الجمعة 21 جمادى الأولى 1446 - 22 نوفمبر 2024
العربية

هل صح حديث: (أَيُّ عَبْدٍ زَارَ أَخَاهُ فِي اللَّهُ عز وجل نُودِيَ ‌أَنْ ‌طِبْتَ ‌وَطَابَتْ لَكَ الْجَنَّةُ)؟

511694

تاريخ النشر : 25-06-2024

المشاهدات : 1083

السؤال

‎أُرِيدُ أَنْ أعْرِفَ هَل هَذَا الْحَدِيث صَحِيح: عَن أَنَس عَن النَّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: ( مَا مِنْ عَبْدٍ مُسْلِمٍ أَتَى أَخًا لَهُ يَزُورُهُ فِي اللَّهِ إلاَّ نَادَاهُ مُنَادٍ مِنَ السَّمَاءِ أَنْ طِبْتَ وَطَابَتْ لَكَ الْجَنَّةُ، وَإِلَّا قَالَ اللَّهُ فِي مَلَكُوتِ عَرْشِهِ عَبْدِي زَارَ فِيَّ وَعَلَيَّ قِرَاهُ فَلَمْ يَرْضَ اللَّهُ لَهُ بِثَوَابٍ دُونَ الْجَنَّةِ).

الجواب

الحمد لله.

هذا الخبر رواه ابن أبي الدنيا في "الإخوان" (ص153)، وغيره: عَنِ الضَّحَّاكِ بْنِ حُمْرَةَ، عَنْ حَمَّادِ بْنِ جَعْفَرٍ، عَنْ مَيْمُونِ بْنِ سِيَاهٍ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم:  أَيُّ عَبْدٍ زَارَ أَخَاهُ فِي اللَّهُ عز وجل نُودِيَ ‌أَنْ ‌طِبْتَ ‌وَطَابَتْ لَكَ الْجَنَّةُ، وَيَقُولُ اللَّهُ عز وجل: عَبْدِي زَارَ فِيَّ، عَلَيَّ قِرَاهُ، وَلَنْ أَرْضَى لِعَبْدِي قِرًى دُونَ الْجَنَّةِ .

وفي إسناده الضَّحَّاك بْن حُمْرَةَ.

وقد ضعّفه غير واحد من أئمة الحديث.

قال الذهبي رحمه الله تعالى:

" الضحاك ‌بن ‌حمرة، عن عمرو بن شعيب.

قال النسائي، وغيره: ليس بثقة " انتهى. "المغني في الضعفاء" (1 / 311).

وكذا شيخه حماد بن جعفر، ضعيف.

قال ابن عدي رحمه الله تعالى:

" حماد بن جعفر.

أظنه بصريا؛ منكر الحديث.

حَدَّثَنَا الساجي، حَدَّثَنا إِبْرَاهِيمُ بْنُ سَعِيد الْجَوْهَرِيُّ.

(ح) وَحَدَّثَنَا الْحُسَيْنُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، قَال: حَدَّثَنا يَعْقُوبُ الدَّوْرَقِيُّ، قَالا: حَدَّثَنا أَبُو سُفْيَانَ الْحِمْيَرِيُّ، عَنِ الضَّحَّاكِ بْنِ حُمْرَةَ، عَنْ حَمَّادِ بْنِ جَعْفَرٍ، عَنْ مَيْمُونِ بْنِ سِيَاهٍ، عَن أَنَس بْنِ مَالِكٍ، عَنِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، قَال: ( أَيَّمَا عَبد يَزُورُ أَخَاهُ فِي اللَّهِ … )...

قال ابن عدي: ولم أجد لحماد بن جعفر غير هذين الحديثين اللذين ذكرتهما " انتهى. "الكامل" (3 / 314 - 315).

وقد ورد هذا الخبر بطريق آخر إلى ميمون بن سياه.

فقد روى أبو بكر البزار في "المسند" (13 / 101)، وأبو يعلى الموصلي في "المسند" (6 / 79)، وأبو نعيم في "حلية الأولياء" (3/ 107)، وغيرهم: عن يوسف بن يعقوب السدوسي، حدّثنا مَيْمُونُ بْنُ عَجْلان، عَنْ مَيْمُونَ بْنِ سِيَاهٍ، عَن أَنَس، عَن النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم قَالَ:  مَا مِنْ عَبْدٍ مُسْلِمٍ أَتَى أَخًا لَهُ يَزُورُهُ فِي اللَّهِ، إلَاّ نَادَاهُ مُنَادٍ مِنَ السَّمَاءِ: ‌أَنْ ‌طِبْتَ، ‌وَطَابَتْ لَكَ الْجَنَّةُ، وَإِلَّا قَالَ اللَّهُ فِي مَلَكُوتِ عَرْشِهِ: عَبْدِي زَارَ فِيَّ، وَعَلَيَّ قِرَاهُ، فَلَمْ أَرْضَ لَه بِقِرًى دُونَ الجَنَّةِ .

قال الهيثمي رحمه الله تعالى:

" رواه البزار وأبو يعلى، ورجال أبي يعلى رجال الصحيح غير ميمون بن عجلان، وهو ثقة " انتهى. "مجمع الزوائد" (8 / 173).

لكن ميمون بن عجلان: لم يرد فيه توثيق معتبر.

فقد ذكره البخاري في "التاريخ الكبير" (7 / 343)، ولم يذكر فيه جرحا ولا تعديلا، وقال فيه أبو حاتم "شيخ" كما في "الجرح والتعديل" (8 / 239).

و"شيخ" لا تعني توثيق الراوي والاحتجاج به، بل فيها نوع تليين له، وأنه يحتاج الى ما يدل على صواب روايته.

وميمون هذا: ليس له ما يشهد له إلا رواية الضحاك عن حماد السابقة وهما ضعيفان.

ثم إن مدار هذه الأسانيد ومرجعها إلى مَيْمُون بْنِ سِيَاهٍ، عَن أَنَس.

وميمون بن سياه، وإن كان صدوقا، وقد وثقه بعضهم، إلا أنه قد ضعّفه عدد من أئمة الحديث، وقد لخص حاله الحافظ ابن حجر بقوله رحمه الله تعالى:

" ميمون بن ‌سِياه، البصري، أبو بحر: صدوق عابد يخطىء " انتهى. "تقريب التهذيب" (ص556).

وهذا يضعّف ما يتفرد به من الروايات كحال هذا الخبر.

قال ابن حبان رحمه الله تعالى:

" ميمون بن ‌سياه من أهل البصرة، يروي عن الحسن، وثابت، روى عنه أهل البصرة.

كان ممّن ينفرد بالمناكير عن المشاهير، لا يعجبني الاحتجاج بخبره إذا انفرد، فأما فيما وافق الثّقات: فإن اعتبر به معتبِر، من غير احتجاج به: لم أر بذلك بأسا، كان يحيى بن معين سيء الرّأي فيه " انتهى. "المجروحين" (3 / 6).
وقال ابن عدي رحمه الله تعالى:

" وميمون بن سياه: هو أحد من كان يُعَد في زهاد البصرة، ولعل ليس له من الحديث غير ما ذكرت من المسند.

والزهاد لا يضبطون الأحاديث كما يجب، وأرجو أنه لا بأس به " انتهى. "الكامل" (9 / 698).

وهذا صنيع الإمام البخاري رحمه الله تعالى، حيث لم يخرج له في الصحيح إلا حديثا تابعه فيه غيره.

قال الحافظ ابن حجر رحمه الله تعالى:

" ميمون ‌بن ‌سياه البصري تابعي، ضعفه يحيى بن معين، وقال أبو داود: ليس بذاك، وقال أبو حاتم: ثقة.

قلت: ما له في البخاري سوى حديثه عن أنس: ( من صلى صلاتنا ... ) الحديث بمتابعة حميد الطويل " انتهى. "هدي الساري" (ص 447).

والخلاصة:

هذا الخبر، ليس إسناده بصحيح، وقد تفرد بروايته من لا يُقبل تفرده عند أئمة الحديث.

وفضل الأخوة في الله تعالى، ثابت بنصوص صحيحة.

كمثل ما رواه البخاري (660)، ومسلم (1031) عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ:  سَبْعَةٌ ‌يُظِلُّهُمُ اللهُ فِي ظِلِّهِ يَوْمَ لَا ظِلَّ إِلَّا ظِلُّهُ: الْإِمَامُ الْعَادِلُ، وَشَابٌّ نَشَأَ فِي عِبَادَةِ رَبِّهِ، وَرَجُلٌ قَلْبُهُ مُعَلَّقٌ فِي الْمَسَاجِدِ، وَرَجُلَانِ تَحَابَّا فِي اللهِ اجْتَمَعَا عَلَيْهِ وَتَفَرَّقَا عَلَيْهِ، وَرَجُلٌ طَلَبَتْهُ امْرَأَةٌ ذَاتُ مَنْصِبٍ وَجَمَالٍ، فَقَالَ إِنِّي أَخَافُ اللهَ، وَرَجُلٌ تَصَدَّقَ، أَخْفَى حَتَّى لَا تَعْلَمَ شِمَالُهُ مَا تُنْفِقُ يَمِينُهُ، وَرَجُلٌ ذَكَرَ اللهَ خَالِيًا فَفَاضَتْ عَيْنَاهُ .

كما قد ورد فضل تزاور الإخوان في الله تعالى.

روى الإمام مسلم (2567) عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم: أَنَّ رَجُلًا ‌زَارَ أَخًا لَهُ فِي قَرْيَةٍ أُخْرَى، فَأَرْصَدَ اللهُ لَهُ عَلَى مَدْرَجَتِهِ مَلَكًا، فَلَمَّا أَتَى عَلَيْهِ قَالَ: أَيْنَ تُرِيدُ؟ قَالَ: أُرِيدُ أَخًا لِي فِي هَذِهِ الْقَرْيَةِ قَالَ: هَلْ لَكَ عَلَيْهِ مِنْ نِعْمَةٍ تَرُبُّهَا؟ قَالَ: لَا، غَيْرَ أَنِّي أَحْبَبْتُهُ فِي اللهِ عز وجل قَالَ: فَإِنِّي رَسُولُ اللهِ إِلَيْكَ بِأَنَّ اللهَ قَدْ أَحَبَّكَ كَمَا أَحْبَبْتَهُ فِيهِ .

والله أعلم.

هل انتفعت بهذه الإجابة؟

المصدر: موقع الإسلام سؤال وجواب