الحمد لله.
أولا:
إذا كانت جماعة المسجد تجمع الصلاتين جمع تقديم بسبب المطر، ثم أدركهم المسبوق وهم في الصلاة الثانية؛ العصر أو العشاء:
ففي هذه الحال يدخل معهم في الثانية وهي: العصر، أو العشاء، لكن بنية الصلاة الأولى – الظهر في حال الجمع بين الظهر والعصر، أو المغرب في حال جمع المغرب مع العشاء -؛ لمراعاة الترتيب، ولكيلا يقع في أداء الصلاة قبل دخول وقتها من غير عذر كما سيتبيّن.
ولا يضر اختلاف نية الإمام والمأموم في مثل هذه الحال.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى:
" فقد ثبت صلاة المتنفل خلف المفترض في عدة أحاديث، وثبت أيضا بالعكس.
فعلم أن موافقة الإمام في نية الفرض أو النفل ليست بواجبة " انتهى. "مجموع الفتاوى" (23 / 385 – 386).
ثانيا:
بعد فراغ المسبوق من صلاة الظهر فإن وجد جماعة ثانية صلى معهم العصر جمعا ، وإن لم يجد وكان سيصلي العصر منفردا، فإنه يرجع إلى بيته ولا يصلي العصر حتى يدخل وقته ، لأنه لا عذر له في الجمع إذا كان سيصلي العصر منفردا .
جاء في "المدونة" في فقه الإمام مالك رحمه الله تعالى:
" قال مالك فيمن صلى في بيته المغرب في ليلة المطر، فجاء المسجد فوجد القوم قد صلوا العشاء الآخِرةَ، فأراد أن يصلي العشاء؟
قال: لا أرى أن يصلي العشاء، وإنما جَمَع الناس للرفق بهم، وهذا لم يُصلِّ معهم، فأرى أن يؤخر العشاء حتى يغيب الشفق، ثم يصلي بعد مغيب الشفق.
قلت: فإن وجدهم قد صلوا المغرب، ولم يصلوا العشاء الآخرة، فأراد أن يصلي معهم العشاء، وقد كان صلى المغرب في بيته لنفسه؟
قال: لا أرى بأسا أن يصلي معهم" انتهى. "المدونة" (1 / 203).
وقال ابن قدامة رحمه الله تعالى:
" هل يجوز الجمع لمنفرد ... ؟
على وجهين:
أحدهما، الجواز؛ لأن العذر إذا وجد استوى فيه حال وجود المشقة وعدمها، كالسفر، ولأن الحاجة العامة إذا وجدت، أثبتت الحكم في حق من ليست له حاجة...
والثاني، المنع؛ لأن الجمع لأجل المشقة، فيختص بمن تلحقه المشقة، دون من لا تلحقه؛ كالرخصة في التخلف عن الجمعة والجماعة، يختص بمن تلحقه المشقة، دون من لا تلحقه " انتهى. "المغني" (3 / 134).
وسُئل الشيخ ابن عثيمين رحمه الله تعالى:
" إذا جئت وقد فرغ الإمام من الجمع بين العشاءين، فهل لي أن أجمع منفردا؟
فأجاب: إن كنت تظن أنك تجد مسجدا قريبا منك ولم يجمع: فلا تجمع.
وإن كنت لا تظن ذلك، فإن حضر جماعة وصليتم جميعا: فلا بأس بالجمع.
وإن لم يحضر جماعة، فالأظهر عدم جواز ذلك؛ لأن الجمع حينئذ لا فائدة منه، فإنك سوف ترجع إلى بيتك ولا تخرج منه، والجمع إنما أبيح للحاجة، وفي مثل هذه الصورة لا حاجة، بخلاف ما لو حضر جماعة، فإن في الجمع فائدة وهو حصول الجماعة، والله أعلم." انتهى. "مجموع فتاوى ورسائل الشيخ ابن عثيمين" (15 / 409).
وأما في حالة المغرب، فإنه يصلي مع الجماعة العشاء بنية المغرب، ثم في الثالثة يفارق الإمام فيجلس للتشهد ويسلّم، ثم يدخل مع الإمام في صلاة العشاء إن أدرك ذلك.
قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله تعالى:
" إذا جاء الإنسان وهو مسافر ودخل مسجد وهم يصلون العشاء:
فإن أدركهم في الركعة الثانية، فلينو المغرب، ويسلم مع الإمام لأنه صلى ثلاثا.
وإن أدركهم في الثالثة، نوى المغرب، وصلى معهم ركعتين، ثم إذا سلم الإمام قام إلى الثالثة.
وإذا أتاهم في الركعة الأولى دخل معهم بنية المغرب، فإذا قام الإمام إلى الرابعة جلس، ونوى المفارقة، وتشهد وسلم، ثم دخل مع الإمام فيما بقي من صلاة العشاء " انتهى. "اللقاء الشهري" (49 / 27 بترقيم الشاملة).
وبعد أداء المغرب، فإن كانت الجماعة ما زالت في صلاة العشاء، دخل معهم، ويصلي ما يدركه، ثم يتم صلاته.
لعموم حديث أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: ( إِذَا سَمِعْتُمُ الإِقَامَةَ، فَامْشُوا إِلَى الصَّلاَةِ وَعَلَيْكُمْ بِالسَّكِينَةِ وَالوَقَارِ، وَلاَ تُسْرِعُوا، فَمَا أَدْرَكْتُمْ فَصَلُّوا، وَمَا فَاتَكُمْ فَأَتِمُّوا ) رواه البخاري (636) ومسلم (602).
فإن لم يدرك معهم شيئا من العشاء، فإن كانت هناك جماعة ثانية صلى معهم.
وإلا؛ فإنه ينتظر إلى وقت دخولها، ولا يصلي العشاء منفردا قبل وقتها، كما سبق بيانه.
والله أعلم.
تعليق