الحمد لله.
أولا:
من تلفظ بطلاق زوجته، كأن قال: زوجتي طالق، أو فلانة طالق يعني زوجته، أو طلقت فلانة: وقع طلاقها، سواء كانت حاضرة أو غائبة، وجهله بذلك لا يرفع الطلاق.
قال الخطابي رحمه الله في "معالم السنن" (3/ 243): " اتفق عامة أهل العلم على أن صريح لفظ الطلاق، إذا جرى على لسان البالغ العاقل: فإنه مؤاخذ به، ولا ينفعه أن يقول: كنتُ لاعباً، أو هازلاً، أو لم أنو به طلاقاً، أو ما أشبه ذلك من الأمور" انتهى.
وقال ابن قدامة رحمه الله في "المغني" (7/ 397): " (وإذا أتى بصريح الطلاق: لزمه، نواه، أو لم ينوه).
قد ذكرنا أن صريح الطلاق لا يحتاج إلى نية، بل يقع من غير قصد، ولا خلاف في ذلك.
ولأن ما يعتبر له القول، يكتفي فيه به، من غير نية، إذا كان صريحا فيه، كالبيع.
وسواء قصد المزح أو الجد؛ لقول النبي - صلى الله عليه وسلم -: ثلاث جدهن جد وهزلهن جد النكاح، والطلاق، والرجعة رواه أبو داود، والترمذي، وقال: حديث حسن. قال ابن المنذر: أجمع كل من أحفظ عنه من أهل العلم، على أن جد الطلاق وهزله سواء. روي هذا عن عمر بن الخطاب، وابن مسعود. ونحوه عن عطاء، وعبيدة. وبه قال الشافعي، وأبو عبيد. قال أبو عبيد: وهو قول سفيان، وأهل العراق" انتهى.
وإذا كان الطلاق الصريح يقع ولو لم ينوه، فهذا يدل على أن الجاهل لا يعذر فيه.
قال الجمل في حاشيته (4/327) تعليقا على صريح الطلاق :
"(قَوْلُهُ: مُشْتَقُّ طَلَاقٍ إلَخْ) أَيْ، وَإِنْ جَهِلَ صَرَاحَةً مَا اُشْتُقَّ مِنْ الْفِرَاقِ وَالسَّرَاحِ؛ لِأَنَّ الْجَهْلَ بِذَلِكَ لَا يُؤَثِّرُ، وَإِنْ كَانَ مِمَّنْ يَخْفَى عَلَيْهِ ذَلِكَ.
فَلَوْ جَهِلَ مَعْنَاهُ: لَمْ يَقَعْ بِهِ شَيْءٌ ، كَمَا سَيَأْتِي فِي قَوْلِ الْمَتْنِ : وَلَا يَقَعُ مِمَّنْ جَهِلَ مَعْنَاهُ، وَإِنْ نَوَاهُ" انتهى.
وسئل الشيخ ابن باز رحمه الله: "هل يقع الطلاق على المرأة وأنا في خارج البيت وفي عملي؟
فأجاب: ليس من شرط وقوع الطلاق أن تحضر..
يقع الطلاق في غيبتها وفي حضورها؛ لو طلقها في بلاد بعيدة وقع الطلاق، فليس من شرط الطلاق أن تكون حاضرة" انتهى من "فتاوى نور على الدرب".
ثانيا:
يجوز إرجاع الزوجة دون علمها، فيقول راجعت، أو أرجعت زوجتي، إذا كان ذلك في العِدة، وعليه أن يتذكر ذلك، وأنه وقعت عليه طلقة، وتوثيقه أولى، وأبرأ للذمة، والإشهاد على ذلك، أفضل، وأحسن في الاتباع، وأحوط للمرء في دينه.
قال ابن قدامة في "المغني" (7/ 522): " الرجعة لا تفتقر إلى ولي، ولا صداق، ولا رضى المرأة، ولا علمها، بإجماع أهل العلم؛ لما ذكرنا من أن الرجعية في أحكام الزوجات، والرجعة إمساك لها، واستبقاء لنكاحها، ولهذا سمى الله سبحانه وتعالى الرجعة إمساكا، وتركها فراقا وسراحا، فقال: فإذا بلغن أجلهن فأمسكوهن بمعروف أو فارقوهن بمعروف [الطلاق: 2] ، وفي آية أخرى: فإمساك بمعروف أو تسريح بإحسان [البقرة: 229].
وإنما تشعّث النكاح بالطلقة، وانعقد بها سبب زواله، فالرجعة تزيل شعثه، وتقطع مضيه إلى البينونة، فلم يحتج لذلك إلى ما يحتاج إليه ابتداء النكاح" انتهى.
والله أعلم.
تعليق