الحمد لله.
أولا:
كفارة اليمين تجمع تخييرا وترتيباً على الصفة التي ذكرها الله عز وجل في سورة المائدة، في قوله عز وجل:
( لَا يُؤَاخِذُكُمُ اللَّهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمَانِكُمْ وَلَكِنْ يُؤَاخِذُكُمْ بِمَا عَقَّدْتُمُ الْأَيْمَانَ فَكَفَّارَتُهُ إِطْعَامُ عَشَرَةِ مَسَاكِينَ مِنْ أَوْسَطِ مَا تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ أَوْ كِسْوَتُهُمْ أَوْ تَحْرِيرُ رَقَبَةٍ فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ ذَلِكَ كَفَّارَةُ أَيْمَانِكُمْ إِذَا حَلَفْتُمْ وَاحْفَظُوا أَيْمَانَكُمْ كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آَيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ ) المائدة/89.
فيختار المكفّر واحدة من هذه الخصال الثلاثة، ويفعلها: إطعام عشرة مساكين من أوسط ما يطعم أهله ، أو كسوتهم، أو تحرير رقبة. ومن فعل واحدة منها فقد برئت ذمته، وفعل ما وجب عليه، فإن عجز عن جميع الخصال الثلاثة، انتقل إلى الصوم، فيصوم ثلاثة أيام.
والقدر الواجب في الإطعام: هو نصف صاع لكل مسكين، أي كيلو ونصف تقريبا من الأرز ونحوه، وإن كان معه شيء من الإدام فهو أفضل، ويجزئك في ذلك أن تغدي عشرة مساكين، أو تعشيهم.
ثانياً:
من وجبت عليه عدة كفارات، وهو يقدر على الإطعام أو الكسوة في البعض، ولا يستطيع في البعض الآخر؛ فالأصل أن يقوم بما يقدر عليه من الكفارة، على الفور على القول الراجح من أقوال أهل العلم: أن كفارة اليمين واجبة على الفور.
جاء في " الموسوعة الفقهية " (10/14): " ذَهَبَ جُمْهُورُ الْعُلَمَاءِ: إلَى أَنَّهُ لَا يَجُوزُ تَأْخِيرُ كَفَّارَةِ الْيَمِينِ، وَأَنَّهَا تَجِبُ بِالْحِنْثِ عَلَى الْفَوْرِ؛ لِأَنَّهُ الْأَصْلُ فِي الْأَمْرِ الْمُطْلَقِ.
وَذَهَبَ الشَّافِعِيَّةُ: إلَى أَنَّ كَفَّارَةَ الْيَمِينِ تَجِبُ عَلَى التَّرَاخِي " انتهى
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: " قضاء النذر، والكفارة عندنا: على الفور، فهو كالمُعيَّن، وصوم القضاء يشبه الصلاة في أول الوقت" انتهى، من "الاختيارات" (411).
وقال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله : " كذلك مِن حفظ اليمين : إخراج الكفارة بعد الحنث ، والكفارة واجبة فورا ؛ لأن الأصل في الواجبات هو الفورية ، وهو قيام بما تقتضيه اليمين " انتهى من " القول المفيد على كتاب التوحيد " (2/456) ، وينظر: "الشرح الممتع" (15/159).
وعلى ذلك؛ فإذا كانت عليك كفارة عن ثلاثة أيمان؛ وليس عندك من الخصال الثلاثة إلا كفارة عن يمين، أو يمينين؛ وجب عليك إخراج ما قدرت عليه من ذلك على الفور، ووجب عليك الصوم عن الأيمان الأُخرى، على الفور أيضا؛ وليس هناك ترتيب بين الصيام، وإخراج الكفارات الأخرى.
ثالثاً:
إن احتجت إلى تأخير الإطعام أو الكسوة مدة معينة، لتجهيزها، أو تلمس مستحقها، أو لانتظار مال يأتيك عن قريب، كما لو كان لك راتب تنتظرينه، أو لغير ذلك من الأعذار؛ فلا حرج في تأخيرها، فقد نص الفقهاء على جواز التأخير اليسير لمصلحة الفقير أو لرفع الحرج على المزكي.
قال الرملي رحمه الله: "
"وله تأخيرها لانتظار أحوج، أو أصلح، أو قريب، أو جار؛ لأنه تأخير لغرض ظاهر، وهو حيازة الفضيلة، وكذا ليتروى حيث تردد في استحقاق الحاضرين" انتهى من "نهاية المحتاج إلى شرح المنهاج" (3/ 135-136).
وقال ابن قدامة رحمه الله: "فأما إن كانت عليه مضرة في تعجيل الإخراج، مثل من يحول حوله قبل مجيء الساعي، ويخشى إن أخرجها بنفسه أخذها الساعي منه مرة أخرى، فله تأخيرها. نص عليه أحمد.
وكذلك إن خشي في إخراجها ضررا في نفسه أو مال له سواها، فله تأخيرها؛ لقول النبي -صلى الله عليه وسلم-: "لا ضرر ولا ضرار" انتهى من "المغني" (4/147).
وقال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: "وأيضًا يجوزُ له أن يؤخِّرَ الزَّكاةَ؛ من أجل أن يتحرَّى من يستحِقُّها؛ لأنَّ الأمانةَ ضاعتْ في وَقتِنا الحاضِرِ، وحُبَّ المالِ ازدادَ، فتأخيرُ الزَّكاةِ حتى يتحرَّى مَن يَستحِقُّها جائزٌ؛ لأنَّ في ذلك مصلحةَ المستحِقِّ". انتهى من "الشرح الممتع"
وقال: "التأخير يجوز في الحالات الآتية:
1 ـ عند تعذر الإخراج.
2 ـ عند حصول الضرر عليه بالإخراج.
3 ـ عند وجود حاجة، أو مصلحة في التأخير. انتهى من "الشرح الممتع" (6/189).
وينظر للفائدة: جواب السؤال رقم: (284277).
وعليه، فإن تأخيرك الاطعام أو الكسوة للسبب المذكور في السؤال جائز ولا حرج فيه، وإذا جاز التأخير، فلا حرج في البداءة بالصيام عن الأيمان التي لا تجدين كفارتها؛ ولا يلزمك أن تؤخري الصيام حتى تخرجي الكفارات الأخرى؛ فإنه لا ترتيب بينها.
والله أعلم
تعليق