الحمد لله.
المساجد بيوت الله التي أذن أن ترفع ويذكر فيها اسمه، كما قال: (فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَنْ تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ يُسَبِّحُ لَهُ فِيهَا بِالْغُدُوِّ وَالْآصَالِ * رِجَالٌ لَا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلَا بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَإِقَامِ الصَّلَاةِ وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ يَخَافُونَ يَوْمًا تَتَقَلَّبُ فِيهِ الْقُلُوبُ وَالْأَبْصَارُ) النور/ 36 - 37.
وهي أماكن الطاعة والعبادة، وأحب البقاع إلى الله، كما روى مسلم (671) عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: (أَحَبُّ الْبِلَادِ إِلَى اللهِ مَسَاجِدُهَا، وَأَبْغَضُ الْبِلَادِ إِلَى اللهِ أَسْوَاقُهَا).
والجالس في المسجد عقب الصلاة أو ينتظر الصلاة، تصلي عليه الملائكة، كما قال صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( صَلَاةُ الرَّجُلِ فِي الْجَمَاعَةِ تُضَعَّفُ عَلَى صَلَاتِهِ فِي بَيْتِهِ وَفِي سُوقِهِ خَمْسًا وَعِشْرِينَ ضِعْفًا وَذَلِكَ أَنَّهُ إِذَا تَوَضَّأَ فَأَحْسَنَ الْوُضُوءَ ثُمَّ خَرَجَ إِلَى الْمَسْجِدِ لَا يُخْرِجُهُ إِلَّا الصَّلَاةُ لَمْ يَخْطُ خَطْوَةً إِلَّا رُفِعَتْ لَهُ بِهَا دَرَجَةٌ وَحُطَّ عَنْهُ بِهَا خَطِيئَةٌ فَإِذَا صَلَّى لَمْ تَزَلْ الْمَلَائِكَةُ تُصَلِّي عَلَيْهِ مَا دَامَ فِي مُصَلَّاهُ اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَيْهِ اللَّهُمَّ ارْحَمْهُ وَلَا يَزَالُ أَحَدُكُمْ فِي صَلَاةٍ مَا انْتَظَرَ الصَّلَاةَ ) رواه البخاري (647)، ومسلم (649).
والعبادة في المسجد مضاعفة الأجر، كما قال صلى الله عليه وسلم : ( أَيُّكُمْ يُحِبُّ أَنْ يَغْدُوَ كُلَّ يَوْمٍ إِلَى بُطْحَانَ أَوْ إِلَى الْعَقِيقِ فَيَأْتِيَ مِنْهُ بِنَاقَتَيْنِ كَوْمَاوَيْنِ فِي غَيْرِ إِثْمٍ وَلَا قَطْعِ رَحِمٍ فَقُلْنَا يَا رَسُولَ اللَّهِ نُحِبُّ ذَلِكَ قَالَ أَفَلَا يَغْدُو أَحَدُكُمْ إِلَى الْمَسْجِدِ فَيَعْلَمُ أَوْ يَقْرَأُ آيَتَيْنِ مِنْ كِتَابِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ خَيْرٌ لَهُ مِنْ نَاقَتَيْنِ وَثَلَاثٌ خَيْرٌ لَهُ مِنْ ثَلَاثٍ وَأَرْبَعٌ خَيْرٌ لَهُ مِنْ أَرْبَعٍ وَمِنْ أَعْدَادِهِنَّ مِنْ الْإِبِلِ ) رواه مسلم (803).
وبُطحان : موضع بقرب المدينة . والعقيق : واد مشهور بالمدينة .
والكوماء من الإبل : العظيمة السنام .
وروى الترمذي (586) عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( مَنْ صَلَّى الْغَدَاةَ فِي جَمَاعَةٍ ثُمَّ قَعَدَ يَذْكُرُ اللَّهَ حَتَّى تَطْلُعَ الشَّمْسُ ثُمَّ صَلَّى رَكْعَتَيْنِ كَانَتْ لَهُ كَأَجْرِ حَجَّةٍ وَعُمْرَةٍ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَامَّةٍ تَامَّةٍ تَامَّةٍ ) والحديث حسنه الألباني في صحيح الترمذي .
وروى مسلم (232) عَنْ حُمْرَانَ مَوْلَى عُثْمَانَ، قَالَ: تَوَضَّأَ عُثْمَانُ بْنُ عَفَّانَ، يَوْمًا وُضُوءًا حَسَنًا ثُمَّ قَالَ: رَأَيْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَوَضَّأَ فَأَحْسَنَ الْوُضُوءَ ثُمَّ قَالَ: (مَنْ تَوَضَّأَ هَكَذَا، ثُمَّ خَرَجَ إِلَى الْمَسْجِدِ لَا يَنْهَزُهُ إِلَّا الصَّلَاةُ، غُفِرَ لَهُ مَا خَلَا مِنْ ذَنْبِهِ).
وقوله: (لا ينهزه) معناه لا يدفعه وينهضه ويحركه إلا الصلاة (ما خلا من ذنبه) أي ما مضى من ذنبه.
وروى أبو داود (558) عَنْ أَبِي أُمَامَةَ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: (مَنْ خَرَجَ مِنْ بَيْتِهِ مُتَطَهِّرًا إِلَى صَلَاةٍ مَكْتُوبَةٍ فَأَجْرُهُ كَأَجْرِ الْحَاجِّ الْمُحْرِمِ، وَمَنْ خَرَجَ إِلَى تَسْبِيحِ الضُّحَى لَا يَنْصِبُهُ إِلَّا إِيَّاهُ فَأَجْرُهُ كَأَجْرِ الْمُعْتَمِرِ، وَصَلَاةٌ عَلَى أَثَرِ صَلَاةٍ لَا لَغْوَ بَيْنَهُمَا كِتَابٌ فِي عِلِّيِّينَ) وحسنه الألباني.
إلى غير ذلك من الأحاديث الدالة على فضل المساجد ومضاعفة الحسنات لقاصديها.
فإن قُصد بالبركة ذلك، أي كثرة ما جعل الله فيها من الخير والحسنات: فهي لا شك مباركة؛ بل هي أعظم بقاع الأرض بركة، وأعظمها الثلاثة التي فضلها الله تعالى على غيرها: المسجد الحرام، ومسجد النبي صلى الله عليه وسلم، والمسجد الأقصى؛ وثلاثتها مباركة بلا ريب، وهي على هذا الترتيب في الفضل والبركة.
وإن قصد أن بركتها "حسية" في أحجارها وترابها، ونحو ذلك، ورتب على ذلك: التمسح بجدرانها وأبوابها، أو التبرك بترابها؛ فلا شك أيضا: في أن ذلك كله ليس مشروعا، وليست المساجد مما يتبرك به على هذا المعنى.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: " ثم المساجد جميعها تشترك في العبادات، فكل ما يفعل في مسجد، يفعل في سائر المساجد، إلا ما خص به المسجد الحرام، من الطواف ونحوه، فإن خصائص المسجد الحرام لا يشاركه فيها شيء من المساجد، كما أنه لا يصلى إلى غيره.
وأما مسجد النبي صلى الله عليه وسلم، والمسجد الأقصى: فكل ما يشرع فيهما من العبادات، يشرع في سائر المساجد: كالصلاة والدعاء والذكر والقراءة والاعتكاف، ولا يشرع فيهما جنسٌ لا يشرع في غيرهما: لا تقبيل شيء، ولا استلامه، ولا الطواف به، ونحو ذلك. لكنهما أفضل من غيرهما، فالصلاة فيهما تضاعف على الصلاة في غيرهما" انتهى من "اقتضاء الصراط المستقيم" (2/ 354).
وقال الدكتور ناصر بن عبد الرحمن الجديع: "ويجدر التنبيه هنا على أنه لا يجوز التبرك بعامة المساجد وما يتصل بها، كجدرانها وترابها وأبوابها، من جهة التقبيل أو التمسح، ونحو ذلك، لا المسجد الحرام، ولا سائر المساجد في مكة وغيرها؛ لأنه ليس من شريعة الإسلام" انتهى من "التبرك أنواعه وأحكامه" ص 429.
والله أعلم.
تعليق