الحمد لله.
يحرم سوم الإنسان على سوم أخيه؛ لما روى مسلم (1408) عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: لَا يَخْطُبُ الرَّجُلُ عَلَى خِطْبَةِ أَخِيهِ وَلَا يَسُومُ عَلَى سَوْمِ أَخِيهِ.
وذلك إذا ركن البائع إلى المشتري وتراضيا على ثمن معين.
قال النووي رحمه الله: " وأما السوم على سوم أخيه: فهو أن يكون قد اتفق مالك السلعة، والراغب فيها، على البيع، ولم يعقداه، فيقول الآخر للبائع: أنا أشتريه، وهذا حرام بعد استقرار الثمن" انتهى من "شرح مسلم" (10/158).
وقال الخطيب الشربيني في "مغني المحتاج" (2/390): " (والسوم على سوم غيره) لخبر: لا يسوم الرجل على سوم أخيه، وهو خبر بمعنى النهي، والمعنى فيه الإيذاء، وذكر الرجل والأخ: ليس للتقييد، بل الأول: لأنه الغالب. والثاني: للرأفة والعطف؛ فغيرُهما مثلُهما في ذلك، ولهذا قال المصنف: والسوم على سوم غيره.
(وإنما يحرم ذلك بعد استقرار الثمن) بالتراضي صريحا، وقبل العقد، كأن يقول شخص لمن يريد شراء شيء بكذا: لا تأخذه وأنا أبيعك خيرا منه بهذا الثمن، أو بأقل منه، أو مثله بأقل، أو يقول لمالكه: لا تبعه، وأنا أشتريه منك بأكثر. فإن لم يصرح له المالك بالإجابة، بأن عرّض بها، أو سكت، أو كانت الزيادة قبل استقرار الثمن، أو كان إذ ذاك ينادَى عليه بطلب الزيادة: لم يحرم ذلك، لكن يُكره فيما إذا عرّض له بالإجابة" انتهى.
وقال البهوتي في "شرح منتهى الإرادات" (2/ 23): " (وسومٌ) - بالرفع -(على سومه)، أي المسلم، (مع الرضا) من بائع (صريحا: مُحرم)؛ لحديث أبي هريرة مرفوعا " لا يسم الرجل على سوم أخيه رواه مسلم. فإن لم يصرح بالرضا لم يحرم؛ لأن المسلمين لم يزالوا يتبايعون في أسواقهم بالمزايدة" انتهى.
وجاء في "فتاوى اللجنة الدائمة" (13/119): "تجوز المساومة على السلعة؛ رعاية لحق البائع، ما لم يركن البائع إلى سوم أحد السائمين، فلا يجوز؛ رعاية لحق من رست عليه، وهذا هو المقصود بالنهي عن سوم الإنسان على سوم أخيه.
عبد الله بن قعود ... عبد الله بن غديان ... عبد الرزاق عفيفي ... عبد العزيز بن عبد الله بن باز" انتهى.
فإذا لم يحصل ركونٌ وتراضٍ صريح على الثمن، فلا حرج في السوم على سومه، أي أن يتقدم من يشتري غيره.
وقد ذكرت في سؤالك أنك ووكيل البائع تراضيتما على الثمن، لكنك تريد تأجيل نصفه أسبوعين أو ثلاثة، ولم يحصل اتفاق على هذا التأجيل، لا مع الوكيل ولا مع البائع لغيابه، وأن الوكيل أراد مشاورة البائع عن طريق المحامي، ومعلوم أن القول الفصل في ذلك للبائع، وأن الزمن له وقع وتأثير في الثمن، فقد يزيد البائع في الثمن إذا اشترطت التأجيل، وقد يرفض البيع كليةً لخوف التأخير أو المماطلة.
وعليه؛ فلا يعتبر ما حصل ركونا وتراضيا صريحا على الثمن، بل ولا على أصل البيع، ولا حرج حينئذ على المحامي في شراء البيت.
قال الحطاب المالكي في "مواهب الجليل" (4/239):
" قال ابن رشد في المذهب: ولو أوقف المنادي السلعة بثمن على التاجر وشاور صاحبها فأمره بالبيع ثم زاد غيره عليه فهي للأول قاله الأبياني اهـ ....
وهذا إذا لم تحصل الزيادة إلا بعد مشاورة ربه، وأمره السمسار بالبيع.
وأما لو زاده فيه شخص قبل مشاورة رب السلعة، فقد تقدم في التنبيه السابع عن مالك، من رواية ابن القاسم: أنه يخبر رب السلعة بالزيادة، ولم ير ذلك من السوم على سوم أخيه؛ لأن النهي عن ذلك إنما هو مع الركون، وصاحب السلعة هنا غائب، لا يُعلم إن كان يميل إلى البيع بذلك الثمن أم لا" انتهى.
وينظر: "لوامع الدرر في هتك أستار المختصر" (8/17).
والحاصل أنه لا إثم على المحامي في سومه على سومك وشرائه البيت؛ لعدم حصول الركون بينك وبين البائع.
والله أعلم.
تعليق