الحمد لله.
ولا:
للزوج حق على الزاني يستوفيه منه يوم القيامة، كحقه على من قتله أو أخذ ماله.
روى مسلم (1897) عن بُرَيْدَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: حُرْمَةُ نِسَاءِ الْمُجَاهِدِينَ عَلَى الْقَاعِدِينَ كَحُرْمَةِ أُمَّهَاتِهِمْ، وَمَا مِنْ رَجُلٍ مِنَ الْقَاعِدِينَ يَخْلُفُ رَجُلًا مِنَ الْمُجَاهِدِينَ فِي أَهْلِهِ فَيَخُونُهُ فِيهِمْ، إِلَّا وُقِفَ لَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، فَيَأْخُذُ مِنْ عَمَلِهِ مَا شَاءَ، فَمَا ظَنُّكُمْ؟.
قال القرطبي رحمه الله: "وظَهَرَ مِن هذا الحديث: أن خيانةَ الغازي في أهله أعظمُ من كل خيانةٍ؛ لأن ما عداها لا يُخير في أخذ كل الحسنات؛ وإنما يأخذُ بكلّ خيانةٍ قدرًا معلومًا من حسنات الخائن" انتهى من "المفهم" (3/732).
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: "فإن الزنا بامرأة الغير فيه حقان مانعان، كل منهما مستقل بالتحريم. فالفاحشة حرام لحق الله، ولو رضي الزوج.
وظلم الزوج في امرأته: حرام لحقه؛ بحيث لو سقط حق الله بالتوبة منه، فحق هذا في امرأته لا يسقط، كما لو ظلمه وأخذ ماله، وتاب من حق الله؛ لم يسقط حق المظلوم بذلك.
ولهذا جاز للرجل إذا زنت امرأته أن يقذفها ويلاعنها، ويسعى في عقوبتها بالرجم" انتهى، من "مجموع الفتاوى" (15/ 121).
ثانياً:
لا يقال للزاني: تحلل من الزوج؛ لما في ذلك من المفسدة العظيمة بفضح الزوجة، وإيقاد نار العداوة والبغضاء، وربما حمل الزوج على قتل الزاني أو الزوجة، لكن يقال له: تب إلى الله تعالى، وتضرع إليه أن يرضّي الزوج عنك يوم القيامة، وأكثر من الدعاء والاستغفار للزوج والصدقة عنه.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: "سئلت عن نظير هذه المسألة، وهو رجل تعرض لامرأة غيره فزنى بها، ثم تاب من ذلك، وسأله زوجها عن ذلك فأنكر، فطلب استحلافه، فإن حلف على نفي الفعل كانت يمينه غموسا، وإن لم يحلف قويت التهمة، وإن أقر جرى عليه وعليها من الشر أمر عظيم.
فأفتيته: أنه يضم إلى التوبة فيما بينه وبين الله تعالى، الإحسان إلى الزوج، بالدعاء والاستغفار والصدقة عنه، ونحو ذلك، بما يكون بإزاء إيذائه له في أهله؛ فإن الزنا بها تعلق به حق الله تعالى، وحق زوجها من جنس حقه في عرضه، وليس مما ينجبر بالمثل كالدماء والأموال، بل هو من جنس القذف الذي جزاؤه من غير جنسه، فتكون توبة هذا كتوبة القاذف، وتعريضه كتعريضه وحلفه على التعرض كحلفه، وأما لو ظلمه في دم أو مال فإنه لا بد من إيفاء الحق فإن له بدلا، وقد نص أحمد رضي الله عنه في الفرق بين توبة القاتل وبين توبة القاذف.
وهذا الباب ونحوه: فيه خلاص عظيم وتفريج كربات للنفوس من آثار المعاصي والمظالم، فإن الفقيه كل الفقيه الذي لا يؤيّس الناس من رحمة الله عز وجل، ولا يجرؤهم على معاصي الله تعالى، وجميع النفوس لا بد أن تذنب، فتعريف النفوس ما يخلصها من الذنوب من التوبة والحسنات الماحيات كالكفارات، والعقوبات هو من أعظم فوائد الشريعة" انتهى من المستدرك على "مجموع الفتاوى" (3/ 209)، ونقله ابن مفلح في "الآداب الشرعية" (1/ 66).
وقال ابن حجر الهيتمي رحمه الله: "رأيت في منهاج العابدين للغزالي: أن الذنوب التي بين العباد في العِرض، فإن اغتابه أو شتمه أو بهته؛ فحقه أن يكذب نفسه بين يدي من فعل ذلك معه؛ إن أمكنه، بأن لم يخش زيادة غيظ، أو هيج فتنة في إظهار ذلك.
وإن خشي ذلك، فالرجوع إلى الله ليرضيه عنه.
وأما في حرَمه؛ فإن فتَنه في أهله أو ولده أو نحوه؛ فلا وجه للاستحلال والإظهار؛ لأنه يُولِّد فتنة وغيظا؛ بل يتضرع إلى الله سبحانه وتعالى ليرضّيه عنه، ويجعل له خيرا في مقابلته.
فإن أمن الفتنة والهيج - وهو نادر - فليستحل منه.
قال الأذرعي: وهو في غاية الحسن والتحقيق.
وقضية ما ذكره في الحُرَم، الشامل للزوجة والمحارم، كما صرحوا به: أن الزنا واللواط فيهما حق للآدمي؛ فتتوقف التوبة منهما على استحلال أقارب المزني بها، أو الملوط به، وعلى استحلال زوج المزني بها.
هذا إن لم يخف فتنة؛ وإلا فليتضرع إلى الله في إرضائهم عنه.
ويوجه ذلك بأنه لا شك أن في الزنا واللواط إلحاق عار، أيّ عار بالأقارب، وتلطيخ فراش الزوج؛ فوجب استحلالهم حيث لا عذر" انتهى بتصرف، من "الزواجر عن اقتراف الكبائر" (2/ 377).
وينظر جواب السؤال (537325)
والحاصل:
أن الزوج له حق عظيم في ذمة الزاني، وفي ذمة زوجته الزانية كذلك، لكن من تاب وأصلح وأحسن للزوج: فيرجى أن يرضي الله الزوج عنه يوم القيامة، كما يرجى أن يرضي الله المقتول عن القاتل كذلك.
والله أعلم
تعليق