الحمد لله.
ما ينفقه الوالدان على أولادهم من النفقة الواجبة أو المستحبة: لا يكون دينا على الأولاد.
ويجب على الوالدين نفقة أولادهما الفقراء إلى البلوغ، فإذا بلغ الابن صحيحا، لم تلزم نفقته عند الجمهور، وتلزم عند الحنابلة ما دام فقيرا ولو كان قادرا على الكسب.
وأما البنت فتلزم نفقتها عند الجمهور إلى أن تتزوج.
قال ابن قدامة رحمه الله: " (ويجبر الرجل على نفقة والديه، وولده، الذكور والإناث، إذا كانوا فقراء، وكان له ما ينفق عليهم) …
وأما الإجماع، فحكى ابن المنذر قال: أجمع أهل العلم على أن نفقة الوالدين الفقيرين اللذين لا كسب لهما، ولا مال، واجبة في مال الولد، وأجمع كل من نحفظ عنه من أهل العلم، على أن على المرء نفقة أولاده الأطفال الذين لا مال لهم…
ولا يشترط في وجوب نفقة الوالدين والمولودين نقص الخلقة، ولا نقص الأحكام، في ظاهر المذهب …
وقال الشافعي: يشترط نقصانه، إما من طريق الحكم، أو من طريق الخلقة.
وقال أبو حينفة: ينفق على الغلام حتى يبلغ. فإذا بلغ صحيحا، انقطعت نفقته. ولا تسقط نفقة الجارية حتى تتزوج. ونحوه قال مالك، إلا أنه قال: ينفق على النساء حتى يتزوجن، ويدخل بهن الأزواج، ثم لا نفقة لهن، وإن طلقن، ولو طلقن قبل البناء بهن فهن على نفقتهن.
ولنا: قول النبي صلى الله عليه وسلم لهند: (خذي ما يكفيك وولدك بالمعروف)، لم يستثن منهم بالغا صحيحا.
ولأنه والد، أو ولد فقير؛ فاستحق النفقة على والده، أو ولده الغني، كما لو كان زمنا أو مكفوفا" انتهى من "المغني" (8/215).
وقال المرداوي في "الإنصاف" (9/ 289): "شمل قوله: "وأولاده وإن سفلوا": الأولاد الكبار الأصحاء الأقوياء، إذا كانوا فقراء وهو صحيح. وهو من مفردات المذهب" انتهى.
ويدخل في النفقة: الطعام والشراب والمسكن والدواء والتعليم.
ثانيا:
إذا أنفق الوالدان نفقة مستحبة على الولد، كنفقة تعليم زائد عن حاجته، فإن هذه النفقة هبة، ولا تعد دينا.
والأصل أن لهما الرجوع في الهبة؛ لما روى أبو داود (3539)، والترمذي (2132)، والنسائي (3690)، وابن ماجه (2377) عَنْ ابْنِ عُمَرَ وَابْنِ عَبَّاسٍ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: (لَا يَحِلُّ لِرَجُلٍ أَنْ يُعْطِيَ عَطِيَّةً أَوْ يَهَبَ هِبَةً فَيَرْجِعَ فِيهَا إِلَّا الْوَالِدَ فِيمَا يُعْطِي وَلَدَهُ وَمَثَلُ الَّذِي يُعْطِي الْعَطِيَّةَ ثُمَّ يَرْجِعُ فِيهَا كَمَثَلِ الْكَلْبِ يَأْكُلُ فَإِذَا شَبِعَ قَاءَ ثُمَّ عَادَ فِي قَيْئِهِ) والحديث صححه الألباني في "صحيح أبي داود".
لكن هذا إذا كانت الهبة باقية، أما وقد صرف المال، فلا رجوع لهما حينئذ.
قال ابن قدامة رحمه الله: " وللرجوع في هبة الولد شروط أربعة:
أحدها: أن تكون باقية في ملك الابن، فإن خرجت عن ملكه، ببيع أو هبة أو وقف أو إرث أو غير ذلك، لم يكن له الرجوع فيها؛ لأنه إبطال لملك غير الوالد … ثم ذكر باقي الشروط " انتهى من "المغني" (6/ 56).
وعليه، فإذا كان تعليمك هو ما تحتاجين إليه للعمل الذي تعيشين منه، أو ما يلزم لزواجك، فلا رجوع لوالديك فيما أنفقاه في ذلك.
وإن كان التعليم لا تحتاجين إليه، فإنفاقهما في ذلك هبة وتبرع، وليس لهما الرجوع في الهبة؛ لأن المال قد ذهب.
لكن قولك: " علما وانهم كانوا يأملون مني ذلك منذ البداية" إن كان المقصود تصريحهم بأن هذا دين عليك، وكان هذا التعليم لست بحاجة إليه، وقبلت النفقة بناء على هذا الشرط: فإنه يكون دينا عليك يلزمك سداده، فإن كنت بحاجة للتعليم كما تقدم، فهذا واجب عليهما، ولا أثر لقولهما إنه دين عليك.
والله أعلم.
تعليق