الاثنين 22 جمادى الآخرة 1446 - 23 ديسمبر 2024
العربية

ما حكم تضمين الوكيل إذا تأخر في إحضار السلعة حتى انخفض السعر؟

528366

تاريخ النشر : 19-09-2024

المشاهدات : 810

السؤال

يعيش أحد الإخوة في بلد أوروبيّ، ويقوم بالتكفّل بشراء سيّارات مع ما يلزمها من وثائق ونقل، وفي الأخير يقوم هو بنفسه بنقلها للشخص الذي وكّله بهذا العمل، ويعطيه المال الذي اتّفقا عليه في البداية،
في إحدى عمليّات الشراء أصاب هذا الشخص مرض ألزمه الفراش مدّة معتبرة من الزمن، وبعدما تعافى من مرضه استكمل ما بقي من إجراءات نقل السيّارة لصاحبها، غير أنّ صاحب السيّارة طالبه بتعويض ماليّ؛ كون سعر السيّارة قد انخفض بعد هذه المدّة التي كان فيها مريضا، فما حكم هذا المال؟

الجواب

الحمد لله.

أولا:

قيام الإنسان بشراء السيارة لغيره وإيصالها له، يندرج تحت عقد الوكالة، ولا حرج فيها، سواء كانت الوكالة مجانا أو بأجرة.

ثانيا:

إذا كان الوكيل قد اشترى السيارة، ثم مرض، فلم يتمكن من إتمام إجراءات نقلها، فكان عليه أن يخبر الموكل، ليرى رأيه، وليس للوكيل أن يوكل غيره حينئذ، إلا أن يأذن له الموكل.

قال الشافعي رحمه الله: " وإذا وكل الرجلُ الرجلُ بوكالة: فليس للوكيل أن يوكل غيره، مرض الوكيل، أو أراد الغيبة، أو لم يردها؛ لأن الموكل رضي بوكالته، ولم يرض بوكالة غيره.

وإن قال وله أن يوكل من رأى: كان ذلك له، برضا الموكل" انتهى من "الأم" (3/ 232).

وقال في زاد المستقنع: "وليس للوكيل أن يوكل فيما وكل فيه إلا أن يُجعل إليه".

قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله في شرحه: " وهل له أن يوكل؟

الجواب: لا، ليس له أن يوكل، فإذا وكلت فلانا أن يبيع هذه السيارة، فليس له أن يوكل غيره؛ لأنني وكلته هو بنفسه، فليس له أن يوكل غيره؛ لأني قد أثق به، ولا أثق بغيره، ولا سيما في الأمور التي يختلف فيها القصد اختلافا كبيرا، كما لو وكلت شخصا يفرق زكاة، وأراد أن يوكل غيره: فهذا لا يمكن؛ لأن الزكاة أمرها عظيم، وربما أثق بفلان، ولا أثق بغيره.

فلا يجوز إذًا أن يوكل فيما وُكل فيه إلا في أحوال ثلاث:

الحال الأولى:

قوله: «إلا أن يُجعل إليه» «يجعل» هذا مبني لما لم يسم فاعله، والفاعل هو الموكِّلُ، يعني إلا أن يجعل الموكل ذلك للوكيل، فيقول: وكلتك في كذا، ولك أن توكل من شئت، أو من تثق به، أو أن توكل فلانا قريبك، أو ما أشبه ذلك.

فإذا جعل إليه ووكل حسب ما جعل إليه، يكون قد تصرف بحسب الوكالة.

الحال الثانية: إذا كان مثله لا يتولاه عادة.

فلو قلت لجارك وهو رجل شريف وزير، أو قاض، أو أمير: يا فلان أنا سوف أسافر، اشتر للبقرة العلف كل يوم، الرجل الآن سوف يشتري علفا كل يوم للبقرة، فهل له أن يوكل من يشتري العلف؟ أو نقول: اذهب بنفسك؟ نقول: له أن يوكل من يشتري العلف؛ لأن هذا مما جرت العادة ألا يتولاه بنفسه، فله أن يوكل من يشتري، وإن لم يؤذن له في ذلك، لكن عليه أن يتحرى الرجل الأمين أكثر مما يتحراه لماله.

الحال الثالثة: إذا كان يعجز عن القيام بمثله عادة.

مثال ذلك: وكلت رجلا أن يصعد بحجر كبير إلى السطح؛ لأنك تريد أن تبني به السطح، وهو رجل ضعيف لا يقوى على ذلك، فهل له أن يوكل من يحمل الحجر إلى فوق؟

الجواب: نعم؛ لأن مثله يعجز عنه …

فإذا قال قائل: كيف أجزتم أن يوكل في الحالين الأخريين؟

نقول: لأن هذا، وإن لم يأذن فيه الموكل لفظاً؛ فهو كالمأذون فيه عرفاً…

ففي الحقيقة أن هاتين الحالتين داخلتان في قوله: «إلا أن يُجعل إليه»، لكن لما ذكرها العلماء نقول: إلا أن يجعل إليه لفظا، وأما الثانية والثالثة فقد جعل ذلك إليه عرفا" انتهى من "الشرح الممتع" (9/ 351).

وينظر: "الموسوعة الفقهية" (45/ 82).

ثالثا:

إذا أخبر الوكيل موكله بمرضه، فللموكل عزله، وتوكيل غيره.

قال المازري رحمه الله في "شرح التلقين" (2/ 808): "إن تعلق بالوكالة حق للوكيل، مثل أن تكون الوكالة بعوض، فإنها تكون إجارة، فإنه لا يمكن الموكل من عزلةِ الوكيل، أو تتصور للوكيل منفعة من غير جهة المعاوضة، أو يكون في ذلك حقٌ لغير الوكيل، فلصاحب الحق أن يمنع الموكل من عزل الوكيل، كما لو وكّل رجل رجلًا على مخاصمة إنسان، فإنه إذا أراد عزلته بعد أن نشب في خصام المطلوب، وأشرف على الانفصال؛ فإن الموكل يُمنع من عزلته، إذا منع من ذلك المطلوب، إلاّ لِعذر، كمرض الوكيل أو سفره، أو عجزه عما وُكل عليه، أو تفريطه فيه تفريطًا يخشى على تلف حق الموكل معه" انتهى.

رابعا:

الوكيل لا يضمن إلا إذا تعدى أو فرط.

قال ابن قدامة رحمه الله في "الكافي" (2/ 144): " والوكيل أمين، لا ضمان عليه فيما تلف تحت يده بغير تفريط، بجُعل وبغير جُعلٍ؛ لأنه نائب المالك أشبه المودع" انتهى.

وقال الخطيب الشربيني رحمه الله في "الإقناع" (2/ 321): " القول في ضمان الوكيل:

(والوكيل)، ولو بجُعل: (أمين فيما يقبضه) لموكله، (وفيما يصرفه) من مال موكله عنه (ولا يضمن) ما تلف في يده من مال موكله (إلا بالتفريط) في حقه كسائر الأمناء.

تنبيه: لو عبر بالتعدي لكان أولى؛ لأنه يلزم من التعدي التفريط ولا عكس؛ لاحتمال نسيان ونحوه" انتهى.

والذي يظهر هنا:

أن الوكيل إذا لم يخبر بمرضه، وطال زمن التأخر حتى انخفض سعر السيارة، أنه مفرط، ويتحمل النقص.

لكن إذا علم الموكل بمرضه، ورضي بتأخره، أو علم ولم يعزله، ولم يطلب منه أن يوكل غيره في إنهاء إجراءات السيارة: فلا شيء على الوكيل حينئذ.

وأولى من ذلك: أن تكون إجراءات التخليص قد تعلقت بشخصه، ولا يمكن أن ينجزها غيره بأسرع منه، أو أوفر حظا للموكل، فمرض: فلا شيء عليه في ذلك التأخير، ولا يلزمه ضمان شيء.

والله أعلم.

 

هل انتفعت بهذه الإجابة؟

المصدر: موقع الإسلام سؤال وجواب