الحمد لله.
أولا:
الشفعة: إنما تكون للشريك قبل القسمة، أو للجار، على خلاف بين الفقهاء.
فقد اختلف الفقهاء فيمن له حق الشفعة، على ثلاثة أقوال:
الأول: أنها للشريك الذي لم يقاسم، وهو مذهب الجمهور.
وحجتهم: ما روى البخاري (2213) عَنْ جَابِرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: "جَعَلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الشُّفْعَةَ فِي كُلِّ مَالٍ لَمْ يُقْسَمْ، فَإِذَا وَقَعَتِ الحُدُودُ، وَصُرِّفَتِ الطُّرُقُ، فَلاَ شُفْعَةَ".
وروى مسلم (1068) عَنْ جَابِرٍ، قَالَ: "قَضَى رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالشُّفْعَةِ فِي كُلِّ شِرْكَةٍ لَمْ تُقْسَمْ، رَبْعَةٍ أَوْ حَائِطٍ، لَا يَحِلُّ لَهُ أَنْ يَبِيعَ حَتَّى يُؤْذِنَ شَرِيكَهُ، فَإِنْ شَاءَ أَخَذَ، وَإِنْ شَاءَ تَرَكَ، فَإِذَا بَاعَ وَلَمْ يُؤْذِنْهُ فَهُوَ أَحَقُّ بِهِ".
الثاني: أنها للشريك وللجار الملاصق، وهذا مذهب أبي حنيفة رحمه الله، وهو رواية عن أحمد.
وحجته: ما روى أحمد (20088)، والترمذي (1368) عَنْ سَمُرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: جَارُ الدَّارِ أَحَقُّ بِالدَّارِ وصححه الترمذي، والبخاري، والألباني.
وروى أحمد (19461) عن الشَّرِيدِ بْنِ سُوَيْدٍ قَالَ: " قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ، أَرْضٌ لَيْسَ لِأَحَدٍ فِيهَا شِرْكٌ وَلَا قَسْمٌ إِلَّا الْجِوَارُ؟ قَالَ: الْجَارُ أَحَقُّ بِسَقَبِهِ مَا كَانَ وصححه شعيب في تحقيق المسند.
وروى البخاري (6978) عَنْ أَبِي رَافِعٍ قال: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: الجَارُ أَحَقُّ بِصَقَبِهِ .
الثالث: أنها للشريك، وللجار إذا كان بينهما حق مشترك كالطريق، ومدخل العمارة، ونحو ذلك، فلا يشترط أن يكون جارا ملاصقا، وهو رواية عن أحمد، وقول عمر بن عبد العزيز، واختاره شيخ الإسلام وابن القيم.
وحجتهم: ما روى أحمد (14253)، وأبو داود (3518)، والترمذي (1369)، وابن ماجه (2494) عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: الْجَارُ أَحَقُّ بِشُفْعَةِ جَارِهِ، يُنْتَظَرُ بِهَا، وَإِنْ كَانَ غَائِبًا؛ إِذَا كَانَ طَرِيقُهُمَا وَاحِدًا والحديث صححه الألباني في "صحيح أبي داود".
وينظر: "المغني" (5/ 229)، "إعلام الموقعين" (3/ 379)، "منار السبيل" (1/ 443)، "الموسوعة الفقهية" (26/ 130).
وأرجحها القول الثالث.
قال ابن القيم رحمه الله: " والصواب القول الوسط، الجامع بين الأدلة، الذي لا تحتمل سواه، وهو قول البصريين وغيرهم من فقهاء الحديث:
أنه إن كان بين الجارين حق مشترك من حقوق الأملاك، من طريق أو ماء أو نحو ذلك؛ ثبتت الشفعة.
وإن لم يكن بينهما حق مشترك ألبتة، بل كان كُلُّ واحد منهما متميزا مُلْكُه وحقوق ملكه؛ فلا شفعة.
وهذا الذي نص عليه أحمد في رواية أبي طالب، فإنه سأله عن الشفعة: لمن هي؟
فقال: إذا كان طريقهما واحدًا. فإذا صُرفت الطرق وعرفت الحدود: فلا شفعة.
وهو قول عمر بن عبد العزيز، وقول القاضيين: سوَّار بن عبد اللَّه، وعُبيد اللَّه بن الحسن العنبري...
فأهل الكوفة يثبتون شفعة الجوار مع تميز الطرق والحقوق.
وأهل المدينة يسقطونها مع الاشتراك في الطريق والحقوق.
وأهل البصرة يوافقون أهل المدينة إذا صُرفت الطرق، ولم يكن هناك اشتراك في حق من حقوق الأملاك، ويوافقون أهل الكوفة إذا اشترك الجاران في حق من حقوق الأملاك كالطريق وغيرها. وهذا هو الصواب، وهو أعدل الأقوال، وهو اختيار شيخ الإسلام ابن تيمية" انتهى من "إعلام الموقعين" (3/ 392).
ثانيا:
أما المستأجر، فلا شفعة له، سواء كان استأجر المحل، أو كان مستأجرا لمحل مجاور، وسواء ترك الإجارة أو استمر فيها: فلا شفعة له اتفاقا؛ لأن مآل المستأجر الانصراف، فلا ضرر عليه.
وعليه؛ فليس لك أن تفسخ العقد؛ لأنه لا شفعة للمستأجر.
والله أعلم.
تعليق