الحمد لله.
لا حرج أن يدفع الإنسان مبلغا مقدما للبائع، ثم يأخذ منه كل يومين أو أكثر خبزا معلوم الثمن والقدر، وهو إحدى صور بيع الاستجرار التي أجازها الحنفية والمالكية.
قال ابن عابدين رحمه الله نقلا عن الولوالجية: ” ولو أعطاه الدراهم، وجعل يأخذ منه كل يوم خمسة أمنان، ولم يقل في الابتداء اشتريت منك: يجوز؛ وهذا حلال وإن كان نيته وقت الدفع الشراء؛ لأنه بمجرد النية لا ينعقد البيع، وإنما ينعقد البيع الآن بالتعاطي، والآن المبيع معلوم، فينعقد البيع صحيحا. اهـ.
قلت: ووجهه أن ثمن الخبز معلوم، فإذا انعقد بيعا بالتعاطي وقت الأخذ، مع دفع الثمن قبله، فكذا إذا تأخر دفع الثمن بالأولى.
وهذا ظاهر فيما كان ثمنه معلوما وقت الأخذ، مثل الخبز واللحم.
أما إذا كان ثمنه مجهولا؛ فإنه وقت الأخذ لا ينعقد بيعا بالتعاطي، لجهالة الثمن” انتهى من “حاشية ابن عابدين” (4/ 516).
وصرح بعض الحنفية بكراهة ذلك.
قال في “الهداية شرح البداية” (4/ 379) : ” ( ومن وضع درهما عند بقال يأخذ منه ما شاء: يكره له ذلك )؛ لأنه ملكه قرضا، جر به نفعا، وهو أن يأخذ منه ما شاء حالا فحالا . { ونهى رسول الله عليه الصلاة والسلام عن قرض جر نفعا }.
وينبغي أن يستودعه، ثم يأخذ منه ما شاء جزءا فجزءا؛ لأنه وديعة وليس بقرض، حتى لو هلك لا شيء على الآخذ، والله أعلم” انتهى.
وقال الباجي رحمه الله: ” (ص): (قال مالك، ولا بأس أن يضع الرجل عند الرجل درهما، ثم يأخذ منه بربع أو بثلث، أو بكسر معلوم، سلعة معلومة.
فإذا لم يكن في ذلك سعر معلوم، وقال الرجل: آخذ منك بسعر كل يوم: فهذا لا يحل؛ لأنه غرر، يقل مرة ويكثر مرة، ولم يفترقا على بيع معلوم) .
(ش): وهذا كما قال، إن الرجل يجوز له أن يضع عند الرجل درهما، ويأخذ منه ببعضه ما شاء، ويترك عنده الباقي.
وذلك يكون على ثلاثة أوجه:
أحدها: أن يضعه عنده مهملا، وذلك جائز، وقد تقدم ذكره.
والثاني: أن يقول له: آخذ به منك كذا وكذا من التمر، أو كذا وكذا من اللبن، أو غير ذلك، يقدر معه فيه سلعة، ويقدر ثمنها قدرا ما، ويترك ذلك حالًّا، يأخذه متى شاء، أو يؤقت له وقتا ما، فهذا جائز، وقد تقدم ذكره.
والثالث: أن يترك عنده في سلعة معينة أو غير معينة على أن يأخذ منها في كل يوم بسعره عقدا على ذلك يبيعها، فإن ذلك غير جائز؛ لأن ما عقدا عليه من الثمن مجهول، وذلك من الغرر الذي يمنع صحة البيع” انتهى من “المنتقى” (5/ 15).
وجاء في “الموسوعة الفقهية” (9/ 43) في ذكر صور بيع الاستجرار عند الحنفية: ” الصورة الثانية: … أن الإنسان يأخذ ما يحتاج إليه شيئا فشيئا، مع العلم بالثمن وقت الأخذ، ثم يحاسبه بعد ذلك.
وهذا البيع جائز، ولا خلاف في انعقاده، لأنه كلما أخذ شيئا، انعقد بيعا بثمنه المعلوم، ويكون بيعا بالتعاطي، والبيع بالتعاطي ينعقد، سواء أدفع الثمن وقت الأخذ أم تأجل.
ومثلها في الحكم: أن يدفع الإنسان إلى البياع الدراهم دون أن يقول له: اشتريت، وجعل يأخذ كل يوم خمسة أرطال مع العلم بثمنها.
هذا البيع جائز، وما أكله حلال، لأنه وإن كانت نيته الشراء وقت الدفع؛ إلا أنه لا ينعقد بيعا بمجرد النية، وإنما انعقد بيعا الآن بالتعاطي، والآن المبيع معلوم، فينعقد البيع صحيحا…
الصور التي وردت عند المالكية هي:
أن يضع الإنسان عند البياع دراهم، ثم يأخذ بجزء معلوم من الدراهم سلعة معلومة وهكذا. فهذا البيع صحيح؛ لأن السلعة معلومة والثمن معلوم” انتهى.
والحاصل: أن هذه الصورة جائزة، نص عليها الحنفية والمالكية.
والله أعلم.
تعليق