الحمد لله.
أولاً:
الحياة الزوجية لا تقوم على الحب وحده، ولكن ما يقيمها ويبقيها هو المودة والرحمة، ورعاية العهد، وحفظ الحق؛ فهذه هي المقومات الحقيقية لبقاء الحياة الزوجية.
لكن إن غاب الاحترام بين الزوجين تزلزلت مقومات بقاء الأسرة، وكما قيل: قليل من الحب مع كثير من العقل يبني. وكثير من الحب مع قليل من العقل يهدم.
وهذا مشاهد مجرب؛ فقد يكون بين زوجين من الحب شيء كبير يملأ قلبيهما. ثم لا تلبث أن تضطرب الحياة بينهما، إلى أن ينهدم البيت بالفراق؛ لأن الحياة فقدت مقوماتها الأهم من مجرد الهوى، وعلاقة الحب والهُيام.
ثم إن الإكرام، والتودد، ورعاية الحق والذمام: من شأن تلك الخلائق العالية، أن تجلب من الحب بين الزوجين، ما هو أحق، وأصدق، وأطول دواما.
ثانياً:
إذا وجد الأطفال في الأسرة فينبغي على الوالدين وخاصة الأم التفكير بمصلحتهم أكثر من مصلحة نفسها، وبقاء الأسرة متماسكة ولو حصل تقصير ليبقى الأولاد في جو من الأمان الاجتماعي، وبعيدين عن أسباب الشتات والانحراف فالوضع الراهن صعب ومخيف؛ ولأن وجود الأب وشعور الأولاد باجتماع الأسرة له بعد نفسي واجتماعي وتربوي، وفي أحيان كثيرة يكون أفضل من الانفصال.
كما أن على المرأة والرجل التفريق بين اتخاذ قرارات مصيرية في الحياة الزوجية قبل وجود الأولاد وبعد وجودهم، فسلامتهم اجتماعيا ونفسيا وأسريا يستحق الصبر والتضحية.
وفي الحديث الصحيح (إِنَّ الْوَلَدَ مَبْخَلَةٌ مَجْبَنَةٌ) ابن ماجه، وصححه الألباني في “صحيح الجامع” (7160).
ثالثاً:
تعلقك برجل غير زوجك أمر في غاية الخطورة، ويظهر أنه هو الدافع الأساسي للتفكير بتفكيك الأسرة، وأنه هو الذي ضخم إشكالية الزوج، وهيأ للزوج عدم القدرة على التعايش معه، لتهدم بيتها الأول، وبيت أولادها، ثم تجري خلف الوهم الجديد، الذي لا تعرف ما يكون من مداه، وكيف يصير منتهاه.
ولا شك أن تساؤلا يطرح هنا، على أي أساس تكونت هذه المشاعر التي ربما تكون من التجاوز في حدود العلاقة الشرعية بين الرجل والمرأة، وهذا تأسيس على غير التقوى سينهار حتما.
ثم إنّ هذا الرجل الذي تحبينه، ربما ستجدينه أسوأ من زوجك بكثير، فالرجل يتصنع الكمال في مراحل ما قبل الزواج وخاصة في مراحل العلاقة العاطفية، ثم يتبين بعد ذلك أنه ليس على شيء. وخاصة إن حصل منه تواصل معك، فهو من التخبيب الذي يدل على عدم ديانته ومروءته، فكيف ترجين من هذا خيراً
فعليك ان تتقي الله وتقطعي كل تفكير أو تواصل -إن حصل- بهذا الرجل فالحب ليس أمرا ثابتا؛ بل يُنسى ويضعف، وليس كل حب يصلح أن يكون شراكة.
فحافظي على بيتك وأولادك، وعاملي زوجك بما أمرك الله، وستجدين خيرا وأنساً، وترين استقرارا وذرية صالحة.
وينظر للفائدة: جواب السؤال رقم: (84849)، ورقم: (455179)، ورقم: (220186).
ربعاً:
أما استحالة العشرة، فإن كان من جانب الرجل فلنا معه حديث.
وإن كان من جانبك، فنوصيك بأن تكوني امرأة ودودة بعيدة عن طبع العناد ، وكوني مع زوجك هينة لينة، فالمرأة الهينة اللينة هي من تعمر بيتا للأبد، والنساء العنيدات هن الفاشلات في الزواج، وفي علاقتهن حتى مع الأقارب، فالمرأة التي تفتقد المرونة في التعامل هي الأكثر فشلا في الزواج؛ لأنها ستدخل في شد وجذب وتتبع صوت أنانيتها قبل مصلحة أسرتها.
كما أنّ المرأة العنيدة تظن نفسها أنها حينما تتشبث برأيها ستفوز، وتنسى أنها إن فازت بفرض رأيها إلا أنها خسرت قلبا كان يحبها، ودمرت أطفالا لن تدرك عقولهم معنى الخراب إلا مؤخرا.
والمرأة العنيدة المتشبثة برأيها، والتي تؤمن بمبدأ أنا أغلب وأنت تخسر؛ إنما تدمر نفسها قبل أن تدمر الآخر. وتعيش حياة كلها حسرات تتجرع مرارتها في الدنيا والآخرة.
ومن التجارب في الاستشارات الزوجية، وُجد أنّ النساء العنيدات ينتهي بهن الحال إلى الطلاق. وفشل حياتهن الأسرية والاجتماعية.
خامساً:
أما كلمتنا للزوج المقصر، فإن كان تقصيره في حق زوجته، فنقول له إنّه يجب عليك أن تعاشر زوجتك بالمعروف، وأن تقوم بما يجب عليك من نفقتها من مأكل ومشرب وملبس ومسكن ، لقول الله تعالى : ( وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ ) النساء/19 وقوله : ( وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ وَلِلرِّجَالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَةٌ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ ) البقرة/228.
واعلم أنّ النبي صلى الله عليه وسلم أوصى بالنساء خيرا، في غير ما حديث. قال صلى الله عليه وسلم : (خيركم خيركم لأهله وأنا خيركم لأهلي) رواه الترمذي (3895)، وابن ماجه (1977) وصححه الألباني في “صحيح الترمذي” .
فقد جعل النبي صلى الله عليه وسلم معيار الخيرية في إكرام الأهل، فمن أراد أن يكون من خيار المسلمين فليحسن إلى أهله. وذلك يشمل الإحسان إلى الزوجة والعيال والأقارب.
وقوله صلى الله عليه وسلم: (إنك لن تنفق نفقة تبتغي بها وجه الله إلا أجرت عليها حتى ما تجعل في فم امرأتك) رواه البخاري (56).
وأما إن كان تقصيره في حق أولاده فننصحه -إن كان الأمر كما ذكرتِ- أن يتقي الله عز وجل، وأن يعلم أنّ التقصير في حق الأولاد والزوجة فيما يقدر عليه الإنسان من منغصات الحياة، ولا يليق برجل أمره الله بالقوامة والإنفاق وتحمل مسؤولية تربية أولاده أن يكون بهذا الحال، وفي الحديث أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( كُلُّكُمْ رَاعٍ ومَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ ، وَالرَّجُلُ رَاعٍ عَلَى أَهْلِ بَيْتِهِ وَهْوَ مَسْئُولٌ عَنْهُمْ ، وَالْمَرْأَةُ رَاعِيَةٌ عَلَى بَيْتِ بَعْلِهَا وَوَلَدِهِ وَهْىَ مَسْئُولَةٌ عَنْهُمْ ، أَلاَ فَكُلُّكُمْ رَاعٍ وَكُلُّكُمْ مَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ ) رواه البخاري (2278)، ومسلم (1829).
قال ابن قدامة رحمه الله: “وأجمع كل من نحفظ عنه من أهل العلم، على أن على المرء نفقة أولاده الأطفال الذين لا مال لهم، ولأن ولد الإنسان بعضه، وهو بعض والده، فكما يجب عليه أن ينفق على نفسه وأهله كذلك على بعضه وأصله” انتهى، من “المغني” (8/212).
وليعم أنّ ما زاد عن النفقة الواجبة -مع قدرة الرجل عليه-هو من الإحسان الذي أمر الله تعالى به. فقد أمر بالإحسان للأقارب، وأقرب الناس إلى الرجل أولاده، والإحسان مرحلة متقدمة على فعل الواجب الذي هو العدل، والله تعالى أمر بالعدل والإحسان. وخص القرابة ﴿إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى﴾ [النحل: 90]. والعدل في النفقة القيام بالواجب، والإحسان ما زاد عليه من التوسعة عليهم حسب قدرته المالية. فالتوسعة على الأولاد مما أمر الله به، وجعله من أسباب محبته، ﴿وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ ﴾ [آل عمران: 134].
وفي الحديث أنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (أفضل دينار ينفقه الرجل. دينار ينفقه على عياله. ودينار ينفقه الرجل على دابته في سبيل الله. ودينار ينفقه على أصحابه في سبيل الله)، قال أبو قلابة: وبدأ بالعيال. ثم قال أبو قلابة: وأي رجل أعظم أجرا من رجل ينفق على عيال صغار. يعفهم، أو ينفعهم الله به” رواه مسلم (994)
وعن أبي هريرة رضي الله عنه مرفوعا: (دِينَارٌ أَنْفَقْته فِي سَبِيلِ اللَّهِ، وَدِينَارٌ أَنْفَقْته فِي رَقَبَةٍ، وَدِينَارٌ تَصَدَّقْت بِهِ عَلَى مِسْكِينٍ، وَدِينَارٌ أَنْفَقْته عَلَى أَهْلِك، أَعْظَمُهَا أَجْرًا الَّذِي أَنْفَقْته عَلَى أَهْلِك) رواه مسلم (995).
وعن عمر رضي الله عنه أنه قال: ” إذا وسع الله فأوسعوا” رواه البخاري (358).
ولا شك أنّ إحسان الوالد إلى أولاده وعدم تقتيره عليهم من أعظم مفاتيح القلوب وزيادة الحب بينهم، فالنفوس مجبولة بحب من أحسن إليها.
وينظر للفائدة: جواب السؤال رقم: (11458)، ورقم: (43166).
وختاماً: نوصيكِ بتقوى الله عز وجل والمحافظة على بيتك وأولادك، ونسأل الله أن يصلح ذات بينكم ويلهمكم رشدكم.
والله أعلم.
تعليق