الأحد 21 جمادى الآخرة 1446 - 22 ديسمبر 2024
العربية

هل يشرع سجود التلاوة للمستمع القرآن عبر وسائل التواصل؟

538469

تاريخ النشر : 19-12-2024

المشاهدات : 374

السؤال

في مجموعات القرآن يشترك أعضاء من بلاد متعددة، فيقرأ واحد آية السجدة فيسجد، هل يتعين على السامع من بلد أخرى السجود؟

الجواب

الحمد لله.

أولاً:

اتفق أهل العلم على مشروعية سجود التلاوة للمستمع، وذهب جمهور أهل العلم إلى أن سجود التلاوة سنة للمستمع للقرآن، وقال بعضهم بالوجوب.

والأصل في ذلك ما ثبت عن الصحابة رضي الله عنهم أنهم كانوا يسجدون مع النبي صلى الله عليه وسلم إذا سجد للتلاوة.

فعن عبد الله بن عمر قال: " كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقْرَأُ عَلَيْنَا السُّورَةَ فِيهَا السَّجْدَةُ، فَيَسْجُدُ وَنَسْجُدُ، حَتَّى مَا يَجِدُ أَحَدُنَا موضعا لجبهته" رواه البخاري (1025).

وعن عَبْدِ اللَّهِ بن مسعود رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: "قَرَأَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ النَّجْمَ بِمَكَّةَ، فَسَجَدَ فِيهَا وَسَجَدَ مَنْ مَعَهُ غَيْرَ شَيْخٍ، أَخَذَ كَفًّا مِنْ حَصًى، أَوْ تُرَابٍ، فَرَفَعَهُ إِلَى جَبْهَتِهِ، وَقَالَ: يَكْفِينِي هَذَا، فَرَأَيْتُهُ بَعْدَ ذَلِكَ قُتِلَ كَافِرًا" رواه البخاري (1017)

وعن أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: "سَجَدْنَا مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي {إِذَا السَّمَاءُ انْشَقَّتْ}، وَ {اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ}" رواه مسلم (578).

قال ابن قدامة رحمه الله:

"ويسن السجود للتالي والمستمع، لا نعلم في هذا خلافا. وقد دلت عليه الأحاديث التي رويناها. وقد روى البخاري، ومسلم وأبو داود عن ابن عمر، قال: كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقرأ علينا السورة في غير الصلاة، فيسجد، ونسجد معه، حتى لا يجد أحدنا مكانا لموضع جبهته" انتهى من "المغني" (2/366).

ثانياً:

إذا كان المستمع للتلاوة عبر وسائل التواصل يستمع لمن يقرأ مباشرة: فالظاهر أنهم يسجدون معه إذا رأوا سجوده أو علموا منه أنه سيسجد أو سجد، وذلك أنهم يسمعونه ويرونه مباشرة. لأنّ سبب السجود قائم، وهو الاستماع لمن يقرأ لهم.

وقد صح عن عثمان رضي الله عنه أنّه قال: "إنما السجدة على من استمعها" (رواه البخاري معلقاً بصيغة الجزم في أبواب سجود القرآن وسنتها).

وعن ابن عباس رضي الله عنه أنّه قال: "إنما السجدة على من جلس لها" رواه ابن أبي شيبة في مصنفه (4267)، وصححه محققه سعد الشثري.

والذين يستمعون عبر وسائل التواصل لمن يقرأ لهم خاصة، سواء في مجلس استماع لتصحيح أو تسميع: فإنّهم مستمعون، ويلزمهم حكم المستمع.

ونظير هذه المسألة متابعة المؤذن المباشر عبر الإذاعة أو التلفاز.

وقد نص العلماء على أنه يتابعه إذا كان الأذان مباشرة، عبر الإذاعة أو التلفاز لعموم أدلة الرد على المؤذن.

وقد سئل الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: عن الأذان في المذياع أو التلفاز هل يُجاب؟

فأجاب قائلاً: الأذان لا يخلو من حالين:

الحال الأولى: أن يكون على الهواء، أي أنّ الأذان كان لوقت الصلاة من المؤذن، فهذا يجاب، لعموم أمر النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إذا سمعتم المؤذن فقولوا مثل ما يقول المؤذن ".

إلا أن الفقهاء رحمهم الله قالوا: إذا كان قد أدى الصلاة التي يؤذن لها فلا يجيب.

الحال الثانية: إذا كان الأذان مسجلاً، وليس أذاناً على الوقت: فإنه لا يجيبه؛ لأن هذا ليس أذاناً حقيقياً؛ أي أن الرجل لم يرفعها حين أمر برفعه وإنما هو شيء مسموع لأذان سابق" انتهى من  "مجموع فتاوى ورسائل العثيمين" (12/ 196).

ثالثاً:

اختلف أهل العلم في القارئ للقرآن الذي يسن للمستمع أن يسجد لقراءته على قولين:

القول الأول:

أنّه يشترط صلاحية القارئ لإمامة المستمع؛ لأن السجود صلاة، فلا بد أن يكون من يسجد خلفه ممن يصح جعله إماماً والائتمام به، وهو المشهور من مذهب المالكية ومذهب الحنابلة. انظر: "مواهب الجليل" (1/ 60)" و"المغني" لابن قدامة (2/ 367).

قال ابن قدامة رحمه الله:

"ويشترط لسجود المستمع أن يكون التالي ممن يصلح أن يكون له إماما. فإن كان التالي امرأة، أو خنثى مشكلا، لم يسجد الرجل باستماعه منهما، رواية واحدة. وبهذا قال، مالك، والشافعي، وإسحاق. وروى ذلك عن قتادة. وقال النخعي: هي إمامك.

والأصل في ذلك ما روي أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أتى نفر من أصحابه، فقرأ رجل منهم سجدة، ثم نظر إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "إنك كنت إمامنا، ولو سجدت سجدنا". رواه الشافعي، في "مسنده"، والجوزجاني، في "المترجم" انتهى من "المغني" (2/ 367).

القول الثاني:

أنّه لا يشترط صلاحية قارئ القرآن لإمامة المستمع، وهو مذهب الأحناف، والأصح في مذهب الشافعية، ورواية عن مالك وقول عند الحنابلة، وقول ابن حزم.

واحتجوا: بأنّ سبب سجود التلاوة هو استماع ما فيه سجود تلاوة، وهذا السبب حاصل بتلاوة من لا يصلح للإمامة، وإن كان ممن لا يصلح للإمامة، كالكافر والصبي والمجنون؛ لأن التلاوة منهم صحيحة كالتلاوة من المؤمن البالغ. انظر: "بدائع الصنائع (1/ 186)، و "روضة الطالبين" (1/319).

قال النووي رحمه الله:

«ويسن -سجود التلاوة-للمستمع إلى قراءة المحدث، والصبي، والكافر، على الأصح" انتهى من "روضة الطالبين" (1/ 319).

قال ابن نجيم رحمه الله:

"وأما بيان من تجب عليه -سجدة التلاوة- فكل من كان أهلا لوجوب الصلاة عليه …، قرءوا، أو سمعوا، وتجب على المحدث والجنب.

وكذا تجب على السامع بتلاوة هؤلاء، إلا المجنون؛ لعدم أهليته لانعدام التمييز، كالسماع من الصدى" انتهى من "البحر الرائق" (2/ 129).

وقال ابن رشد رحمه الله:

"وقال مالك: يسجد السامع بشرطين: أحدهما إذا كان قعد ليسمع القرآن. والآخر أن يكون القارئ يسجد، وهو مع هذا يصح أن يكون إماما للسامع.

وروى ابن القاسم عن مالك أنه يسجد السامع، وإن كان القارئ ممن لا يصح للإمامة، إذا جلس إليه" انتهى من "بداية المجتهد" (1/ 236).

وعليه فإن كان القارئ ممن تصح إمامته في الصلاة بالمستمع، فيسجد من يرى شرط ذلك، وإن كان ممن لا تصح إمامته به في الصلاة، فلا يسجد.

ومن يرى أنه لا يشترط، فيسجد لسجود من يستمع له بكل حال.

ويسجدون من غير اقتداء إذا علموا أنه سجد، ولهم الرفع قبله أو بعده.

قال الشربيني رحمه الله:"

"وتتأكد -سجدة التلاوة- للمستمع بسجود القارئ، للاتفاق على استحبابه في هذه الحالة للمستمع؛ بخلاف ما إذا لم يسجد، فإنه لا يستحب له على وجه.

ولا يقتدي في سجودها في غير الصلاة، ولا يرتبط به؛ فله الرفع من السجود قبله، كما صرح به في الروضة" انتهى من "مغني المحتاج" (1/ 443).

والله أعلم.

هل انتفعت بهذه الإجابة؟

المصدر: موقع الإسلام سؤال وجواب