الحمد لله.
هذا الخبر رواه ابن إسحاق في “سيرته” (ص 159)، ورواه أبو نعيم في “دلائل النبوة” (ص 210 – 212)، والبيهقي في “دلائل النبوة” (2 / 192 -193)، بأسانيدهم إليه: قال: حَدَّثَنِي عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي سُفْيَانَ الثَّقَفِيُّ، قَالَ: ( قَدِمَ رَجُلٌ مِنْ إرَاشٍ بِإِبِلِ لَهُ مَكَّةَ، فَابْتَاعَهَا مِنْهُ أَبُو جَهْلٍ بن هشام، فَمَطَلَهُ بِأَثْمَانِهَا.
فَأَقْبَلَ الْإِرَاشِيُّ حَتَّى وَقَفَ عَلَى نَادٍ مِنْ قُرَيْشٍ، وَرَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم جَالِسٌ فِي نَاحِيَةِ الْمَسْجِدِ، فَقَالَ: يَا مَعْشَرَ قُرَيْشٍ، مَنْ رَجُلٌ يُؤَدِّينِي عَلَى أَبِي الْحَكَمِ بْنِ هِشَامٍ، فَإِنِّي رَجُلٌ غَرِيبٌ، ابْنُ سَبِيلٍ، وَقَدْ غَلَبَنِي عَلَى حَقِّي؟
قَالَ: فَقَالَ لَهُ أَهْلُ ذَلِكَ الْمَجْلِسِ: أَتَرَى ذَلِكَ الرَّجُلَ – وَهُمْ يَهْزَءُونَ بِهِ، إلى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، لِمَا يَعْلَمُونَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ أَبِي جَهْلٍ مِنْ الْعَدَاوَةِ- اذْهَبْ إلَيْهِ فَإِنَّهُ يُؤَدِّيكَ عَلَيْهِ.
فَأَقْبَلَ الْإِرَاشِيُّ حَتَّى وَقَفَ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، فَقَالَ: يَا عَبْدَ اللَّهِ إنَّ أَبَا الْحَكَمِ بْنَ هِشَامٍ قَدْ غَلَبَنِي عَلَى حَقٍّ لِي قِبَلَهُ، وَأَنَا رَجُلٌ غَرِيبٌ ابْنُ سَبِيلٍ، وَقَدْ سَأَلْتُ هَؤُلَاءِ الْقَوْمَ عَنْ رَجُلٍ يُؤَدِّينِي عَلَيْهِ، يَأْخُذُ لِي حَقِّي مِنْهُ، فَأَشَارُوا لِي إلَيْكَ، فَخُذْ لِي حَقِّي مِنْهُ، رحمكَ اللَّهُ.
فقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: انْطَلِقْ إلَيْهِ، وَقَامَ مَعَهُ، فَلَمَّا رَأَوْهُ قَامَ مَعَهُ. قَالُوا لِرَجُلِ مِمَّنْ مَعَهُمْ: اتْبَعْهُ، فَانْظُرْ مَاذَا يَصْنَعُ.
فخَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم حَتَّى جَاءَهُ فَضَرَبَ عَلَيْهِ بَابَهُ.
فَقَالَ: مَنْ هَذَا؟
قَالَ: مُحَمَّدٌ، فَاخْرُجْ إلَيَّ، فَخَرَجَ إلَيْهِ، وَمَا فِي وَجْهِهِ مِنْ رَائِحَةٍ، قَدْ اُمتقعَ لَوْنُهُ، فَقَالَ له: أَعْطِ هَذَا الرَّجُلَ حَقَّهُ.
فقَالَ: نَعَمْ، لَا يبْرَحْ حَتَّى أُعْطِيَهُ الَّذِي لَهُ.
فَدَخَلَ، فَخَرَجَ إلَيْهِ بِحَقِّهِ، فَدَفَعَهُ إلَيْهِ، ثُمَّ انْصَرَفَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، وَقَالَ لِلْإِرَاشِيِّ: الْحَقْ بِشَأْنِكَ.
فَأَقْبَلَ الْإِرَاشِيُّ حَتَّى وَقَفَ عَلَى ذَلِكَ الْمَجْلِسِ، فَقَالَ: جَزَاهُ اللَّهُ خَيْرًا، فَقَدْ أَخَذَ الذي لِي.
جَاءَ الرَّجُلُ الَّذِي بَعَثُوا مَعَهُ، فَقَالُوا: وَيْحَكَ مَاذَا رَأَيْتَ؟
قَالَ: رَأَيْتُ عَجَبًا مِنَ الْعَجَبِ ، وَاللَّهِ إِلَّا أَنْ ضَرَبَ عَلَيْهِ بَابَهُ فَخَرَجَ وَمَا مَعَهُ رُوحُهُ فَقَالَ: أَعْطِ هَذَ الرجل حَقَّهُ، قَالَ: نَعَمْ لَا يبْرَحْ حَتَّى أُخْرِجَ إِلَيْهِ حَقَّهُ، فَدَخَلَ فأخَرَجَ إِلَيْهِ حَقّه فَأَعْطَاهُ إِيَّاهُ .
قَالَ: ثم لَمْ يَلْبَث أَنْ جَاءَ أَبُو جَهْلٍ فَقَالُوا لَهُ: وَيْلَكَ مَا لَكَ فوَاللَّهِ مَا رَأَيْنَا مِثْلَ مَا صَنَعْتَ؟
قَالَ: وَيْحَكُمْ وَاللَّهِ ما هُوَ إِلَّا أَنْ ضَرَبَ علي بَابي وَسَمِعْتُ صَوْتَهُ فَمُلِئْتُ رُعْبًا، ثم خَرَجْتُ إِلَيْهِ وَإِنَّ فَوْقَ رَأْسِي لَفَحْل مِنَ الْإِبِلِ مَا رَأَيْتُ مِثْلَ هَامَتِهِ وَلَا قَصَرَتِهِ وَلَا أَنْيَابِهِ لِفَحْلٍ قَطُّ، وَاللَّهِ لَوْ أَبَيْتُ لَأَكَلَنِي ).
فهذا الخبر من رواية عَبْد الْمَلِكِ بْن عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي سُفْيَانَ الثَّقَفِيّ.
وقد ذكره البخاري في “التاريخ الكبير” (5 / 421)، وابن أبي حاتم في “الجرح والتعديل” (5 / 354)، وسكتا عن حاله، ولم يرد فيه توثيق معتبر إلا ذكر ابن حبان له في “الثقات” (5 / 116).
ثم إن عبد الملك هذا لم يدرك زمن النبوة، وإنما يروي عن التابعين، فهذا إسناد منقطع.
والخلاصة:
هذا الخبر إسناده لا يصح لانقطاعه، وراويه عبد الملك بن عبد الله بن أبي سفيان الثّقفيّ، لم يرد فيه توثيق معتبر.
والذي يظهر أنه لا بأس بذكر هذه القصة وروايتها في هذا الباب: المغازي والسير، فهي مشهورة معروفة عند عامة المصنفين في الباب. وباب المغازي: مما يسهل أهل العلم في أسانيده؛ خاصة وأنه ليس فيها ما يستنكر، ولا تفردت بشيء غريب في اعتقاد، ولا شاذ في حكم.
والله أعلم.
تعليق