الحمد لله.
أولاً:
من كان حاضرا في المسجد بعد الأذان، فالواجب عليه أن ينتظر حتى يصلي مع الإمام، إلا من عذر، ولذا جاء النهي عن الخروج من المسجد قبل أن يصلي مع الجماعة.
فعن أبي هُرَيرَة رَضِيَ اللهُ عَنْه قال: "أمَرَنا رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: إذا كنتُم في المسجدِ، فنُودِيَ بالصَّلاةِ، فلا يَخرُجْ أحدُكم حتى يُصلِّيَ " رواه أحمد (10946)، وصححه الألباني في "المشكاة" (1032).
وعَنْ أَبِي الشَّعْثَاءِ قَالَ: كُنَّا قُعُودًا فِي الْمَسْجِدِ مَعَ أَبِي هُرَيْرَةَ فَأَذَّنَ الْمُؤَذِّنُ ، فَقَامَ رَجُلٌ مِنْ الْمَسْجِدِ يَمْشِي ، فَأَتْبَعَهُ أَبُو هُرَيْرَةَ بَصَرَهُ حَتَّى خَرَجَ مِنْ الْمَسْجِدِ ، فَقَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ : (أَمَّا هَذَا فَقَدْ عَصَى أَبَا الْقَاسِمِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) رواه مسلم (655) .
ورواه الترمذي وقال عقبه: " وَعَلَى هَذَا الْعَمَلُ عِنْدَ أَهْلِ الْعِلْمِ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَمَنْ بَعْدَهُمْ ، أَنْ لَا يَخْرُجَ أَحَدٌ مِنْ الْمَسْجِدِ بَعْدَ الْأَذَانِ إِلَّا مِنْ عُذْرٍ أَنْ يَكُونَ عَلَى غَيْرِ وُضُوءٍ ، أَوْ أَمْرٍ لَا بُدَّ مِنْهُ " انتهى .
وقد سبق بيانه مفصلا فيرجع إليه: (116955).
قال ابن قدامة رحمه الله:
"ولا يجوز الخروج من المسجد بعد الأذان إلا لعذر. قال الترمذي: وعلى هذا العمل من أصحاب النبي -صلى الله عليه وسلم- ومن بعدهم؛ ألا يخرج أحد من المسجد بعد الأذان إلا من عذر" انتهى من "المغني" (2/ 62).
ثانياً:
ليس لأحد أن يقيم جماعة في المسجد، قبل الإمام الراتب؛ وسواء كان ذلك في الحرم أو في غيره.
قال الشيخ منصور البهوتي رحمه الله: " ويحرم أن يؤم في مسجدٍ قبل إمامه الراتب، إلا بإذنه ; لأنه بمنزلة صاحب البيت، وهو أحق بها؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: (لا يؤمن الرجلُ الرجلَ في بيته إلا بإذنه) ، ولأنه يؤدي إلى التنفير عنه ، وتبطل فائدة اختصاصه بالتقدم ".انتهى من " كشاف القناع" (1/458).
وقال الشيخ زكريا الأنصاري رحمه الله:
"ويكره أن تقام جماعة في مسجد، بغير إذن إمامه الراتب؛ قبله، أو بعده، أو معه؛ خوف الفتنة، إلا إن كان المسجد مطروقا، فلا تكره إقامتها فيه" انتهى من "أسنى المطالب" (1/ 233).
والمراد بالمسجد المطروق: المساجد التي تكون على الطرق ونحوها، مما لا تقام فيه الجماعة الراتبة، وليس له إمام راتب.
وينظر للفائدة: جواب السؤال رقم: (470760).
وينظر حول اختلاف العلماء في صحة من صلى جماعة في المسجد، قبل الإمام الراتب: جواب السؤال رقم: (206018).
ثالثاً:
وأما ما فعلتم من جمع الظهر والعصر في الحرم بعد دخول وقتها فصلاتكم صحيحة، فالمسافر يجوز له الجمع والقصر بين الصلاتين إذا دخل وقت الأولى منهما حتى يرجع إلى بلده.
وكان عليكم أن تصلوا الظهر مع الإمام في الحرم، أولا. ثم إن أحببتم أن تجمعوا العصر مع الظهر، جمع تقديم: صليتم العصر فرادى، أو جماعة فيما بينكم، بعد انصراف الإمام من صلاته.
والمسافة المذكورة في السؤال (230كم) تعتبر سفراً باتفاق أهل العلم، فهو سفر عند من حددها بالمسافة، وعند القائلين باعتبار العرف.
وقد سبق بيان السفر المعتبر شرعا ومشروعية الجمع والقصر فيه مفصلاً بما يغني عن الإعادة فيرجع إليه: (38079)، (98574).
سئل الشيخ ابن باز رحمه الله:
"في الجمع والقصر ما بين الظهر والعصر، ما هو الأفضل الصلاة بعد أذان الظهر مباشرة، أم تأخيرها إلى منتصف الوقتين؟
فأجاب: إن كان المسافر يريد أن يرتحل من مكانه في السفر قبل الزوال، شرع له أن يصلي الظهر والعصر جمع تأخير، أما إن كان ارتحاله بعد الزوال فالأفضل له أن يصلي الظهر والعصر جمع تقديم، وهكذا الحكم في المغرب والعشاء إن ارتحل قبل الغروب أخر المغرب مع العشاء جمع تأخير، وإن ارتحل بعد الغروب قدم العشاء مع المغرب وصلاهما جمع تقديم، هذه سنته عليه الصلاة والسلام فيما ذكرنا، أما إن كان مقيما فهو مخير إن شاء جمع جمْع تأخير وإن شاء جمع جمْع تقديم، والأفضل له أن يصلي كل صلاة في وقتها كما فعل النبي صلى الله عليه وسلم في منى في حجة الوداع، فإنه كان يصلي كل صلاة في وقتها؛ لأنه مقيم فإن دعت الحاجة إلى الجمع فلا حرج؛ لأنه صلى الله عليه وسلم جمع في غزوة تبوك وهو مقيم، وهكذا المريض يفعل ما هو الأرفق به من الجمع - أعني جمع التقديم أو جمع التأخير - فإن لم يكن عليه مشقة تدعوه إلى الجمع صلى كل صلاة في وقتها هذا هو الأفضل له وإن جمع فلا بأس" انتهى من "مجموع فتاوى ابن باز" (12/ 281).
والله أعلم.
تعليق