتِي كَأَنِّي أَرَى كَفَّهَا ).

فهذا الإسناد ضعيف، للاضطراب في وصله وإرساله.

ولأن في إسناده مصعب بن إسحاق وهو مجهول.

قال الشيخ الألباني رحمه الله تعالى:

" وهذا إسناد ضعيف. رجاله ثقات رجال الشيخين؛ غير مصعب هذا، لم يرو عنه غير إسماعيل هذا - وهو ابن أبي خالد -؛ فهو في عداد المجهولين؛ فقد أورده ابن أبي حاتم (4/1/305) ولم يسمِّ جده، وقال:

" ... القرشي روى عن النبي صلى الله عليه وسلم؛ مرسل. روى عنه إسماعيل بن أبي خالد ".

وذكر ابن حبان نحوه، ولكنه اضطرب في طبقته؛ فمرة أورده في "طبقة التابعين" (5/412) من روايته عن عائشة، ومرة أورده في "أتباع التابعين"، وقال:

"يروي المراسيل". انتهى من "السلسلة الضعيفة" (13/30).

الثالثة:

روى ابن أبي حاتم في "العلل" (6/425)، قال: حدَّثنا كُرْدُوسُ بن أبي عبد الله الواسِطي، عن المُعَلَّى بن عبد الرحمن، عن عبد الحَميد بن جعفر، عَنِ الزُّهري، عَنْ أَبِي بَكْرِ بن عبد الرحمن بْنِ الْحَارِثِ بْنِ هِشَامٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عائِشَة - وَعَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ، عَنْ عائِشَة - قَالَتْ: قال رسولُ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي مَرَضِهِ: (إِنَّهُ لَيُهَوِّنُ عَلَيَّ المَوْتَ أَنِّي أُرِيتُكِ زَوْجَتِي فِي الجَنَّةِ).

ثم قال ابن أبي حاتم رحمه الله تعالى:

" فسمعت أبي يقول: هذا حديث موضوع بهذا الإسناد، والمعلى متروك الحديث ".

فالخلاصة؛ أنه لم يثبت هذا الخبر، ولم يصح له إسناد.

وغاية ما ورد أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يحب أن يكون عند عائشة رضي الله عنها في مرض وفاته صلى الله عليه وسلم، كما في حديث عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَسْأَلُ فِي مَرَضِهِ الَّذِي مَاتَ فِيهِ، يَقُولُ: ( أَيْنَ أَنَا غَدًا، أَيْنَ أَنَا غَدًا؟) يُرِيدُ يَوْمَ عَائِشَةَ، فَأَذِنَ لَهُ أَزْوَاجُهُ يَكُونُ حَيْثُ شَاءَ، فَكَانَ فِي بَيْتِ عَائِشَةَ حَتَّى مَاتَ عِنْدَهَا، قَالَتْ عَائِشَةُ: فَمَاتَ فِي اليَوْمِ الَّذِي كَانَ يَدُورُ عَلَيَّ فِيهِ، فِي بَيْتِي ... رواه البخاري (4450)، ومسلم (2443).

والله أعلم.

هل انتفعت بهذه الإجابة؟

المصدر: موقع الإسلام سؤال وجواب