الحمد لله.
أولا:
المسبوق له خمسة أحوال في سجود السهو:
1-يلزمه سجود السهو، إذا سها الإمام فيما أدركه فيه المسبوق، كما لو أدرك الإمام في الركعة الثانية، ونسي الإمام التشهد، أو سلم الإمام من الصلاة عن نقص، كما في صورة السؤال.
2-إذا كان سهو الإمام فيما لم يدركه فيه المسبوق، كما لو كان سهوه في الركعة الأولى، وأدركه المسبوق في الثانية، فإنه يلزمه سجود السهو أيضا، أي يلحقه سهو إمامه، وهذا ما ذهب إليه الجمهور من الحنفية والمالكية الشافعية والحنابلة، لكن المالكية قيدوا ذلك بأن يدرك ركعة مع الإمام، وإلا فلا يتابعه في سجود السهو.
قال البهوتي في كشاف القناع (1/ 407): "(ولو) كان المأموم (مسبوقا، سواء كان سهو إمامه فيما أدركه) المسبوق (معه، أو قبله، وسواء سجد إمامه قبل السلام، أو بعده)؛ لعموم ما تقدم " انتهى.
وعلل في شرح منتهى الإرادات (1/ 232) بقوله: "لأن صلاته نقصت، حيث دخل مع الإمام في صلاة ناقصة" انتهى.
وينظر: الدر المختار مع حاشية ابن عابدين (2/ 82)، شرح الخرشي على خليل (1/ 332)، روضة الطالبين (1/ 314).
وعلى هذا، فإذا سجد الإمام قبل السلام تابعه المأموم وأتم صلاته.
ثم: هل يعيد المسبوق سجود السهو بعد السلام، لأن السجود إنما يكون آخر الصلاة، أم يكتفي بسجوده مع الإمام؟
قولان؛ الأظهر عند الشافعية الأول.
ينظر: روضة الطالبين (1/ 314)، المجموع (4/ 148).
وذهب الحنابلة إلى الثاني، أي عدم الإعادة.
قال الحجاوي في الإقناع (1/ 142): " ولا يعيد السجود إذا سجد مع إمامه لسهو إمامه" انتهى.
وإذا سجد الإمام بعد السلام: لم يتابعه المأموم على الراجح، ولزمه السجود في نهاية صلاته.
وللشافعية وجه، ذكره الشيرازي في المهذب والنووي في الروضة، وهو عدم سجود المسبوق إذا كان سهو الإمام قبل لحوق المسبوق به.
ينظر: المجموع (4/ 147).
وبهذا أفتى الشيخ ان عثيمين رحمه الله، قال: " ولكن إذا كان سهو الإمام قبل أن يدخل معه فإنه لا سجود عليه، لأنه لم يلحقه حكم سهو إمامه " انتهى من مجموع الفتاوى (14/ 25).
وهذا ما مشينا عليه في جواب السؤال رقم (72290).
3-إذا سها المسبوق فيما أتى به بعد سلام إمامه، فإنه يلزمه السجود لسهو نفسه، لأنه صار منفردا.
قال ابن قدامة في المغني (2/ 33): " وإذا سها المأموم فيما تفرد فيه بالقضاء: سجد، رواية واحدة؛ لأنه قد صار منفردا، فلم يتحمل عنه الإمام.
وهكذا لو سها، فسلم مع إمامه، قام فأتم صلاته، ثم سجد بعد السلام، كالمنفرد، سواء" انتهى.
وقال الخرشي على خليل (1/ 333): " أما بعد مفارقته الإمام، فلا يحمل سهوه؛ لانقطاع القدوة وصيرورته منفردا" انتهى.
4-إذا سها المسبوق فيما أدركه مع الإمام، فهل يتحمله عنه الإمام، أم يلزمه السجود؟
قولان، وظاهر مذهب الشافعية أن الإمام يتحمله. وينظر: روضة الطالبين (1/ 311).
وذهب الحنابلة إلى الثاني.
قال البهوتي في كشاف القناع (1/ 408): " (و) يسجد مسبوق (لسهوه معه)؛ أي مع إمامه. (و) يسجد مسبوق لسهوه (فيما انفرد به)" انتهى.
5-إذا سها المسبوق فيما أتى به مع الإمام، وسها الإمام أيضا، وسجد المسبوق معه للسهو، فهل يكفيه ذلك، أم يلزمه سجودٌ عن سهو نفسه؟
خلاف، واستظهر البهوتي الاكتفاء، كما في حاشيته على الإقناع (1/ 246).
وخالفه غيره.
قال عثمان النجدي في حاشيته على المنتهى (1/ 258) : " المسبوق إذا سُهِي عليه مع الإمام؛ لم يتحمله عنه الإمام، فيلزمه سجود السهو بعد قضاء ما فاته.
وظاهره: سواء سجد مع الإمام لسهو الإمام، أو لا؛ فإن سجود سهو المسبوق محله بعد سلام الإمام، لا قبله، كما عرفت، وربما يفهم هذا من قول "الإقناع" ... خلافا لما بحثه منصور البهوتي" انتهى.
ثانيا:
إذا قام المسبوق لإتمام صلاته، وتبين أن الإمام نقص ركعة، فقام للإتيان بها؛ فإن المسبوق مخير بين أن يلحق إمامه، وبين أن يكمل منفردا، كما بينا في الجواب رقم (228387)
وعليه سجود السهو في الحالين؛ لأنه أدرك الإمام في هذا السهو، وهو تسليمه من الصلاة عن نقص.
1-فإن لحق الإمام، وسجد الإمام قبل السلام، سجد معه.
2-وإن سجد الإمام بعد السلام، لم يسجد معه، وسجد في آخر صلاته.
3-وإن اختار أن يمضي منفردا، سجد للسهو في آخر صلاته؛ لأنه أدرك سهو الإمام، كما تقدم.
وقد تقدم أن الجمهور يلزمون المسبوق بالسجود، ولو كان سهو الإمام فيما لم يدركه المسبوق معه.
ثالثا:
إذا أدرك المسبوق الإمام في السجدة الثانية للسهو، فهل يلزمه قضاء الأولى:
جاء في الموسوعة الفقهية (24/ 243): " اختلفوا فيما لو اقتدى المسبوق بالإمام بعد السجدة الأولى: هل يقضيها أم لا؟
فذهب الحنفية إلى أنه لا قضاء عليه، بل تكفيه السجدة الثانية.
وذهب الشافعية والحنابلة -نصا- إلى أنه يقضي الأولى بعد أن يسلم الإمام، يسجدها ثم يقضي ما فاته؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: وما فاتكم فأتموا.
وذهب المالكية -على المشهور- وهو رواية عن أحمد، إلى أنه إذا لم يدرك المسبوق مع الإمام ركعة من الصلاة، فلا سجود عليه، سواء أكان السجود بعديا أو قبليا. وإذا سجد مع إمامه بطلت صلاته عامدا أو جاهلا؛ لأنه غير مأموم حقيقة، لذا لا يسجد بعد تمام صلاته، وأما البعدي فتبطل بسجوده ولو لحق ركعة. قال الخرشي من المالكية: وهو الصواب" انتهى.
والله أعلم.
تعليق