الاثنين 24 جمادى الأولى 1446 - 25 نوفمبر 2024
العربية

ما حكم الدعاء بتحصيل الحاصل كاللهم اجعل مرضه كفارة؟

518654

تاريخ النشر : 21-07-2024

المشاهدات : 1531

السؤال

أريد قراءة كتاب المنجيات والموبقات في الأدعية، فما حكمه؟ وهل ما جاء فيه صحيح؟ لأني رأيت بعضا منه مثل: أن يسأل الداعي ثبوت أمر دل السمع على ثبوته، بأن يقول لمريض مثلا: اللهم اجعل المرض كفارة له، وقد دلت النصوص أن المصائب كفارات فدعائه هنا معصية، وكثير مثل ذلك، فما حكمه؟

الجواب

الحمد لله.

أولا:

كتاب المنجيات والموبقات في الأدعية، هو لشهاب الدين القرافي، الفقيه المالكي المشهور.

ثانيا:

ذكر القرافي رحمه الله من "الأدعية المحرمة"، ص173: "أن يسأل الداعي ثبوت أمر دل السمع على ثبوته، بأن يقول لمريض أو مصاب: اللهم اجعل له هذا المرض أو هذه المصيبة كفارة، وقد دلت النصوص على أن المصائب كفارات لأهلها، وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لا يصيب المؤمن وصب ولا نصب ولا تعب حتى الشوكة يشاكها إلا كفر الله بها من ذنوبه) فيكون الدعاء معصية لما مر، بل ينبغي أن يقول: اللهم عظم له الكفارة" انتهى.

وقال في ص178: "الفصل الرابع: من المحرم الذي ليس بكفر. أن يسأل الداعي من الله ثبوت أمر دل السمع على ثبوته".

وذكر له أمثلة:

1-أن يقول الداعي: اللهم اجعل موت من مات لك من أولاد حجابا لك من النار. وقد دل الحديث الصحيح على أن من مات له اثنان من الولد كانا حجابا له من النار فيكون هذا الدعاء معصية.

2-أن يقول الداعي: اللهم اجعل صوم عاشوراء يكفر لي سنة.

3-أن يقول: اللهم اجعل صلواتي كفارات لما بينها.

قال: "فيكون الدعاء بذلك معصية لما مر".

أي لكونه من باب تحصيل الحاصل، وقلة الأدب مع الله.

وما ذكره رحمه الله لا يسلّم له، بل رده بعض أهل العلم.

فقد تعقبه ابن الشاط في "إدرار الفروق على الفروق" (4/ 279) فقال: " يبقى هو مطالبا بدليل المنع من مثل ذلك الدعاء، ولم يأت بدليل ولا شبهة" انتهى.

وقال ابن الشاط أيضا في (4/ 286): " قال: "وطلب تحصيل الحاصل محال فإن ما شاء الله تعالى لا بد من وقوعه وذلك كله مناقض لقواعد الشريعة والأدب مع الله تعالى".

قلت: ليس ما قاله في طلب تحصيل الحاصل بصحيح، وقد دعا النبي صلى الله عليه وسلم لنفسه الكريمة بالمغفرة، وهي معلومة الحصول عنده وعندنا، وأمرنا أن ندعو له بإيتائه الوسيلة والفضيلة والدرجة الرفيعة وابعثه المقام المحمود الذي وعدته، وذلك كله معلوم الحصول عنده وعندنا" انتهى.

وينظر: "تهذيب الفروق" (مطبوع مع الفروق 4/ 290، للشيخ محمد بن علي بن حسين مفتي المالكية بمكة، فقد نقل كلام ابن الشاط وأقره.

فما ذكره ابن الشاط من دعاء النبي صلى الله عليه وسلم لنفسه بالمغفرة مع أن الله أخبره أنه مغفور له، ومن أمره لنا أن ندعو له بإيتائه الوسيلة والفضيلة والدرجة الرفيعة وابعثه المقام المحمود الذي وعدته، مع أن ذلك واقع، دليل ظاهر أن الدعاء بتحصيل الحاصل ليس ممنوعا.

على أن ما ذكره ليس هو صورة "تحصيل الحاصل" في واقع الأمر، فإن الكفارة لم تحصل بعد، وكذا المغفرة والوسيلة، لم يحصلا بعد، وإن كان الله قد وعد بحصول ذلك كله؛ فإنه لا يمتنع أن تكون كفارة المصيبة والمرض للسيئات: مرتبا على شروط وأسباب، وتخلف موانع؛ فيكون الدعاء مفيدا لذلك، أن تحصل أسباب المغفرة والتكفير. والدعاء نفسه من أعظم هذه الأسباب.

ثم هو – أيضا- عبادة مستقلة، فيثاب الإنسان عليه، في الموضع الذي يشرع فيه، ولا مانع من ذلك، ولو كان معلوم الإجابة.

ثم هذا التقرير مخالف لما ثبت في السنة الصحيحة عن النبي صلى الله عليه وسلم من دعائه للمريض: أن يجعل الله مرضه وما أصابه "طهورا" له من سيئاته، وهذا هو التكفير.

روى البخاري في "صحيحه" (3616)، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما: " أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم دَخَلَ عَلَى أَعْرَابِيٍّ يَعُودُهُ – قَالَ: وَكَانَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم إِذَا دَخَلَ عَلَى مَرِيضٍ يَعُودُهُ، قَالَ: ‌(لَا ‌بَأْسَ ‌طَهُورٌ ‌إِنْ ‌شَاءَ ‌اللهُ - فَقَالَ لَهُ: ‌لَا ‌بَأْسَ؛ ‌طَهُورٌ ‌إِنْ ‌شَاءَ ‌اللهُ.

قَالَ: قُلْتَ طَهُورٌ؟! كَلَّا؛ بَلْ هِيَ حُمَّى تَفُورُ -أَوْ: تَثُورُ- عَلَى شَيْخٍ كَبِيرٍ، تُزِيرُهُ الْقُبُورَ!!

فَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: (فَنَعَمْ إِذًا).

وفي رواية أحمد في "مسنده" (13616)، من حديث أنس أن النبي صلى الله عليه وسلم قال للأعرابي: (كَفَّارَةٌ ‌وَطَهُورٌ).

قال الحافظ ابن حجر، رحمه الله: " وقوله إن شاء الله يدل على أن قوله (طهور) دعاء، لا خبر ". انتهى من "فتح الباري" (10/119).

وقد أشار الملا علي القاري، في شرحه لهذا الحديث، إلى أن التكفير بهذه المصائب والأسقام: له شروط، لا مطلقا؛ فلا إشكال بالدعاء بذلك حينئذ. قال:

"(إن شاء الله) : للتبرك، أو للتفويض، أو للتعليق؛ فإن كونه طهورا مبني على كونه صبورا شكورا" انتهى من "مرقاة المفاتيح" (3/1123).

وقوله: " فإن كونه .." تعليل للمحمل الثالث من محامل الاستثناء، وليس تعليلا للجميع.

والله أعلم.

هل انتفعت بهذه الإجابة؟

المصدر: موقع الإسلام سؤال وجواب