الجمعة 21 جمادى الأولى 1446 - 22 نوفمبر 2024
العربية

هل صح حديث أبي معاوية عن هشام بن عروة (فَبِمَ يُشْبِهُهَا وَلَدُهَا)؟

514579

تاريخ النشر : 22-07-2024

المشاهدات : 1417

السؤال

أود السؤال عن صحة حديث: يَا رَسولَ اللَّهِ إنَّ اللَّهَ لا يَسْتَحْيِي مِنَ الحَقِّ فَهلْ علَى المَرْأَةِ الغَسْلُ إذَا احْتَلَمَتْ؟ قالَ: (نَعَمْ، إذَا رَأَتِ المَاءَ)، فَضَحِكَتْ أُمُّ سَلَمَةَ، فَقالَتْ: تَحْتَلِمُ المَرْأَةُ؟ فَقالَ رَسولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: (فَبِمَ يُشْبِهُ الوَلَدُ)؛ لأن أبا معاوية رواه عن هشام بن عروة وهو مضطرب فيه؟

الجواب

الحمد لله.

روى البخاري (130)، ومسلم (313) عن أَبي مُعَاوِيَةَ، قَالَ: حَدَّثَنَا هِشَامٌ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ زَيْنَبَ ابْنَةِ أُمِّ سَلَمَةَ، عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ قَالَتْ: " جَاءَتْ أُمُّ سُلَيْمٍ إِلَى رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم، فَقَالَتْ: يَا رَسُولَ اللهِ، إِنَّ اللهَ لَا يَسْتَحْيِي مِنَ الْحَقِّ، فَهَلْ عَلَى الْمَرْأَةِ مِنْ غُسْلٍ إِذَا احْتَلَمَتْ؟ قَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: (إِذَا رَأَتِ الْمَاءَ)، فَغَطَّتْ أُمُّ سَلَمَةَ، تَعْنِي وَجْهَهَا، وَقَالَتْ: يَا رَسُولَ اللهِ، وَتَحْتَلِمُ الْمَرْأَةُ؟ قَالَ: (نَعَمْ، تَرِبَتْ يَمِينُكِ، فَبِمَ يُشْبِهُهَا وَلَدُهَا).

وأبو معاوية ثقة إمام في حديثه عن الأعمش.

قال الذهبي رحمه الله تعالى:

" محمد بن ‌خازم أبو معاوية الضرير، الحافظ، عن: هشام، والأعمش. وعنه: أحمد، وإسحاق، وعلي، وابن معين: ثبت في الأعمش " انتهى. "الكاشف" (2/167).

وأما في حديثه عن غير الأعمش: فقد وصف بالوهم والاضطراب.

قال الذهبي رحمه الله تعالى:

" أَبو معاوية الضرير:

أحد الأئمة الأعلام الثقات...

وقال ابن خراش: يقال: هو في الأعمش ثقة، وفى غيره فيه اضطراب.

وكذلك قال عبد الله بن أحمد: سمعت أبي يقول: هو في غير الأعمش مضطرب، لا يحفظها حفظا جيدا ...

وقال الحاكم: احتج به الشيخان...

وروى عباس عن ابن معين قال: روى ‌أبو ‌معاوية عن عبيد الله أحاديث مناكير...

وقال ابن خراش: صدوق، وهو في الأعمش ثقة " انتهى. "ميزان الاعتدال" (5 / 290).

ولخّص حاله الحافظ ابن حجر، بقوله رحمه الله تعالى:

" ‌محمد ‌بن ‌خَازِم، أبو معاوية الضّرير الكوفي، عَمِي وهو صغير: ثقة، أحفظ الناس لحديث الأعمش، وقد يَهِم في حديث غيره " انتهى. "تقريب التهذيب" (ص 475).

ومن ذلك حديثه عن هشام بن عروة.

جاء في "مسائل الإمام أحمد رواية أبي داود السجستاني" (ص404):

" قلت لأحمد: كيف ‌حديث ‌أبي ‌معاوية، عن هشام بن عروة؟

قال: فيها أحاديث مضطربة، يرفع منها أحاديث إلى النّبيّ صلى الله عليه وسلم " انتهى.

وقال ابن رجب رحمه الله تعالى:

" قال الأثرم: قلت لأبي عبد الله: ‌أبو ‌معاوية، صحيح الحديث عن هشام؟

قال: لا، ما هو بصحيح الحديث عنه " انتهى. "شرح علل الترمذي" (2 / 680).

فمثل هذا الإمام: الأصل فيه الثقة والصدق، وحديثه عن شيوخه الذين يهم في أحاديثهم - كهشام -: لا تهدر بالكلية؛ وإنما تُلَيّن وتضعّف أحاديثه التي يتفرد بها، أو يخالف فيها الرواة الثقات عن هشام.

قال الإمام مسلم رحمه الله تعالى:

" وعلامة المنكر في حديث المحدث: إذا ما عُرِضت روايته للحديث، على رواية غيره من أهل الحفظ والرضا: خالفت روايته روايتهم، أو لم تكد توافقها...

فأما من تراه يعمد لمثل الزهري في جلالته، وكثرة أصحابه الحفاظ المتقنين لحديثه وحديث غيره، أو لمثل هشام بن عروة، وحديثهما عند أهل العلم مبسوط مشترك، قد نقل أصحابهما عنهما حديثهما، على الاتفاق منهم في أكثره، فيروي عنهما، أو عن أحدهما العدد من الحديث، مما لا يعرفه أحد من أصحابهما، وليس ممن قد شاركهم في الصحيح مما عندهم= فغير جائز قبول حديث هذا الضرب من الناس " انتهى. "مقدمة صحيح مسلم" (1 / 6).

وقال رحمه الله تعالى:

" والجهة الاخرى أن يروي نفر من حفاظ الناس حديثا عن مثل الزهري أو غيره من الائمة، بإسناد واحد، ومتن واحد، مجتمعون على روايته في الإسناد والمتن لا يختلفون فيه في معنى، فيرويه آخر سواهم عمن حدث عنه النفر الذين وصفناهم بعينه، فيخالفهم في الإسناد، أو يقلب المتن فيجعله بخلاف ما حكى من وصفنا من الحفاظ= فيعلم حينئذ أن الصحيح من الروايتين ما حدث الجماعة من الحفاظ، دون الواحد المنفرد، وان كان حافظا.

على هذا المذهب: رأينا أهل العلم بالحديث يحكمون في الحديث، مثل شعبة وسفيان بن عيينه ويحيى بن سعيد وعبد الرحمن بن مهدي وغيرهم من أئمة أهل العلم " انتهى. "التمييز" (ص 172).

وأما إذا وافق حديثه حديث الثقات من تلاميذ هشام، فهنا يحكم على حديثه بالصحة، وأنه قد أصاب في روايته، ولم يَهِمْ، ولم يخطئ.

وحديث أبي معاوية هذا عن هشام بن عروة، عن أبيه، عن زينب ابنة أمّ سلمة، عن أمّ سلمة، في الاحتلام: لم ينفرد به أبو معاوية، ولم يخالف روايات الثقات عن هشام، بل قد وافقوه.

فقد رواه البخاري من طريق الإمام مالك، ويحيى القطان عن هشام.

فرواه من طريق الإمام مالك في الحديث رقم (282)، قال البخاري: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ يُوسُفَ، قَالَ: أَخْبَرَنَا مَالِكٌ، عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ زَيْنَبَ ابِنَْتِ أَبِي سَلَمَةَ.

وفي الحديث رقم (6121)، قال: حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ قَالَ: حَدَّثَنِي مَالِكٌ، عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ.

ورواه من طريق يحيى القطان في الحديث رقم (3328)، قال البخاري: حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ، حَدَّثَنَا يَحْيَى، عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ.

وفي الحديث رقم (6091)، قال: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى، حَدَّثَنَا يَحْيَى، عَنْ هِشَامٍ .

وقد رواه الإمام مسلم من طريق وكيع وسفيان عن هشام.

روى الإمام مسلم (313)، قال: حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ، وَزُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ قَالَا: حَدَّثَنَا وَكِيعٌ ، (ح) وَحَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي عُمَرَ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ جَمِيعًا، عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ بِهَذَا الْإِسْنَادِ مِثْلَ مَعْنَاهُ، وَزَادَ: ( قَالَتْ: قُلْتُ: فَضَحْتِ النِّسَاءَ ).

وهؤلاء الرواة: أئمة في الحديث وفيهم من هو معدود في أثبت الرواة عن هشام.

قال ابن رجب رحمه الله تعالى:

" وقال الدارقطني: أثبت الرواة عن هشام بن عروة: الثوري، ومالك، ويحيى القطان، وابن نمير، والليث بن سعد " انتهى. "شرح علل الترمذي" (2 / 680).

والخلاصة:

أبو معاوية الضرير محمد بن خازم من ثقات الرواة، وقد وصف بالوهم والاضطراب في حديثه عن غير الأعمش كهشام بن عروة.

وإنما يعرف وهمه واضطرابه عند التفرد والمخالفة، أما إذا وافق الرواة الثقات في روايته عن هشام فهذا يدل على أنه أصاب في روايته، ولم يضطرب فيها، ولم يهم، فيصحح في هذه الحال حديثه، كحال حديثه هذا في الاحتلام، فقد وافقه على روايته عن هشام أئمة كالإمام مالك ويحيى القطان، ولهذا أخرجه البخاري ومسلم في صحيحيهما.

قال الحافظ ابن حجر رحمه الله تعالى:

" محمد ‌بن ‌خازم أبو معاوية الضرير، مشهور بكنيته، قال يحيى بن معين: كان أثبت أصحاب الأعمش بعد شعبة وسفيان … وقال النسائي: ثقة، كذا قال ابن خراش، وزاد في حديثه عن غير الأعمش اضطراب، وكذا قال أحمد بن حنبل وغيره، زاد أحمد: أحاديثه عن هشام بن عروة فيها اضطراب.

قلت: لم يحتج به البخاري إلا في الأعمش، وله عنده عن هشام بن عروة عدة أحاديث توبع عليها " انتهى. "هدي الساري" (ص 438).

والله أعلم.

هل انتفعت بهذه الإجابة؟

المصدر: موقع الإسلام سؤال وجواب