الحمد لله.
لا يجوز للموظف أن يأخذ ما يهدى إليه من أجل العمل ، لأن ذلك من الرشوة المحرمة ، ولو لم يقصد هو ذلك ؛ فإن المعطي – في الغالب – لا يعطيه إلا لأجل أن يسهل له الأمر أو يخصه بحسن معاملة في المرات القادمة .
وأما ما يهدى إلى الموظف لأجل قرابة أو صداقة ، لا لأجل عمله ، فهذا لا حرج فيه ، وينبغي له قبوله ، اقتداء بالنبي صلى الله عليه وسلم ، فإنه كان ( يَقْبَلُ الهَدِيَّةَ وَيُثِيبُ عَلَيْهَا ) . رواه البخاري (2585) ومعنى (يثيب عليها ) : أي يجازي المهدي ويعطيه بدل هديته .
والفارق بين الهدية المحرمة ، والهدية الجائزة : أن ما كان لأجل عمل الإنسان ووظيفته ، فهو محرم ، فينظر الإنسان في حاله ، لو لم يكن في هذا العمل ، هل كان سيُهدى إليه أم لا ؟ وهذا ما بينه النبي صلى الله عليه وسلم بقوله : ( فَهَلا جَلَسَ فِي بَيْتِ أَبِيهِ وَأُمِّهِ فَيَنْظُرُ أَيُهْدَى لَهُ أَمْ لا ) فقد روى البخاري (7174) ومسلم (1832) عن أبي حُمَيْدٍ السَّاعِدِيُّ رضي الله عنه قَالَ : اسْتَعْمَلَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَجُلًا مِنْ بَنِي أَسْدٍ عَلَى صَدَقَةٍ ، فَلَمَّا قَدِمَ قَالَ : هَذَا لَكُمْ وَهَذَا أُهْدِيَ لِي . فَقَامَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى الْمِنْبَرِ فَحَمِدَ اللَّهَ وَأَثْنَى عَلَيْهِ ثُمَّ قَالَ : ( مَا بَالُ الْعَامِلِ نَبْعَثُهُ فَيَأْتِي يَقُولُ هَذَا لَكَ وَهَذَا لِي ، فَهَلَّا جَلَسَ فِي بَيْتِ أَبِيهِ وَأُمِّهِ فَيَنْظُرُ أَيُهْدَى لَهُ أَمْ لا ؟! وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ ، لا يَأْتِي بِشَيْءٍ إِلا جَاءَ بِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ يَحْمِلُهُ عَلَى رَقَبَتِهِ ، إِنْ كَانَ بَعِيرًا لَهُ رُغَاءٌ ، أَوْ بَقَرَةً لَهَا خُوَارٌ ، أَوْ شَاةً تَيْعَرُ ، ثُمَّ رَفَعَ يَدَيْهِ حَتَّى رَأَيْنَا عُفْرَتَيْ إِبْطَيْهِ : أَلا هَلْ بَلَّغْتُ ثَلاثًا ) .
والرغاء : صوت البعير ، والخُوار : صوت البقرة ، واليُعار : صوت الشاة .
عُفْرَتَيْ إِبْطَيْهِ : أي بياض إبطيه .
فهذا الحديث الشريف يدل على تحريم ما يهدى للعمال ، لأجل عملهم ، وأن العامل يأتي يوم القيامة وهو يحمل ما أَخذ منها ، ولو كان بعيرا أو بقرة أو شاة ، عياذا بالله من ذلك .
وقد جاء في فتاوى اللجنة الدائمة (23/548) ما نصه : " ما حكم الشرع فيمن أُعطي له مال وهو في عمله بدون طلب منه أو احتيال لأخذ ذلك المال ، مثال ذلك : العمدة أو شيخ الحارة ( الحي ) يأتيه الناس ليعطيهم شهادات ؛ لأنهم من سكان حارته ، ويعطونه فلوسا على ذلك ... فهل يجوز أخذ هذا ، وهل يعتبر هذا المال حلالا ، وهل يُستدل على جواز ذلك بحديث سالم بن عبد الله بن عمر عن أبيه عبد الله بن عمر ، عن عمر رضي الله عنهم قال : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يعطيني العطاء فأقول : أعطه من هو أفقر إليه مني ، فقال : ( خذه ، إذا جاءك من هذا المال شيء وأنت غير مُشْرفٍ ولا سائل فخذه فتموله ، فإن شئت تصدق به ، وما لا فلا تتبعه نفسك ) قال سالم : فكان عبد الله لا يسأل أحدا شيئا ولا يرد شيئا أعطيه ) متفق عليه .
الجواب : إذا كان الواقع ما ذكر فما يدفع لهذا العمدة حرام ؛ لأنه رشوة . ولا صلة لحديث ابن عمر رضي الله عنهما بهذا الموضوع ؛ لأنه في حق من أُعطي شيئا من بيت مال المسلمين من والي المسلمين دون سؤال أو استشراف نفس " انتهى .
والحاصل أن على صديقك أن يرفض أخذ هذه الأموال مهما ألح أصحابها في بذلها ، وينبغي أن يفهمهم أن هذا لا يجوز له ؛ وفي هذا تطييب لخاطرهم ، وإشاعة لهذا الأمر الشرعي الذي جهله كثير من الناس .
والله أعلم .
تعليق