الخميس 20 جمادى الأولى 1446 - 21 نوفمبر 2024
العربية

أهل المسجد يصلون السنة عقب الفريضة ثم يصلون التراويح فمتى يأتي بأذكار الصلاة؟

505076

تاريخ النشر : 07-04-2024

المشاهدات : 912

السؤال

أقيم في بلد، وفي المساجد عندنا لا يتركون فاصلا زمنيا ما بين السنة البعدية والتراويح، فمتى أقرأ الأذكار المشروعة عقب الصلاة المفروضة، أريد الموافق للسنة؟

الجواب

الحمد لله.

أولا:

الأصل أن يؤتى بأذكار الصلاة عقبها، قبل السنة البعدية، وعلى هذا دلت السنة الصحيحة في جملة أحاديث، منها: ما روى البخاري (844) ومسلم (593) عَنْ وَرَّادٍ، كَاتِبِ المُغِيرَةِ بْنِ شُعْبَةَ، قَالَ: أَمْلَى عَلَيَّ المُغِيرَةُ بْنُ شُعْبَةَ فِي كِتَابٍ إِلَى مُعَاوِيَةَ: أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَقُولُ فِي دُبُرِ كُلِّ صَلاَةٍ مَكْتُوبَةٍ: لاَ إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لاَ شَرِيكَ لَهُ، لَهُ المُلْكُ، وَلَهُ الحَمْدُ، وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ، اللَّهُمَّ لاَ مَانِعَ لِمَا أَعْطَيْتَ، وَلاَ مُعْطِيَ لِمَا مَنَعْتَ، وَلاَ يَنْفَعُ ذَا الجَدِّ مِنْكَ الجَدُّ .

قال الحافظ ابن حجر رحمه الله:

" ومقتضى الحديث: أن الذكر المذكور يقال عند الفراغ من الصلاة.

فلو تأخر ذلك عن الفراغ: فإن كان يسيرا، بحيث لا يعد معرضا، أو كان ناسيا، أو متشاغلا بما ورد أيضا بعد الصلاة كآية الكرسي؛ فلا يضر" انتهى من "فتح الباري" (2/328).

وروى البخاري (6329) ومسلم (595) عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ فُقَرَاءَ الْمُهَاجِرِينَ أَتَوْا رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالُوا: "ذَهَبَ أَهْلُ الدُّثُورِ بِالدَّرَجَاتِ الْعُلَى، وَالنَّعِيمِ الْمُقِيمِ، فَقَالَ: وَمَا ذَاكَ؟ قَالُوا: يُصَلُّونَ كَمَا نُصَلِّي، وَيَصُومُونَ كَمَا نَصُومُ، وَيَتَصَدَّقُونَ وَلَا نَتَصَدَّقُ، وَيُعْتِقُونَ وَلَا نُعْتِقُ، فَقَالَ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:  أَفَلَا أُعَلِّمُكُمْ شَيْئًا تُدْرِكُونَ بِهِ مَنْ سَبَقَكُمْ وَتَسْبِقُونَ بِهِ مَنْ بَعْدَكُمْ؟ وَلَا يَكُونُ أَحَدٌ أَفْضَلَ مِنْكُمْ إِلَّا مَنْ صَنَعَ مِثْلَ مَا صَنَعْتُمْ» قَالُوا: بَلَى، يَا رَسُولُ اللهِ. قَالَ: «تُسَبِّحُونَ، وَتُكَبِّرُونَ، وَتَحْمَدُونَ، دُبُرَ كُلِّ صَلَاةٍ ثَلَاثًا وَثَلَاثِينَ مَرَّةً الحديث.

وروى مسلم (594) عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ، قَالَ: "كَانَ ابْنُ الزُّبَيْرِ، يَقُولُ: فِي دُبُرِ كُلِّ صَلَاةٍ حِينَ يُسَلِّمُ «لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، لَهُ الْمُلْكُ وَلَهُ الْحَمْدُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ، لَا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ إِلَّا بِاللهِ، لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ، وَلَا نَعْبُدُ إِلَّا إِيَّاهُ، لَهُ النِّعْمَةُ وَلَهُ الْفَضْلُ، وَلَهُ الثَّنَاءُ الْحَسَنُ، لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ.

وَقَالَ: كَانَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُهَلِّلُ بِهِنَّ دُبُرَ كُلِّ صَلَاةٍ".

وقوله: (حين يسلم) صريح في أن هذا الذكر يكون عقب السلام.

فإن حصل فصل طويل، فقيل يفوت الفضل، وقيل لا يفوت، وإنما يفوت الكمال.

جاء في "حاشية قليوبي وعميرة" (1/198) :

" والذكر بعدها – يعني الصلاة المفروضة - أي : عقبها ، فيفوت بطول الفصل عرفا ، وبالراتبة.

وقال ابن حجر : لا يفوت الذكر بطول الفصل ، ولا بالراتبة , وإنما الفائت كماله فقط ، وهو ظاهر حيث لم يحصل طول عرفا بحيث لا ينسب إليها " انتهى باختصار.

وقال البهوتي في "كشاف القناع" (1/365) : " (يسن ذكر الله والدعاء والاستغفار عقب الصلاة) المكتوبة (كما ورد) في الأخبار، على ما ستقف عليه مفصلًا، قال ابن نصر الله في "الشرح": والظاهر أن مرادهم به أن يقول ذلك وهو قاعد، ولو قاله بعد قيامه، وفي ذهابه، فالظاهر أنه مصيب للسنة أيضًا؛ إذ لا تحجير في ذلك.

ولو شغل عن ذلك، ثم تذكره فذكره، فالظاهر حصول أجره الخاص له أيضًا، إذا كان قريبًا؛ للعذر.

أما لو تركه عمدًا، ثم استدركه بعد زمن طويل، فالظاهر فوات أجره الخاص، وبقاء أجر الذكر المطلق له " انتهى.

ثانيا:

ذهب جماعة من الحنفية إلى أنه يقدم السنة البعدية على الأذكار، وأنه يكره تأخير السنة إلا بقدر: "اللهم أنت السلام ومنك السلام..".

قال في الدر المختار: " ويكره تأخير السنة إلا بقدر اللهم أنت السلام إلخ.

قال الحلواني: لا بأس بالفصل بالأوراد، واختاره الكمال.

قال الحلبي: إن أريد بالكراهة التنزيهية ارتفع الخلاف".

قال ابن عابدين في حاشيته عليه (1/530): " (قوله إلا بقدر اللهم إلخ)؛ لما رواه مسلم والترمذي عن عائشة قالت: كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لا يقعد إلا بمقدار ما يقول: اللهم أنت السلام ومنك السلام تباركت يا ذا الجلال والإكرام.

وأما ما ورد من الأحاديث في الأذكار عقيب الصلاة: فلا دلالة فيه على الإتيان بها قبل السنة، بل يحمل على الإتيان بها بعدها؛ لأن السنة من لواحق الفريضة وتوابعها ومكملاتها، فلم تكن أجنبية عنها، فما يفعل بعدها، يطلق عليه أنه عقيب الفريضة.

وقول عائشة: (بمقدار)؛ لا يفيد أنه كان يقول ذلك بعينه، بل كان يقعد بقدر ما يسعه ونحوه من القول تقريبا، فلا ينافي ما في الصحيحين من أنه - صلى الله عليه وسلم - كان يقول في دبر كل صلاة مكتوبة: لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير، اللهم لا مانع لما أعطيت ولا معطي لما منعت ولا ينفع ذا الجد منك الجد" انتهى.

فالأحناف يرون تأخير التسبيح والتحميد والتكبير إلى ما بعد السنة البعدية.

وقول الجمهور أظهر وأرجح.

ثالثا:

إذا كان أهل المسجد يصلون السنة عقب الفريضة، ثم يصلون التراويح، فلك خياران:

الأول: أن تأتي بالأذكار، وتؤخر السنة الراتبة، فتأتي بها عقب التراويح.

وتأخير السنة عن التراويح جائز لكنه خلاف الأولى.

قال البهوتي رحمه الله" : وإن صلَّى التراويح بعد العشاء، وقبل سنَّتها: صحَّ؛ جزماً. ولكن الأفضل فعلها بعد السنَّة، على المنصوص" انتهى من "كشاف القناع" (1/426).

ويجوز فعلها في استراحة التروايح، مع الكراهة؛ لأنها تشعر بالرغبة عن الإمام.

قال ابن قدامة رحمه الله في "المغني" (2/125): " وكره أبو عبد الله التطوع بين التراويح. وقال: فيه عن ثلاثة من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ عبادة، وأبو الدرداء، وعقبة بن عامر.

فذُكر لأبي عبد الله فيه رخصة عن بعض الصحابة، فقال: هذا باطل، إنما فيه عن الحسن، وسعيد بن جبير.

وقال أحمد: يتطوع بعد المكتوبة، ولا يتطوع بين التراويح.

وروى الأثرم عن أبي الدرداء، أنه أبصر قوما يصلون بين التراويح، فقال: ما هذه الصلاة؟ أتصلي وإمامك بين يديك؟ ليس منا من رغب عنا" انتهى.

الثاني: أن تأتي بالسنة بعد الفصل بينها وبين الفريضة بالاستغفار وقول: اللهم أنت السلام ..الخ، ثم تأتي بالأذكار فيما بين التراويح، أو عقبها، ويحصل لك الأجر إن شاء الله.

قال النووي رحمه الله في كتابه "الأذكار"، ص 13: " ينبغي لمن كان له وظيفةٌ من الذكر في وقت من ليل أو نهار، أو عقب صلاة، أو حالة من الأحوال، ففاتته، أن يتداركها ويأتي بها إذا تمكن منها، ولا يهملها؛ فإنه إذا اعتاد الملازمة عليها لم يعرّضها للتفويت، وإذا تساهل في قضائها سَهُلَ عليه تضييعها في وقتها" انتهى.

وإذا أمكنك أن تخفف في قراءة أذكار الصلاة، وتسبح عشرا، وتحمد عشرا، وتكبر عشرا، وتدرك صلاة الراتبة خفيفة أيضا: فهو أفضل الخيارات لك، والاقتصار في التسبيح على عشر: صحيح، ثابت عن النبي صلى الله عليه وسلم.

وينظر للفائدة: جواب السؤال رقم: (228520).

وإذا كانت هذه الصورة ممكنة، فهي أفضل الخيارات، وفيها جمع بين المصالح والفضائل، في هذا المقام، بحسب الممكن.

والله أعلم.

هل انتفعت بهذه الإجابة؟

المصدر: موقع الإسلام سؤال وجواب