الأحد 21 جمادى الآخرة 1446 - 22 ديسمبر 2024
العربية

لماذا لم ينصح النبي صلى الله عليه وسلم هند بنت عتبة بمفارقة زوجها مع تقصيره في النفقة؟

481888

تاريخ النشر : 03-03-2024

المشاهدات : 2432

السؤال

هل الاستدال بأن الرسول صلى الله عليه وسلم لم يوصِ هند بنت عتبة لما اشتكت من بخل أبي سفيان بالطلاق، ونطبق هذا علي من تشتكي من بخل وشح زوجها وتطلب الطلاق منه، أن الرسول لم يوصِ هند بنت عتبة بالطلاق استدلال صحيح أم فاسد؟ أم إن الاستدلال في هذه الواقعة بإنها لم تطلب من الرسول الطلاق أصلا، وإنها تسأل عن حكم الأخذ من ماله دون علمه، فأجاز لها الرسول أخذ ما يكفيها وولدها بالمعروف، خصوصا أن الوضع يختلف الآن في أن الاكل من مال الزوج دون علمه أصبح عسير جدا في ظل احتفاظه بماله في البنوك؟

الجواب

الحمد لله.

عن عَائِشَةَ رضي الله عنها: " أَنَّ هِنْدَ بِنْتَ عُتْبَةَ، قَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنَّ أَبَا سُفْيَانَ رَجُلٌ شَحِيحٌ، وَلَيْسَ يُعْطِينِي مَا يَكْفِينِي وَوَلَدِي، إِلَّا مَا أَخَذْتُ مِنْهُ وَهُوَ لاَ يَعْلَمُ، فَقَالَ: (خُذِي مَا يَكْفِيكِ وَوَلَدَكِ، بِالْمَعْرُوفِ) رواه البخاري (5364)، ومسلم (1714).

فهذا الحديث لم يرشد فيه النبي صلى الله عليه وسلم هند بنت عتبة رضي الله عنها بمفارقة زوجها؛ لانعدام سبب ذلك؛ فهند لم يظهر منها الرغبة في فراق زوجها، وليس في البقاء معه ضرر ومشقة عليها وهي تستطيع أن تأخذ من ماله بالمعروف.

والمرأة تنهى عن طلب فراق الزوج، إذا لم يكن عليها ضرر في البقاء معه.

عَنْ ثَوْبَانَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ( أَيُّمَا امْرَأَةٍ سَأَلَتْ زَوْجَهَا طَلَاقًا فِي غَيْرِ مَا بَأْسٍ، فَحَرَامٌ عَلَيْهَا رَائِحَةُ الْجَنَّةِ ) رواه أبو داود (2226)، والترمذي (1187) وقال: "هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ"، وصححه الألباني في "إرواء الغليل" (7/100).

لكن لو حرمها من النفقة الواجبة ، ولم تجد حيلة مشروعة لأخذ حقها منه، ففي هذه الحال يشرع لها طلب الفراق؛ لأنه لم يحقق العشرة بالمعروف.

وقد روى الشافعي في "الأم" (6 / 235)، قَالَ: أَخْبَرَنَا مُسْلِمُ بْنُ خَالِدٍ، عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ، عَنْ نَافِعٍ، عَنْ ابْنِ عُمَرَ: ( أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - كَتَبَ إلَى أُمَرَاءِ الْأَجْنَادِ ، فِي رِجَالٍ غَابُوا عَنْ نِسَائِهِمْ ، يَأْمُرُهُمْ أَنْ يَأْخُذُوهُمْ ؛ أَنْ يُنْفِقُوا ، أَوْ يُطَلِّقُوا، فَإِنْ طَلَّقُوا ، بَعَثُوا بِنَفَقَةِ مَا حَبَسُوا ).

قال الشيخ الألباني رحمه الله تعالى: 

" صحيح، أخرجه الشافعي (1722)، وعنه البيهقي (7/469): من طريق مسلم بن خالد، عن عبيد الله بن عمر، عن نافع، عن ابن عمر: أن عمر بن الخطاب كتب … الخ.

قلت: وهذا إسناد رجاله ثقات رجال الشيخين، غير مسلم بن خالد وهو الزنجي، قال الحافظ في "التقريب": " فقيه صدوق كثير الأوهام ".

قلت: فإن كان تفرد به، فالإسناد غير ثابت، خلافا لما نقله المصنف عن ابن المنذر.

ولكن الظاهر أنه لم يتفرد به.

فقد جاء في "العلل" لابن أبى حاتم (1/406): " سمعت أبى ذكر حديث حماد عن عبيد الله بن عمر … قال أبي: نحن نأخذ بهذا في نفقة ما مضى ".

ويؤيد ما استظهرته: أن الإمام أحمد احتج به في "مسائل أبى داود عنه" (ص 179) . والله أعلم " انتهى من "إرواء الغليل" (7/228).

وقد رواه عبد الرزاق كما في "المصنف" (7 / 93): عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ: كَتَبَ عُمَرُ إِلَى أُمَرَاءِ الْأَجْنَادِ: ( أَنِ ادْعُ فَلَانًا وَفُلَانًا، نَاسًا قَدِ انْقَطَعُوا مِنَ الْمَدِينَةِ وَخَلَوْا مِنْهَا؛ فَإِمَّا أَنْ يَرْجِعُوا إِلَى نِسَائِهِمْ، وَإِمَّا أَنْ يَبْعَثُوا إِلَيْهِنَّ ‌بِنَفَقَةٍ، وَإِمَّا أَنْ يُطَلِّقُوا وَيَبْعَثُوا ‌بِنَفَقَةِ مَا مَضَى ).

قال الإمام الشافعي رحمه الله تعالى:

" وأحسب عمر - والله تعالى أعلم - لم يجد بحضرته لهم أموالا يأخذ منها نفقة نسائهم، فكتب إلى أمراء الأجناد أن يأخذوهم بالنفقة إن وجدوها، والطلاق إن لم يجدوها، وإن طلقوا، فوجد لهم أموال، أخذوهم بالبعثة بنفقة ما حبسوا " انتهى من "الأم" (6/236).

الخلاصة:

قصة هند رضي الله عنها يحسن الاستدلال بها لدعوة المرأة على الصبر على زوجها، إن كانت تجد مخرجا من المشقة التي يلحقها بها، فإذا لم تجد مخرجا من ضرره إلا بالطلاق، فلها ذلك حينئذ، ويدل على هذا قضاء عمر رضي الله عنه.

والله أعلم.

هل انتفعت بهذه الإجابة؟

المصدر: موقع الإسلام سؤال وجواب