الحمد لله.
أولاً :
الأحكام التي شرعها الله لعباده فيها الحكمة والعدل والرحمة ، كما قال سبحانه :( يريد الله بكم اليسر ولا يريد بكم العسر) ، وقال :(وما جعل عليكم في الدين من حرج) وقال: (ألا يعلم من خلق وهو اللطيف الخبير) . ومن ذلك : أن جعل موافقة الولي شرطاً من شروط صحة النكاح ، ولم يجعل للمرأة أن تزوج نفسها دونه .
وقد تجد بعض النساء في ذلك غضاضة وخاصة إذا كانت صغيرة أو جاهلة بأحكام وحِكَم الشرع المطهَّر ، لكن سرعان ما يتبيَّن للجميع أن ما شرعه الله تعالى هو غاية الحكمة، وذلك – مثلاً – عندما تكبر هذه المرأة وتتزوج ويكون لها بنات وتصل إحدى بناتها إلى سن الزواج ، فهل ترضى هذه الأم لابنتها أن تختار مَن تشاء مِن الرجال لتتزوجه من غير رضا والديها ؟ إن المؤمنات العاقلات ليعلمن أن هذا لو كان مشروعا لانتشربسببه الفساد والانحلال في المجتمعات ، وحاشا أن يكون هذا في شرع الله .
وكل من يفكِّر بعاطفته فهو يفكر بعقل ناقص ، ولذلك وجبت موافقة الولي ؛ لأنه أقدر على التحري ومعرفة الصواب وتقييم الرجال من المرأة ، وكم تندمت نساء أن تزوجن برجال من غير موافقة أهلهن ، وكم من بيوت تهدمت جراء التعدي على حكم الله في هذا الباب .
وفي الوقت نفسه : لم تُجِز الشريعة للأولياء التحكم التعسفي ببناتهم ، وقد حرَّم الله تعالى عليهم عضل بناتهم ومنعهن من التزوج ، لكن هذا التحريم هو في حال تقدم الكفء والموثوق في دينه وخلقه ، أما إن جاء من ليس كذلك ورفضه الأب ، فهو مأجور على رفضه .
وليس للأب أن يجبر ابنته على من لا ترغب بنكاحه ، وإذا فعل الأب ذلك كان آثماً ، وللمرأة أن تطالب بفسخ النكاح إن ثبت ذلك الإجبار .
سئل الشيخ محمد الصالح العثيمين – رحمه الله - :
تعلمون - حفظكم الله - أن النساء ناقصات عقل ودين ، وهنا تعرض مسألة وهي أن المرأة إذا اختارت رجلا غير صالح ، وكان الرجل الذي اختاره والدها رجلا صالحا ، فهل يؤخذ برأيها أم تجبر على من أن أراد والدها ؟ .
فأجاب :
أما جبرها على من أراد والدها : فإنه لا يجوز حتى وإن كان صالحا ؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم " لا تنكح البكر حتى تستأذن ، ولا تنكح الأيم حتى تستأمر " ، وفي لفظ لمسلم : " والبكر يستأذنها أبوها في نفسها " .
وأما تزوجيها بمن لا يرضى دينه ولا خلقه : فلا يجوز أيضا ، وعلى وليها أن يمنعها وأن يقول لا أزوجك من هذا الرجل الذي تريدينه إذا كان غير صالح .
فإن قال قائل : لو أصرت المرأة على أن لا تتزوج إلا هذا الرجل .
فالجواب : أنا لا نزوجها به وليس علينا من إثمها شيء ، نعم لو أن الإنسان خاف مفسدة وهو أن يحصل بينها وبين هذا الخاطب فتنة تنافي العفة ، وليس في الرجل شي يمنع من تزويجها به شرعا ، فهنا نزوجها به درءاً للمفسدة .
" مجموعة أسئلة تهم الأسرة المسلمة " ( ص 42 ) .
ثانياً :
يجب على الأب أن يحسن اختيار الزوج الصالح لابنته ، ويجوز له أن يرد الخاطب لكونه متزوجاً ، حتى لو كان قادراً على العدل ؛ وهذا الأمر ليس فيه ما يوجب الإثم على الولي ؛ لأن للولي أن يشترط على الزوج أن لا يتزوج على ابنته ، فهو شرط مباح – على الصحيح ؛ خاصة أن الكثير ممن يعدِّد ليس عنده من المقومات ما تقوم به بيوته على العدل والمحبة وحسن التربية ، وقد جاء في سنن النسائي ( 3221 ) أن أبا بكر وعمر رضي الله عنهما خطبا فاطمة بنت النبي صلى الله عليه وسلم فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم " إنها صغيرة " ، فخطبها عليٌّ فزوَّجها منه .
وبه يعرف أنه يمكن رد صاحب الخلق والدين إن كان يرى الولي أن ابنته لا تناسبه ، أو أنه لا يستطيع العدل بينها وبين زوجاته ، والمحذور هو رد صاحب الخلق والدين والقبول بالفسقة أزواجاً لمن ولاهم الله تعالى أمرهن .
وليس لكِ أن تخالفي شرع الله تعالى في التزوج بغير ولي ، وهو نكاح باطل إن حصل .
وقد تعجبنا من وصفكِ نفسك في آخر السؤال أنك " ملتزمة بالدين " وقولك في أول السؤال إنك تحبينه لدرجة الجنون ! والواقع من الملتزمين والملتزمات ليس هذا ، فقد يحب الرجل امرأة والعكس ، لكن لا يصل الحب لهذه الدرجة إلا مع ضعف الإيمان والتدين ؛ ولا ينبغي أن يتعدى هذا الأمر درجة الإعجاب والرغبة في النكاح ، فإن حصل فخير ، وإلا فلا يجوز أن ينشغل الطرفان بهذا الأمر حتى يغطي على العقل والتفكير السليم ، والقصص المؤلمة في الحب الجنوني كثيرة أدت بأصحابها إلى جنون العقل ، أو الوقوع في الفاحشة ، أو ترك الدين لأجل الدخول في دين معشوقته ، ونحن نربأُ بك عن هذا كله .
فاصبري حتى يفرج الله الأمر ، واستمعي لكلام أهلك ، ولا تخالفيهم ، وعليك بالإكثار من التزود بالإيمان والتقوى ، وإعمار قلبكِ بالحب لله ولدينه وللطاعة ، واسألي الله تعالى أن ييسر لك زوجاً صالحاً ، وتذكري بأنه سيكون لك – إن شاء الله – بنات فلا ترضي لنفسك ما لا ترضينه لهم .
تعليق