الاثنين 22 جمادى الآخرة 1446 - 23 ديسمبر 2024
العربية

هل يجوز له تعويض ما أتلفه في إصلاح الجهاز بقطع غير أصلية دون علم العميل؟

531524

تاريخ النشر : 29-09-2024

المشاهدات : 422

السؤال

أنا أعمل في مجال صيانة الجوالات، في بعض الأوقات قد يتلف مكون ما من الهاتف في يد فني الصيانة كظهر الهاتف أو الشاشة، ولا نجد في السوق ظهرا كظهر الشركة، ولا نجد إلا الصيني أو التقليد، وهو ليس بجودة ما أتلفه الفني.
السؤال: هل يجوز تعويض ما أتلف بالشيء الموجود في السوق أولا؟ وكيف أتصرف في هذه الحوادت لو وقعت معي؟

الجواب

الحمد لله.

العامل في صيانة الجوالات يعتبر أجيرا مشتركا، لأنه لا يتقيد بالعمل لشخص معين في زمن معين.

جاء في “درر الحكام شرح مجلة الأحكام” (1/ 454): ” الأجير على قسمين:

القسم الأول هو الأجير الخاص الذي استؤجر على أن يعمل للمستأجر فقط كالخادم الموظف.

القسم الثاني هو الأجير المشترك الذي ليس بمقيد بشرط ألا يعمل لغير المستأجر، كالحمال والدلال والخياط والساعاتي والصائغ  … فإن كلا من هؤلاء أجير مشترك لا يختص بشخص واحد، وله أن يعمل لكل أحد.” انتهى.

والأجير المشترك يضمن ما تلف بفعله ولو بلا تفريط، على الأظهر، لا سيما في هذه الأزمان، مع قلة الأمانات بين الناس، وكثرة الدعاوى.

وقد حكى الشيخ أبو عمر الدبيان، وفقه الله، خلاف الفقهاء في ذلك على أربعة أقوال، الثاني منها قول أبي يوسف ومحمد بن الحسن من الحنفية، وبعض الشافعية، وبعض الحنابلة إلى أن الأجير المشترك يضمن بالقبض مطلقًا سواء كان الهلاك بفعله أو بغير فعله، وسواء كان متعديًا أو غير متعد، إلا إذا وقع التلف بسبب لا يمكن الاحتراز عنه كحريق غالب، أو كان الأجير لم ينفرد باليد.

ثم قال في آخره: ” وأرى أن مذهب أبي يوسف ومحمد بن الحسن هو أرجح الأقوال، وهو الذي يصلح للناس في هذه الأزمان مع خراب الذمم، وتهاون الناس في الحقوق، والله أعلم”.

انظر: “موسوعة المعاملات المالية” (8/405-409).

ومما جاء عن السلف في تضمين الأجير المشترك: ما أخرج عبد الرزاق (14949) “أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ ضَمَّنَ الصَّبَّاغَ الَّذِي يَعْمَلُ بِيَدِهِ”.

وأخرج ابن أبي شيبة (21050) أن عمر بن الخطاب «ضمَّن الصُّنَّاع الذين انتصبوا للناس في أعمالهم، ما أهلكوا في أيديهم».

وأخرج عبد الرزاق (14948)؛ وابن أبي شيبة (21051) عَنْ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ، عَنْ أَبِيهِ قَالَ: “كَانَ عَلِيٌّ يُضَمِّنُ الْخَيَّاطَ، وَالصَّبَّاغَ، وَأَشْبَاهَ ذَلِكَ؛ احْتِيَاطًا لِلنَّاسِ”.

وفي رواية قال: لا يصلح الناس إلا ذلك.

ثانيا:

الأصل في ضمان المتلفات أن المثلي يضمن بمثله، أو بما قارب المثل، وأن المتقوّم يضمن بقيمته.

وقد روى البخاري (5225) عَنْ أَنَسٍ، قَالَ: “كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عِنْدَ بَعْضِ نِسَائِهِ، فَأَرْسَلَتْ إِحْدَى أُمَّهَاتِ المُؤْمِنِينَ بِصَحْفَةٍ فِيهَا طَعَامٌ، فَضَرَبَتِ الَّتِي النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي بَيْتِهَا يَدَ الخَادِمِ، فَسَقَطَتِ الصَّحْفَةُ فَانْفَلَقَتْ، فَجَمَعَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِلَقَ الصَّحْفَةِ، ثُمَّ جَعَلَ يَجْمَعُ فِيهَا الطَّعَامَ الَّذِي كَانَ فِي الصَّحْفَةِ، وَيَقُولُ:  غَارَتْ أُمُّكُمْ، ثُمَّ حَبَسَ الخَادِمَ حَتَّى أُتِيَ بِصَحْفَةٍ مِنْ عِنْدِ الَّتِي هُوَ فِي بَيْتِهَا، فَدَفَعَ الصَّحْفَةَ الصَّحِيحَةَ إِلَى الَّتِي كُسِرَتْ صَحْفَتُهَا، وَأَمْسَكَ المَكْسُورَةَ فِي بَيْتِ الَّتِي كَسَرَتْ).

ورواه الترمذي (1359) وفيه: فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: طَعَامٌ بِطَعَامٍ، وَإِنَاءٌ بِإِنَاءٍ.

والحديث أصل في ضمان المتلفات.

جاء في “الموسوعة الفقهية” (1/ 226): ” لا نعلم خلافا في أن المتلف إن كان مثليا ضُمِن بمثله، وإن كان قيميا ضمن بقيمته. كما لا نعلم خلافا في أن تقدير القيمة يراعى فيه مكان الإتلاف ” انتهى.

وقال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: “والقاعدة عندنا في ضمان المُتلفات: (أن المثلي يضمن بمثله، والمتقوم يضمن بقيمته) لقول النبي صلّى الله عليه وسلّم: «إناء بإناء، وطعام بطعام … فهنا ضُمِن بالمثل؛ لأن هذا مثلي” انتهى من “الشرح الممتع” (10/ 119).

وإذا وجد ما يقارب المثل، فهو أولى من الذهاب للقيمة.

قال ابن القيم رحمه الله: ” الأصل الثاني: أن جميع المتلفات تضمن بالجنس، بحسب الإمكان مع مراعاة القيمة …

وإذا كانت المماثلة من كل وجه متعذرة، حتى في المكيل والموزون، فما كان أقرب إلى المماثلة فهو أولى بالصواب، ولا ريب أن الجنس إلى الجنس أقرب مماثلة من الجنس إلى القيمة؛ فهذا هو القياس وموجب النصوص، وبالله التوفيق” انتهى من “إعلام الموقعين” (2/ 20).

وعليه؛ فإن أتلف العامل الشاشة، أو غيرها من أجزاء الهاتف، وكان المتلَف أصليا، فإنه يضمن بمثله، أي بقطعة أصلية، ولا يجوز وضع قطعة غير أصلية إلا برضى العميل؛ لأن التفاوت بين الأصلي والمقلد كبير غالباً، ثمنا، وكفاءة.

فإن تعذر الحصول على القطعة الأصلية، ولم يرض العميل بوضع قطعة غير أصلية ، فالضمان يكون بقيمة القطعة الأصلية في أقرب سوق يمكن أن توجد فيه.

ثالثا:

الذي يظهر أنه يلزم إخبار العميل بالتلف، ولو كان العامل سيضع قطعة أصلية جديدة؛ لأن التبديل والتغيير قد يترتب عليه أعطال مستقبلا، ولأن القطعة الجديدة قد لا تكون في كفاءة ما جاءت مع الجهاز ابتداء، ولأن حق العميل أن يعلم بالتلف، وأن العامل ضعيف الخبرة غير متقن للصناعة، ليحذر التعامل معه.

أما إن كان سيضع قطعة أصلية مستعملة، أو قطعة مقلدة، فيلزمه- جزماً- الإخبار، فإن رضي العميل، وإلا كان الضمان بالقيمة.

والله أعلم.

هل انتفعت بهذه الإجابة؟

المصدر: موقع الإسلام سؤال وجواب