الحمد لله.
التداوي مشروع من حيث الجملة ، ولا يعتبر تغييراً لخلق الله ، وحكمه عند العلماء بين الإباحة والاستحباب ، فقد ذهب الحنفية والمالكية إلى أن التداوي مباح ، وذهب الشافعية وبعض الحنابلة إلى استحبابه ، ومذهب جمهور الحنابلة : أن تركه أفضل , ونص عليه أحمد .
عن أنس رضي الله عنه قال : إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : ( إِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ حَيْثُ خَلَقَ الدَّاءَ خَلَقَ الدَّوَاءَ فَتَدَاوَوْا ) رواه أحمد (12186) وحسنه الألباني في "السلسلة الصحيحة" (1633) .
وعن أسامة بن شريك رضي الله عنه قال : قَالَتْ الأَعْرَابُ : يَا رَسُولَ اللَّهِ ، أَلا نَتَدَاوَى ؟ قَالَ : ( نَعَمْ ، يَا عِبَادَ اللَّهِ تَدَاوَوْا ، فَإِنَّ اللَّهَ لَمْ يَضَعْ دَاءً إِلا وَضَعَ لَهُ شِفَاءً ، إِلا دَاءً وَاحِدًا ، قَالُوا : يَا رَسُولَ اللَّهِ ، وَمَا هُوَ ؟ قَالَ : الْهَرَمُ ) . رواه الترمذي (2038) وصححه الألباني في صحيح الترمذي .
( الْهَرَمُ ) هو الضعف بسبب كبر السن وأمراض الشيخوخة ، فليس له دواء .
ولا فرق في التداوي بين أن يكون للأمراض الباطنية أو العقلية أو العصبية ، ولفظ "الداء" في الأحاديث عامة تشمل جميع الأمراض .
قال الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله :
" يجوز التداوي اتفاقاً ، وللمسلم أن يذهب إلى دكتور أمراض باطنية أو جراحية أو عصبية أو نحو ذلك ليشخِّص له مرضه ويعالجه بما يناسبه من الأدوية المباحة شرعاً حسبما يعرفه في علم الطب ؛ لأن ذلك من باب الأخذ بالأسباب العادية ، ولا ينافي التوكل على الله ، وقد أنزل الله سبحانه وتعالى الداء وأنزل معه الدواء ، عَرف ذلك من عرفه ، وجهله من جهله ، ولكنه سبحانه لم يجعل شفاء عباده فيما حرمه عليهم .
فلا يجوز للمريض أن يذهب إلى الكهنة الذين يدَّعون معرفة المغيبات ليعرف منهم مرضه ، كما لا يجوز له أن يصدقهم فيما يخبرونه به ، فإنهم يتكلمون رجما بالغيب أو يستحضرون الجن ليستعينوا بهم على ما يريدون ، وهؤلاء حكمهم الكفر والضلال إذا ادَّعوا علم الغيب ...
"مجموع فتاوى الشيخ ابن باز" (3/274) .
ومع جواز تناول الأدوية الحسية ، فإنه ينبغي للمريض – أيضاً – أن يهتم بالأدوية الشرعية ، والتي جعل الله تعالى فيها شفاء للأمراض الحسية والمعنوية ، مثل الرقية الشرعية من القرآن والسنة .
قال علماء اللجنة الدائمة للإفتاء في جواب لسؤال مشابه :
" ثقي بالله تعالى وحسِّني الظن به ، وفوضي أمرك إليه ، ولا تيأسي من رحمته وفضله وإحسانه فإنه سبحانه ما أنزل داء إلا أنزل له شفاء ، وعليك الأخذ بالأسباب فاستمري في مراجعة الأطباء المتخصصين في معرفة الأمراض وعلاجها ، واقرئي على نفسك سورة الإخلاص وسورة الفلق وسورة الناس " ثلاث مرات " وانفثي في يديك عقب كل مرة ، وامسحي بهما وجهك وما استطعت من جسمك ، وكرري ذلك مرات ليلاً ونهاراً وعند النوم ، واقرئي على نفسك أيضا سورة " الفاتحة " في أي ساعة من ليل أو نهار ، واقرئي " آية الكرسي " عندما تضطجعين في فراشك للنوم ، فذلك من خير ما يرقي الإنسان به نفسه ويحصنها من الشر ، وادعي الله تعالى بدعاء الكرب ، فقولي : " لا إله إلا الله العظيم الحليم ، لا إله إلا الله رب العرش العظيم ، لا إله إلا الله رب السموات ورب الأرض ورب العرش الكريم " ، وارقي نفسك أيضا برقية رسول الله صلى الله عليه وسلم فقولي : ( اللهم رب الناس ، مُذهب البأس ، اشف أنت الشافي ، لا شافي إلا أنت ، شفاء لا يغادر سقما ) ، إلى غير ذلك من الأذكار والرقى والأدعية التي ذكرت في دواوين الحديث ، وذكرها النووي في كتاب "رياض الصالحين" ، وكتاب "الأذكار" .
"فتاوى اللجنة الدائمة" (1/297) .
ونسأل الله رب الناس أن يُذهب بأسك ، وأن يعافيك مما ابتلاك به ، ونوصيك بالصبر واحتساب ما أصابك لله تعالى ، ونرجو الله تعالى أن يثيبك ويفرج كربك .
والله أعلم .
تعليق