الحمد لله.
ورد في الحديث َعَن أبي هُرَيْرَة -رضي الله عنه- قَالَ : قَالَ رَسُول الله -صلى الله عليه وسلم- (من شهد الْجِنَازَة حَتَّى يصلى عَلَيْهَا فَلهُ قِيرَاط ، وَمن شَهِدَهَا حَتَّى تدفن فَلهُ قيراطان) قيل وَمَا القيراطان ؟ قَالَ: (مثل الجبلين العظيمين) رواه البخاري (1261)، وفي (رواية لمسلم: أصغرهما مثل أحد) (945)
وقد بيّن النبي صلى الله عليه وسلم معنى القيراط، وأنه مثل الجبل العظيم، وفي الراوية الأخرى أن أصغرهما مثل جبل أُحد، وهذا من عظيم فضل الله في ترتيب الأجور العظيمة على الأعمال البسيطة السهلة.
وهذا من تفسير الموعود بالموجود؛ لأن الجبلين مشهودان، والقيراطان موعودان، فيفسر الموعود الذي لا يرى بالمشهود الذي يرى. "شرح بلوغ المرام" لابن عثيمين (2/580).
وأما هل القيراط يضاعف بعشرة قراريط، فلم نقف على شيء من هذا في كلام أهل العلم، وذلك أنّ الحديث مثّل الأجر بالشيء العظيم، وهذا يدل على عظمته، ولا حاجة لنا إلى مثل هذا التكلف، ويكفينا أن نحتسب الأجر المذكور وأنه أجر عظيم.
وقد ذكر العلماء معاني لطيفة عند شرح هذا الحديث يحسن نقل بعضها.
قال ابن الملقن رحمه الله: "القيراط مقدار من الثواب يقع على القليل والكثير.
فبين في هذا الحديث أنه مثلُ أحد، فيكون تمثيلاً بجزء من الأجر ومقدار منه، وهو من مجاز التشبيه، تشبيهاً للمعنى العظيم بالجسم العظيم. ونحوُه: قوله -عليه الصلاة والسلام-: "اللهم لك الحمد ملء السماوات وملء الأرض" انتهى من "الإعلام بفوائد عمدة الأحكام" (4/528):
وقال الفيومي في فتح القريب: "وفي هذا الحديث ما يدل على أن الله تعالى استأثر بعلمه ومقدار فضله، وأن الملائكة لا تحصي ذلك، وأنها تكتبه مبهما، وهذا كما أن ثواب الصوم لا يحصيه إلا الله تعالى، والملائكة تكتبه مبهما، والله تعالى يضاعف لمن يشاء.
وقوله: (فله قيراط)، ولم يقل فله عشر قراريط على مقتضى القاعدة في أنّ الحسنة بعشر أمثالها؟
قيل: يحتمل والله أعلم: أنه عبّر بالقيراط، لأنه أول المقادير التي يُخبَر بها ويوزن، وهو أول الأعداد، فعبّر بالقيراط لأنه أول المراتب، ثم بيّن -صلى الله عليه وسلم- أن هذا القيراط ليس معادلا للقيراط الذي ألفوه في موازين الدنيا، بل هو قيراط عظيم، ليس في موازين الدنيا ما يحمله، وإنما يمكن وزنه في موازين القيامة.
وبيّن أن أصغر القيراطين كأحد، لأنه أكبر جبل عندهم؛ وإلا ففي الدنيا جبال أكبر من أحد ... والقيراط الآخر: أبهمه، لعِظَمِه؛ لأن عطاء الله واسع، فلا يُحدُّ، والله يضاعف لمن يشاء.
وإنما عبر بالقيراط ولم يعبر بعشرة، لأن الحسنة الواحدة قد ترجح على حسنات كثيرة، وهذا كما قيل: عُمَرُ حسنةٌ من حسنات أبي بكر الصديق" " انتهى باختصار من "فتح القريب المجيب على الترغيب والترهيب" (13/ 662-667).
والله أعلم
تعليق