الخميس 20 جمادى الأولى 1446 - 21 نوفمبر 2024
العربية

هل صحيح أن الذنوب كانت تسجل على باب بيت المذنب في الشرائع السابقة؟

477923

تاريخ النشر : 02-02-2024

المشاهدات : 3169

السؤال

قال لي أحدهم ـ وهو متعلم الشريعة الإسلامية ـ : أن الستر هو ميزة للدين الإسلامي عن باقي الديانات، فقبل الإسلام كانت الذنوب تُسجل على باب بيت المذنب، فعلى سبيل المثال: من يسرق تكتب الملائكة على باب بيته سارق، وهكذا، فهل هذا الكلام صحيح؟ وإذا كان صحيحا ما الدليل على ذلك؟

ملخص الجواب

هذا الخبر ورد بإسناد حسن من كلام ابن مسعود رضي الله عنه، ويشبه أن يكون مأخوذا عن أهل الكتاب، ومنقولا عن رواياتهم. وليس فيه ما يدل على أن الستر على المذنب خاص بهذه الأمة، بل يدل على أن في بني إسرائيل كانت لا تقبل توبة إلا بكفارة يلزم القيام بها، وأما التوبة في هذه الأمة فلا يلزم لقبولها كفارة.

الجواب

الحمد لله.

هذا الخبر يسوقه أهل العلم في تفسير قوله تعالى: (وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللَّهَ فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ وَمَنْ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا اللَّهُ وَلَمْ يُصِرُّوا عَلَى مَا فَعَلُوا وَهُمْ يَعْلَمُونَ) آل عمران/135.

روى الطبري في "التفسير" (6/62)، قال: حَدَّثَنِي الْقَاسِمُ، قَالَ: حدثنا الْحُسَيْنُ، قَالَ: حدثني حَجَّاجٌ.

وابن المنذر في "التفسير" (1/379)، قال: حدثنا عَلِيُّ بْنُ الْمُبَارَكِ، قَالَ: حَدَّثَنَا زَيْدٌ، قَالَ: حَدَّثَنَا ابْنُ ثَوْرٍ.

وإسحاق بن راهوية وعبد بن حميد في "تفسيريهما"، كما ساق ذلك ابن حجر في "العجاب في بيان الأسباب" (2/754)، قالا: أخبرنا روح بن عبادة، أخبرنا محمد بن عبد الملك بن جريج.

وحَجَّاجٌ، وابْنُ ثَوْرٍ، ومحمد بن عبد الملك بن جريج رووه: عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، عَنْ عَطَاءِ بْنِ أَبَى رَبَاحٍ:

" أَنَّهُمْ قَالُوا: يَا نَبِيَّ اللَّهِ! بَنُو إِسْرَائِيلَ أَكْرَمُ عَلَى اللَّهِ مِنَّا، كَانُوا إِذَا أَذْنَبَ أَحَدُهُمْ، أَصْبَحَتْ كَفَّارَةُ ذَنْبِهِ ‌مَكْتُوبَةً ‌فِي ‌عَتَبَةِ ‌بَابِهِ: اجْدَعْ أُذُنَكَ، اجْدَعْ أَنْفَكَ، افْعَلْ!

فَسَكَتَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، فَنَزَلَتْ: ( وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَوَاتُ وَالْأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ ) إِلَى قَوْلِهِ: ( وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللَّهَ فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ )، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: ( أَلَا أُخْبِرُكُمْ بِخَيْرٍ مِنْ ذَلِكَ؟) فَقَرَأَ هَؤُلَاءِ الْآيَاتِ.

وقال ابن حجر رحمه الله تعالى، بعد أن ساق خبر عطاء هذا من طريق إسحاق بن راهويه، وعبد بن حميد: " وهذا سند قوي إلى عطاء " انتهى من "العجاب في بيان الأسباب" (2/754).

لكنه مرسل؛ فعطاء لم يصرّح عمن أخذه، ومرسلات عطاء معدودة عند أهل العلم من أضعف المرسلات.

قال الترمذي رحمه الله تعالى: " حدثنا أبو بكر، عن علي بن عبد الله، قال: قال يحيى بن سعيد: ‌مرسلات مجاهد أحب إلي من ‌مرسلات عطاء بن أبي رباح بكثير، كان عطاء يأخذ عن كل ضرب.

قال علي: قال يحيى: ‌مرسلات سعيد بن جبير أحب إلي من ‌مرسلات عطاء " انتهى من "سنن الترمذي - كتاب العلل" (6/247).

وقال ابن رجب رحمه الله تعالى:

" وقال أحمد في رواية الفضل بن زياد: مرسلات سعيد بن المسيب أصح المرسلات، ومرسلات إبراهيم لا بأس بها. وليس في المرسلات أضعف من مراسيل الحسن وعطاء بن أبي رباح، فإنهما يأخذان عن كلٍّ". انتهى من "شرح علل الترمذي" (1/539).

ورواه الطبري في "التفسير" (2/410) من مرسل أبي العالية، حيث قال:

حَدَّثَنِي بِهِ الْمُثَنَّى، قَالَ: حدثَنَا إِسْحَاقُ، قَالَ: حدثَنَا ابْنُ أَبِي جَعْفَرٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ الرَّبِيعِ، عَنْ أَبِي الْعَالِيَةِ، قَالَ: ( قَالَ رَجُلٌ: " يَا رَسُولَ اللَّهِ! لَوْ كَانَتْ كَفَّارَاتُنَا كَفَّارَاتِ بَنِي إِسْرَائِيلَ. فَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: اللَّهُمَّ لَا نَبْغِيهَا، اللَّهُمَّ لَا نَبْغِيهَا، مَا أَعْطَاكُمُ اللَّهُ خَيْرٌ مِمَّا أَعْطَى بَنِي إِسْرَائِيلَ؛ كَانَتْ بَنُو إِسْرَائِيلَ إِذَا أصاب أَحَدُهُمُ الْخَطِيئَةَ وَجَدَهَا مَكْتُوبَةً عَلَى بَابِهِ وَكَفَّارَتَهَا … ).

وشيخ الطبري المثنى بن إبراهيم: مجهول الحال.

ومرسلات أبي العالية تعدّ ضعيفة كحال مرسلات عطاء.

وروي موقوفا من كلام ابن مسعود رضي الله عنه.

فروى الطبري في "التفسير" (7 / 475)، قال:

حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى، قَالَ: حدثنا ابْنُ أَبِي عَدِيٍّ، عَنْ شُعْبَةَ، عَنْ عَاصِمٍ، عَنْ أَبِي وَائِلٍ، قَالَ: قَالَ عَبْدُ اللَّهِ: ( كَانَتْ بَنُو إِسْرَائِيلَ إِذَا أَصَابَ أَحَدُهُمْ ذَنْبًا أَصْبَحَ قَدْ كُتِبَ كَفَّارَةُ ذَلِكَ الذَّنْبِ عَلَى بَابِهِ ، وَإِذَا أَصَابَ الْبَوْلُ شَيْئًا مِنْهُ قَرَضَهُ بِالْمِقْرَاضِ ، فَقَالَ رَجُلٌ: لَقَدْ أَتَى اللَّهُ بَنِي إِسْرَائِيلَ خَيْرًا. فَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ: مَا آتَاكُمُ اللَّهُ خَيْرًا مِمَّا آتَاهُمْ ، جَعَلَ اللَّهُ الْمَاءَ لَكُمْ طَهُورًا ، وَقَالَ: ( وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللَّهَ فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ )، وَقَالَ: ( وَمَنْ يَعْمَلْ سُوءًا أَوْ يَظْلِمْ نَفْسَهُ ثُمَّ يَسْتَغْفِرِ اللَّهَ يَجِدِ اللَّهَ غَفُورًا رَحِيمًا ). ).

وتابع شعبةَ حمادُ بن سلمة، كما عند إسحاق بن راهويه، وقد ساق إسناده الحافظ ابن حجر في "المطالب العالية" ( 14 / 282)، قال:

" [قال إسحاق بن راهويه:] أخبرنا النَّضْرُ بْنُ شُمَيْلٍ، حدثنا حمَّاد بْنُ سَلَمَةَ، عَنْ عَاصِمِ بْنِ أَبِي النَّجُودِ، عَنْ أَبِي وَائِلٍ شَقِيقِ بْنِ سَلَمَةَ، عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ رضي الله عنه، قَالَ: قَتَلَ رَجُلٌ تِسْعَةً وَتِسْعِينَ نَفْسًا، ثُمَّ أَرَادَ التَّوْبَةَ...

قَالَ ابْنُ مسعود رضي الله عنه: وكان بنو إسرائيل إِذَا أَذْنَبَ أَحَدُهُمْ، أَصْبَحَ وَقَدْ كَتَبَ كَفَّارَةَ ذنبه على أسكفَّة بابه، ففضلكم الله تعالى عليهم، فأمرتم بالاستغفار، فتستغفرون الله تعالى، قَالَ: وَلَقَدْ أَعْطَى هَذِهِ الْأُمَّةَ آيَةً مَا أُحِبُّ أَنَّ لَهُمْ بِهَا الدُّنْيَا وَمَا فِيهَا، ( وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللَّهَ فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ ).

إسناده صحيح " انتهى.

لكن عاصم ابن أبي النجود يحسّن حديثه.

قال الذهبي رحمه الله تعالى: " قلت: هو حسن الحديث.

وقال أحمد وأبو زرعة: ثقة.

قلت: خرج له الشيخان، لكن مقرونا بغيره، لا أصلا وانفرادا " انتهى من "ميزان الاعتدال" (2 / 325).

وروى الطبري في "التفسير" (6 / 63)، قال:

حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، قَالَ: حدثنا الْحُسَيْنُ، قَالَ: حدثني عُمَرُ بْنُ أبي خَلِيفَةَ الْعَبْدِيُّ، قَالَ: حدثنا عَلِيُّ بْنُ زَيْدِ بْنِ جُدْعَانَ، قَالَ: قَالَ ابْنُ مَسْعُودٍ: ( كَانَتْ بَنُو إِسْرَائِيلَ إِذَا أَذْنَبُوا، أَصْبَحَ مَكْتُوبًا عَلَى بَابِهِ الذَّنْبُ وَكَفَّارَتُهُ، فَأُعْطِينَا خَيْرًا مِنْ ذَلِكَ هَذِهِ الْآيَةِ ).

وعَلِيُّ بْنُ زَيْدِ بْنِ جُدْعَانَ قد ضُعِّف.

ورواه عبد الرزاق كما في "المصنف" (11 / 182)، قال: أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ، عَنْ أَيُّوبَ، عَنِ ابْنِ سِيرِينَ، أَنَّ ابْنَ مَسْعُودٍ، قَالَ: ( إِنَّ الرَّجُلَ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ إذَا أَذْنَبَ أَصْبَحَ عَلَى بَابِهِ مَكْتُوبٌ: أَذْنَبْتَ كَذَا وَكَذَا، وَكَفَّارَتُهُ كَذَا وَكَذَا مِنَ الْعَمَلِ، فَلَعَلَّهُ أَنْ يَتَكَاثَرَ أَنْ يَعْمَلَهُ )، قَالَ ابْنُ مَسْعُودٍ: مَا أُحِبُّ أَنَّ اللَّهَ أَعْطَانَا ذَلِكَ مَكَانَ هَذِهِ الْآيَةِ: ( وَمَنْ يَعْمَلْ سُوءًا أَوْ يَظْلِمْ نَفْسَهُ ثُمَّ يَسْتَغْفِرِ اللَّهَ يَجِدِ اللَّهَ غَفُورًا رَحِيمًا ).

قال الهيثمي رحمه الله تعالى:

" ورجاله رجال الصحيح، إلا أن ابن سيرين ما أظنه سمع من ابن مسعود " انتهى من "مجمع الزوائد" (7 / 11).

والحاصل:

أن هذا الخبر لم يثبت مرفوعا إلى النبي صلى الله عليه وسلم.

لكنه ثبت بإسناد صحيح، أو حسن عن ابن مسعود رضي الله عنه.

وهو مروي كذلك عن غير واحد من التابعين، كما سبق بيانه.

والذي يترجح أن هذا مما تلقاه السلف عن بني إسرائيل؛ لا سيما وهو متعلق بشيء من أخبارهم، وأحوالهم؛ فهم معدن ذلك، وعامة الباب منقول عنهم، وعن كتبهم.

ولا يلزم أن يكون "الصحابي" قد تلقاه بنفسه من أهل الكتاب، أو قرأه في كتبهم؛ فقد يكون تلقاه عن غيره من الصحابة الذين سمعوه من أهل الكتاب، أو قرؤوه في كتبهم. وقد يكون سمعه من مسلمة أهل الكتاب، كعبد الله بن سلام، وغيره؛ فلا يذكر الناس أنه سمعه من أهل الكتاب؛ لأنه سمعه من "صحابي مثله"، ويكون أصل هذا الخبر منقولا عن أهل الكتاب.

هذا، مع أن ابن مسعود قد ثبت له شيء من الرواية عن أهل الكتاب.

وينظر للفائدة: كتاب "المرفوع حكما .." للدكتور عمار الصياصنة، ص (504) وما بعدها.

لكن جعل الستر على المذنبين من خصائص هذه الأمة لم نقف له على دليل صريح، بل من صفات الله كما ورد في السنة أنه (حَلِيمٌ حَيِيٌّ سِتِّيرٌ يُحِبُّ الْحَيَاءَ وَالسَّتْرَ ) رواه أبو داود وصححه الألباني .

فالله ستير  يحب الستر على عباده المؤمنين.

وهو الحَيِيُّ فليسَ يفضحُ عبدَه ** عند التَّجاهُرِِ منهُ بالعصيانِ

لكنَّه يُلْقِي عليه سِتْرَهُ **  فَهُوَ السِّتِّير وصاحِبُ الغُفرَانِ

وما ورد في خبر ابن مسعود يتناول أن التوبة كانت لا تحصل لمذنبي بني إسرائيل إلا بكفارة يلزمهم القيام بها.

وأما في شريعة نبينا صلى الله عليه وسلم، فقد يسّر لنا باب التوبة، فمن تاب تاب الله عليه، ولا يلزم لقبول توبة المذنب كفارة يقوم بها، فبمجرد العزم على ترك المعصية والاستغفار منها، يرجى أن يزول بذلك أثرها بإذن الله تعالى، كما في قوله تعالى:

( وَمَنْ يَعْمَلْ سُوءًا أَوْ يَظْلِمْ نَفْسَهُ ثُمَّ يَسْتَغْفِرِ اللَّهَ يَجِدِ اللَّهَ غَفُورًا رَحِيمًا ) النساء/110.

وأما الكفارات فهي متعلقة بمسائل محدودة، وليس بكل ذنب.

كما أنه ليس في الخبر أن هذا كان يحصل لجميع أجيال بني إسرائيل، ولسائر الأمم غيرهم، فلعله كان في زمن موسى عليه السلام زمن التيه.

والله أعلم.
 

هل انتفعت بهذه الإجابة؟

المصدر: موقع الإسلام سؤال وجواب