الحمد لله.
لا حرج في الدلالة على من يبيع السعر الأرخص، في مقابل من يعلن عن سلعته بسعر أعلى، إلا أن يتحقق كون المعلن باع لأحد أو ساومه أحد وتراضيا على ثمن معين، فتمنع الدلالة حينئذ لهؤلاء؛ لأنه يحرم أن يبيع الإنسان على بيع أخيه، أو يسوم على سومه؛ لما روى البخاري (2139)، ومسلم (1412) عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: (لَا يَبِيعُ بَعْضُكُمْ عَلَى بَيْعِ أَخِيهِ).
وروى مسلم (1408) عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: (لَا يَخْطُبُ الرَّجُلُ عَلَى خِطْبَةِ أَخِيهِ وَلَا يَسُومُ عَلَى سَوْمِ أَخِيهِ).
قال النووي رحمه الله: " أما البيع على بيع أخيه فمثاله : أن يقول لمن اشترى شيئا في مدة الخيار: افسخ هذا البيع وأنا أبيعك مثله بأرخص من ثمنه، أو أجود منه بثمنه ونحو ذلك. وهذا حرام. يحرم أيضا الشراء على شراء أخيه، وهو أن يقول للبائع في مدة الخيار: افسخ هذا البيع، وأنا أشتريه منك بأكثر من هذا الثمن ونحو هذا.
وأما السوم على سوم أخيه: فهو أن يكون قد اتفق مالك السلعة، والراغب فيها، على البيع، ولم يعقداه، فيقول الآخر للبائع: أنا أشتريه، وهذا حرام بعد استقرار الثمن" انتهى من "شرح مسلم" (10/158).
وقال في "شرح منتهى الإرادات" (2/23): " (وسومٌ على سومه) أي المسلم (مع الرضا) من بائع (صريحا محرم) لحديث أبي هريرة مرفوعا " لا يسم الرجل على سوم أخيه رواه مسلم. فإن لم يصرح بالرضا لم يحرم ; لأن المسلمين لم يزالوا يتبايعون في أسواقهم بالمزايدة" انتهى.
والظاهر -والله أعلم- أنه يدخل في معنى النهي عن ذلك: ما ذكر في السؤال من وجود المنتج بسعر أرخص في مكان آخر، لما فيه من إيحاش البائع، إذا رأى الدال قد عطل عليه بيعه، وربما حمل ذلك منه على قصد الإضرار به، مع ما يتبع ذلك أيضا من إيقاع النزاع والتخاصم بين المتبايعين.
قال اللخمي، رحمه الله: " وهذا حض منه على رفع الشحناء وما يجر إلى التباغض" انتهى من "التبصرة" (9/4275).
وقال ابن ناجي، رحمه الله: " ولما كانت علة النهي عن الخطبة على خطبة الغير ترتب العداوة، وكانت موجودة في سوم الشخص على سوم غيره؛ قال صلى الله عليه وسلم في بقية الحديث: (ولا يسوم على سومه)؛ وذلك النهي المذكور عند أهل المذهب "إذا ركنا وتقاربا" التقارب تفسير للتراكن" انتهى من "شرح الرسالة" (3/961).
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية، رحمه الله: " واستئجاره على استئجار أخيه، واقتراضه على اقتراض أخيه، واتهابه على اتهاب أخيه، مثل شرائه على شراء أخيه، أو شراؤه على اتهابه، أو شراؤه على إصداقه، ونحو ذلك، بحيث تختلف جهة الملك." انتهى، نقله المرداوي في "الإنصاف" (11/183).
وقال الشيخ ابن عثيمين، رحمه الله: " الشريعة الإسلامية تنبذ كل شيء يؤدي إلى النزاع والعداوة والبغضاء: "لا يبيع الرجل على بيع أخيه"، "لا ينكح على نكاحه" لا يؤجر على إجارته، لا يسم على سومه، كل شيء يوجب العداوة والبغضاء الشريعة تمحوه محوًا ولا تأتي به أبدًا" انتهى، من "فتح ذي الجلال والإكرام" (4/219).
فأما إذا كان يدل شخصا لم يشتر من المعلن فعلا، ولم يركن إلى سلعته ويرغب فيها ؛ فلا حرج عليه أن يعرض هو سلعة له ، أو يدل على محل يبيعها بأرخص؛ لأن الأصل الإباحة فلا يزول بالاحتمال، وليس في هذا قطع للرزق، بل فيه إحسان للناس ونفع لهم.
والله أعلم.
تعليق