الحمد لله.
هجرة النبي صلى الله عليه وسلم كما هو ثابت عند أهل السير كانت في ربيع الأول.
حيث خرج من مكة في السابع والعشرين من شهر صفر هو وأبو بكر رضي الله عنه، ومكثوا في غار ثور ثلاث ليال، ثم انطلقوا جهة المدينة.
وكان دخوله صلى الله عليه وسلم المدينة في الثاني عشر من ربيع الأول على الصحيح من أقوال أهل السير. انظر: "البداية والنهاية" (4/ 443) و"إمتاع الأسماع" (8/ 323).
قال الحافظ ابن حجر العسقلاني رحمه الله:
"وذكر الحاكم أن خروجه صلى الله عليه وسلم من مكة كان بعد بيعة العقبة بثلاثة أشهر أو قريبا منها وجزم بن إسحاق بأنه خرج أول يوم من ربيع الأول فعلى هذا يكون بعد البيعة بشهرين وبضعة عشر يوما وكذا جزم به الأموي في المغازي عن بن إسحاق فقال كان مخرجه من مكة بعد العقبة بشهرين وليال قال وخرج لهلال ربيع الأول وقدم المدينة لاثنتي عشرة خلت من ربيع الأول» انتهى من "فتح الباري" (7/ 227).
وقال ابن هشام رحمه الله:
حَتَّى هَبَطَ بِهِمَا بَطْنَ رِئْمٍ، ثُمَّ قَدِمَ بِهِمَا قُبَاءٍ، عَلَى بَنِي عَمْرِو بْنِ عَوْفٍ، لِاثْنَتَيْ عَشْرَةَ لَيْلَةٍ خَلَتْ مِنْ شَهْرِ رَبِيعٍ الْأَوَّلِ يَوْمَ الِاثْنَيْنِ، حِينَ اشْتَدَّ الضَّحَاءُ، وَكَادَتْ الشَّمْسُ تَعْتَدِلُ "سيرة ابن هشام ت السقا" (1/ 492):
وقال ابن القيم رحمه الله:
«ثم أخذا على طريق الساحل، فلما انتهوا إلى المدينة وذلك يوم الاثنين لاثنتي عشرة ليلة خلت من شهر ربيع الأول " انتهى من "زاد المعاد" (1/ 90).
أما كون التاريخ الهجري يبدأ بمحرم، فقد بين العلماء سبب البداءة به:
قال ابن الأثير رحمه الله :
"وقال محمد بن سيرين: قام رجل إلى عمر فقال: أرخوا. فقال عمر: ما أرخوا؟ فقال: شيء تفعله الأعاجم في شهر كذا من سنة كذا. فقال عمر: حسن، فأرخوا. فاتفقوا على الهجرة، ثم قالوا: من أي الشهور؟ فقالوا: من رمضان، ثم قالوا: فالمحرم هو منصرف الناس من حجهم، وهو شهر حرام، فأجمعوا عليه" انتهى من "الكامل في التاريخ" (1/ 13).
وقال الحافظ ابن حجر العسقلاني رحمه الله:
"وقد أبدى بعضهم للبداءة بالهجرة مناسبة فقال كانت القضايا التي اتفقت له ويمكن أن يؤرخ بها أربعة مولده ومبعثه وهجرته ووفاته فرجح عندهم جعلها من الهجرة لأن المولد والمبعث لا يخلو واحد منهما من النزاع في تعيين السنة وأما وقت الوفاة فأعرضوا عنه لما توقع بذكره من الأسف عليه فانحصر في الهجرة وإنما أخروه من ربيع الأول إلى المحرم لأن ابتداء العزم على الهجرة كان في المحرم إذ البيعة وقعت في أثناء ذي الحجة وهي مقدمة الهجرة فكان أول هلال استهل بعد البيعة والعزم على الهجرة هلال المحرم فناسب أن يجعل مبتدأ وهذا أقوى ما وقفت عليه من مناسبة الابتداء بالمحرم" انتهى من "فتح الباري" (7/ 268).
ثانياً:
أما مسألة الأشهر التي كان يعتمدها اليهود، فقد كان حسابهم في سابق عهدهم بالأشهر القمرية بدليل تقويمهم لليوم الذي نجا الله فيه موسى عليه السلام بيوم عاشوراء. ثم لما غلبهم النصارى انتقلت طائفة منهم إلى التقويم الشمسي وبقيت طائفة على التقويم القمري.
جاء في "العرف الشذي شرح سنن الترمذي" (2/ 179):
"لما دخل المدينة وجد اليهود صاموا عاشوراء، فسأل أي يوم هذا؟ قالوا: عاشوراء خلَّص فيه موسى عليه الصلاة والسلام من يد فرعون، فقال النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: نحن أحق باتباع موسى عليه الصلاة والسلام، وكان دخل النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - المدينة في الربيع الأول، ولا يمكن فيه عاشوراء المحرم، فلعله كان اتفق عاشر تشرين الأول بيوم دخوله من الربيع الأول، ثم لعل أمره بالصوم كان في عاشر المحرم، ثم أقول: إن اليهود كان بعضهم كان يصوم عاشر تشرين، وبعضهم عاشر المحرم، فدل على أنهم عالمون الحسابين الشمسي والقمري" انتهى
وجاء في "فيض الباري على صحيح البخاري" (3/ 373):
«أن الحساب -عند اليهود- في الأصل بحسب كتبهم السماوية كان قمريا، وإنما هم حولوه إلى الشمسي. وقد وجد في بعض الزيج والتقاويم: أن الحساب العبري قمري من لدن آدم عليه الصلاة والسلام إلى يومنا هذا" انتهى.
وكون التقويم عندهم بالحساب القمري مثل العرب، لا يلزم منه نفس تسميتها عند العرب.
ولم نقف بعد البحث على أسماء أشهرهم القمرية.
والله أعلم
تعليق