الحمد لله.
أولا :
ذهب بعض العلماء إلى أن العيوب التي يجب أن يخبر بها الخاطب هي عيوب محددة، ولا يُتوسع في هذه العيوب.
والصحيح: أنها ليست محددة ، ولكن يذكر لها ضابط عام ، وهو: أن كل عيب أدى إلى نفور الطرف الآخر، أو أخل بمصالح النكاح فإنه يجب الإخبار به.
قال ابن القيم رحمه الله:
"والقياس : أن كل عيبٍ ينفِّر الزوج الآخر منه ، ولا يحصل به مقصود النكاح من الرحمة والمودة : يوجب الخيار ، وهو أولى من البيع ، كما أن الشروط المشترطة في النكاح أولى بالوفاء من شروط البيع ، وما ألزم الله ورسوله مغروراً قط، ولا مغبونا؛ بما غُرَّ به ، وغبن به" انتهى من " زاد المعاد " ( 5 / 163 ) .
وقال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله : " والصواب: أن العيب كلُّ ما يَفوت به مقصود النكاح ، ولاشك أن من أهم مقاصد النكاح : المتعة ، والخدمة ، والإنجاب ، فإذا وجد ما يمنعها فهو عيب .
وعلى هذا فلو وجدت الزوج عقيما ، أو وجدها هي عقيمة : فهو عيب " انتهى من "الشرح الممتع" (12/220).
وسبق في جواب السؤال رقم: (111980) أن ذلك ينضبط بثلاثة أمور :
1. أن يكون المرض مؤثِّراً على الحياة الزوجية ، ومؤثراً على قيامها بحقوق الزوج والأولاد.
2. أو يكون منفِّراً للزوج بمنظره أو رائحته .
3. وأن يكون حقيقيّاً ، ودائماً ، لا متوهماً متخيلاً ، ولا طارئاً ، يزول مع المدة ، أو بعد الزواج.
وقد ذكر شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله رحمه الله كلاما جيدا في أن المرأة في النكاح لا تُسْتَقْصَى صفاتُها، وأن هذا لم تجر عادة الناس به، فقال رحمه الله:
" قَدْ عُلِمَ أَنَّ عُيُوبَ الْفَرْجِ الْمَانِعَةَ مِنْ الْوَطْءِ: لَا يُرْضَى بِهَا فِي الْعَادَةِ؛ فَإِنَّ الْمَقْصُودَ بِالنِّكَاحِ الْوَطْءُ؛ بِخِلَافِ اللَّوْنِ وَالطُّولِ وَالْقِصَرِ، وَنَحْوِ ذَلِكَ مِمَّا تُرَدُّ بِهِ الْأَمَةُ؛ فَإِنَّ الْحُرَّةَ لَا تُقْلَّبُ كَمَا تُقَلَّبُ الْأَمَةُ ، وَالزَّوْجُ قَدْ رَضِيَ رِضًا مُطْلَقًا ، وَهُوَ لَمْ يَشْرِطْ صِفَةً، فَبَانَتْ بِدُونِهَا....
وَالشَّارِعُ قَدْ أَبَاحَ، بَلْ أَحَبَّ لَهُ النَّظَرَ إلَى الْمَخْطُوبَةِ، وَقَالَ: إذَا أَلْقَى اللَّهُ فِي قَلْبِ أَحَدِكُمْ خِطْبَةَ امْرَأَةٍ فَلْيَنْظُرْ إلَيْهَا فَإِنَّهُ أَحْرَى أَنْ يُؤْدَمَ بَيْنَهُمَا . وَقَالَ لِمَنْ خَطَبَ امْرَأَةً مِنْ الْأَنْصَارِ: اُنْظُرْ إلَيْهَا فَإِنَّ فِي أَعْيُنِ الْأَنْصَارِ شَيْئًا
وَقَوْلُهُ: أَحْرَى أَنْ يُؤْدَمَ بَيْنَهُمَا : يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ إذَا عَرَفَهَا قَبْلَ النِّكَاحِ، دَامَ الْوُدُّ.
وَأَنَّ النِّكَاحَ يَصِحُّ، وَإِنْ لَمْ يَرَهَا ، فَإِنَّهُ لَمْ يُعَلِّلْ الرُّؤْيَةَ بِأَنَّهُ يَصِحُّ مَعَهُ النِّكَاحُ؛ فَدَلَّ عَلَى أَنَّ الرُّؤْيَةَ لَا تَجِبُ ، وَأَنَّ النِّكَاحَ يَصِحُّ بِدُونِهَا.
وَلَيْسَ مِنْ عَادَةِ الْمُسْلِمِينَ وَلَا غَيْرِهِمْ أَنْ يَصِفُوا الْمَرْأَةَ الْمَنْكُوحَةَ بِذَلِكَ؛ بِخِلَافِ الْبَيْعِ ...
وَهَذَا الْفَرْقُ إنَّمَا هُوَ لِلْفَرْقِ بَيْنَ النِّسَاءِ وَالْأَمْوَالِ: أَنَّ النِّسَاءَ يُرْضَى بِهِنَّ فِي الْعَادَةِ عَلَى الصِّفَاتِ الْمُخْتَلِفَةِ ، وَالْأَمْوَالَ لَا يُرْضَى بِهَا عَلَى الصِّفَاتِ الْمُخْتَلِفَةِ؛ إذْ الْمَقْصُودُ بِهَا التَّمَوُّلُ ، وَهُوَ يَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ الصِّفَاتِ ، وَالْمَقْصُودُ بِالنِّكَاحِ الْمُصَاهَرَةُ، وَالِاسْتِمْتَاعُ ، وَذَلِكَ يَحْصُلُ مَعَ اخْتِلَافِ الصِّفَاتِ. فَهَذَا فَرْقٌ شَرْعِيٌّ مَعْقُولٌ فِي عُرْفِ النَّاسِ.
وَلَوْ قَالَ: ظَنَنْتهَا أَحْسَنَ مِمَّا هِيَ، أَوْ مَا ظَنَنْت فِيهَا هَذَا، وَنَحْوَ ذَلِكَ؛ كَانَ هُوَ الْمُفَرِّطَ، حَيْثُ لَمْ يَسْأَلْ عَنْ ذَلِكَ، وَلَمْ يَرَهَا، وَلَا أَرْسَلَ مَنْ رَآهَا.
وَلَيْسَ مِنْ الشَّرْعِ وَلَا الْعَادَةِ: أَنْ تُوصَفَ لَهُ فِي الْعَقْدِ كَمَا تُوصَفَ الْإِمَاءُ فِي السَّلَمِ؛ فَإِنَّ اللَّهَ صَانَ الْحَرَائِرَ عَنْ ذَلِكَ وَأَحَبَّ سَتْرَهُنَّ؛ وَلِهَذَا نُهِيَتْ الْمَرْأَةُ أَنْ تَعْقِدَ نِكَاحًا ، فَإِذَا كُنَّ لَا يُبَاشِرْنَ الْعَقْدَ فَكَيْفَ يُوصَفْنَ؟
وَأَمَّا الرَّجُل فَأَمْرُهُ ظَاهِرٌ ، يَرَاهُ مَنْ يَشَاءُ ، فَلَيْسَ فِيهِ عَيْبٌ يُوجِبُ الرَّدَّ ، وَالْمَرْأَةُ إذَا فَرَّطَ الزَّوْجُ، فَالطَّلَاقُ بِيَدِهِ" انتهى من "مجموع الفتاوى " (29/354).
ثانيا:
الأشياء التي ذكرتيها كلها ليست من العيوب التي يجب الإخبار بها ، لأنها أمور معتادة ،ولا تؤدي إلى النفور ، ولا تخل بمصالح النكاح ، كما أنك ذكرت أن الأطباء ذكروا أنها أمور معتادة وأنها لا تسبب مشكلة.
وكذلك قصر النظر؛ فهو أمر معتاد عند الناس ، ولم يعد ينطوي على كثير من المخارف بسبب تقدم طب العيون.
فالحاصل:
أن الذي ننصحك به أن تنكحي، وليس فيما ذكرت عيب يجب إخبار الزوج به، فيما يظهر لنا، ولا يوجب لك قلقا من أمرك مع زوجك؛ إن شاء الله.
والله أعلم.
تعليق