الاثنين 24 جمادى الأولى 1446 - 25 نوفمبر 2024
العربية

القراءة في صلاة التراويح

السؤال

إمامنا يقرأ من مواضع متفرقة من القرآن في صلاة التراويح في كل ليلة .
فما حكم اختيار مواضع متفرقة من سور القرآن للتراويح ؟.

الجواب

الحمد لله.

أولاً :

الأفضل في القراءة في صلاة التراويح أن يختم فيها القرآن مرة ، وقد يستدل لذلك بما ثبت في الصحيحين من مدارسة جبريل للنبي صلى الله عليه وسلم القرآن في رمضان ، وعرضه عليه .

قال الشيخ ابن باز (15/325) :

" يمكن أن يفهم من ذلك أن قراءة القرآن كاملة من الإمام على الجماعة في رمضان نوع من هذه المدارسة لأن في هذا إفادة لهم عن جميع القرآن ، ولهذا كان الإمام أحمد رحمه الله يحب ممن يؤمهم أن يختم بهم القرآن وهذا من جنس عمل السلف في محبة سماع القرآن كله ، ولكن ليس هذا موجبا لأن يعجل ولا يتأنى في قراءته ، ولا يتحرى الخشوع والطمأنينة بل تحري هذه الأمور أولى من مراعاة الختمة " انتهى .

" مجموع فتاوى الشيخ ابن باز " ( 11 / 331 – 333 ) .

وجاء في الموسوعة الفقهية (27/148) :

" ذَهَبَ الْحَنَابِلَةُ وَأَكْثَرُ الْمَشَايِخِ مِنْ الْحَنَفِيَّةِ وَهُوَ مَا رَوَاهُ الْحَسَنُ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ إلَى أَنَّ السُّنَّةَ أَنْ يَخْتِمَ الْقُرْآنَ الْكَرِيمَ فِي صَلاةِ التَّرَاوِيحِ لِيَسْمَعَ النَّاسُ جَمِيعَ الْقُرْآنِ فِي تِلْكَ الصَّلاةِ . وَقَالَ الْحَنَفِيَّةُ : السُّنَّةُ الْخَتْمُ مَرَّةً , فَلا يَتْرُكُ الإِمَامُ الْخَتْمَ لِكَسَلِ الْقَوْمِ , بَلْ يَقْرَأُ فِي كُلِّ رَكْعَةٍ عَشَرَ آيَاتٍ أَوْ نَحْوَهَا , فَيَحْصُلُ بِذَلِكَ الْخَتْمُ ( وهذا مبني على أنه سيصلي كل ليلة عشرين ركعة) وَقِيلَ : يَقْرَأُ فِي كُلِّ رَكْعَةٍ ثَلاثِينَ آيَةً لأَنَّ عُمَرَ رضي الله تعالى عنه أَمَرَ بِذَلِكَ , فَيَقَعُ الْخَتْمُ ثَلاثَ مَرَّاتٍ فِي رَمَضَانَ . . .

قَالَ الْكَاسَانِيُّ : مَا أَمَرَ بِهِ عُمَرُ رضي الله تعالى عنه هُوَ مِنْ بَابِ الْفَضِيلَةِ , وَهُوَ أَنْ يَخْتِمَ الْقُرْآنَ أَكْثَرَ مِنْ مَرَّةٍ , وَهَذَا فِي زَمَانِهِمْ , وَأَمَّا فِي زَمَانِنَا فَالأَفْضَلُ أَنْ يَقْرَأَ الإِمَامُ عَلَى حَسَبِ حَالِ الْقَوْمِ , فَيَقْرَأُ قَدْرَ مَا لا يُنَفِّرُهُمْ عَنْ الْجَمَاعَةِ ; لأَنَّ تَكْثِيرَ الْجَمَاعَةِ أَفْضَلُ مِنْ تَطْوِيلِ الْقِرَاءَةِ " . انتهى .

وما قاله الكاساني رحمه الله جيد ، فعلى الإمام أن يراعي حال المأمومين .

فلا يجوز أن يكون الإمامُ منفِّراً للناس فيطيل بهم الصلاة حتى يشق عليهم ، ويظن أنه إن لم يفعل ذلك فقد أساء ! بل الصواب له أن يشجِّع الناس على الصلاة ولو بالتخفيف بشرط أن يتم الصلاة .

فلأن يصلي الناس صلاة خفيفة تامَّة خير لهم من ترك الصلاة .

قال أبو داود : سئل أحمد بن حنبل عن الرجل يقرأ القرآن مرتين في رمضان يؤم الناس ؟ قال : هذا عندي على قدر نشاط القوم ، وإن فيهم العمَّال .

قال ابن رجب الحنبلي : " وكلام الإمام أحمد يدل على أنه يراعي في القراءة حال المأمومين ، فلا يشق عليهم ، وهذا قاله أيضا غيره من الفقهاء من أصحاب أبي حنيفة وغيرهم " .

" لطائف المعارف " ( ص 18 ) .

وسئل الشيخ عبد العزيز بن باز :

ما رأيكم فيما يفعله بعض الأئمة من تخصيص قدر معين من القرآن لكل ركعة ولكل ليلة ؟

فأجاب :

لا أعلم في هذا شيئاً ؛ لأن الأمر يرجع إلى اجتهاد الإمام فإذا رأى أن من المصلحة أن يزيد في بعض الليالي أو بعض الركعات لأنه ينشط , ورأى من نفسه قوة في ذلك , ورأى من نفسه تلذذا بالقراءة فزاد بعض الآيات لينتفع وينتفع من خلفه , فإنه إذا حسن صوته وطابت نفسه بالقراءة وخشع فيها ينتفع هو ومن ورائه فإذا زاد بعض الآيات في بعض الركعات أو في بعض الليالي فلا نعلم فيه بأسا ، والأمر واسع بحمد الله تعالى .

" فتاوى الشيخ عبد العزيز بن باز " ( 11 / 335 ، 336 ) .

وسئل الشيخ عبد العزيز بن باز – أيضاً - :

هل ينبغي للإمام مراعاة حال الضعفاء من كبار السن ونحوهم في صلاة التراويح ؟

فأجاب :

هذا أمر مطلوب في جميع الصلوات ، في التراويح وفي الفرائض ؛ لقوله صلى الله عليه وسلم : ( أيكم أمَّ الناس فليخفف فإن فيهم الضعيف والصغير وذا الحاجة ) ، فالإمام يراعي المأمومين ويرفق بهم في قيام رمضان وفي العشر الأخيرة ، وليس الناس سواء ، فالناس يختلفون ، فينبغي له أن يراعي أحوالهم ويشجعهم على المجيء وعلى الحضور فإنه متى أطال عليهم شق عليهم ونفَّرهم من الحضور ، فينبغي له أن يراعي ما يشجعهم على الحضور ويرغبهم في الصلاة ولو بالاختصار وعدم التطويل ، فصلاة يخشع فيها الناس ويطمئنون فيها ولو قليلا خير من صلاة يحصل فيها عدم الخشوع ويحصل فيها الملل والكسل .

" فتاوى الشيخ عبد العزيز بن باز " ( 11 / 336 ، 337 ) .

ثالثاً :

سبق في جواب السؤال (20043) أن قراءة بعض سورة في الصلاة جائز ، غير أن الأفضل قراءة سورة كاملة ، لأن هذا هو غالب فعل النبي صلى الله عليه وسلم .

واستثنى بعض العلماء – كابن الصلاح – صلاة التراويح ، فقال : إن قراءة بعض سورة فيها أفضل ، حتى يتسنَّى له ختم القرآن فيها .

قال في تحفة المحتاج شرح المنهاج (2/52) :

يُؤْخَذُ مِنْ ذَلِكَ أَنَّ مَحَلَّ كَوْنِ الْبَعْضِ أَفْضَلَ إذَا أَرَادَ الصَّلاةَ بِجَمِيعِ الْقُرْآنِ فِي التَّرَاوِيحِ فَإِنْ لَمْ يُرِدْ ذَلِكَ فَالسُّورَةُ أَفْضَلُ . انتهى .

وجاء في الموسوعة الفقهية (33/49) :

وَكَرِهَ مَالِكٌ الاقْتِصَارَ عَلَى بَعْضِ السُّورَةِ فِي إحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ عَنْهُ . . . .

وَذَهَبَ الشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ إلَى أَنَّهُ لا يُكْرَهُ قِرَاءَةُ بَعْضِ السُّورَةِ , لِعُمُومِ قوله تعالى : ( فَاقْرَءُوا مَا تَيَسَّرَ مِنْهُ ) ولِمَا رَوَى ابْنُ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم : كَانَ يَقْرَأُ فِي الأُولَى مِنْ رَكْعَتَيْ الْفَجْرِ : ( قُولُوا آمَنَّا بِاَللَّهِ وَمَا أُنْزِلَ إلَيْنَا ) وَفِي الثَّانِيَةِ قوله تعالى : ( قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْا إلَى كَلِمَةٍ سَوَاءٍ ) . لَكِنْ صَرَّحَ الشَّافِعِيَّةُ بِأَنَّ السُّورَةَ الْكَامِلَةَ أَفْضَلُ مِنْ قَدْرِهَا مِنْ طَوِيلَةٍ . . . وَمَحَلُّهُ فِي غَيْرِ التَّرَاوِيحِ , أَمَّا فِيهَا فَقِرَاءَةُ بَعْضِ الطَّوِيلَةِ أَفْضَلُ , وَعَلَّلُوهُ بِأَنَّ السُّنَّةَ فِيهَا الْقِيَامُ بِجَمِيعِ الْقُرْآنِ . انتهى باختصار .

والخلاصة : ما دام إمامكم لن يختم القرآن في صلاة التراويح ، فقراءته من مواضع متفرقة من القرآن الكريم جائزة من غير كراهة ، وإن كان الأكمل أن يقرأ سورة كاملة .

والله أعلم .

هل انتفعت بهذه الإجابة؟

المصدر: الإسلام سؤال وجواب