الحمد لله.
ما هو الزنا الذي يوجب الحد؟
يشترط في الزنا الذي يوجب الحد أن يتم الإيلاج، وهو إدخال حشفة الذكر في الفرج، فلو لم يدخلها أو أدخل بعضها فليس عليه الحد. جاء في “الموسوعة الفقهية” (24/23) في بيان شروط حد الزنا المتفق عليها بين الفقهاء: ” لا خلاف بين الفقهاء في أنه يشترط في حد الزنا إدخال الحشفة أو قدرها من مقطوعها في الفرج. فلو لم يدخلها أصلا أو أدخل بعضها فليس عليه الحد لأنه ليس وطئا. ولا يشترط الإنزال ولا الانتشار عند الإدخال. فيجب عليه الحد سواء أنزل أم لا. انتشر ذكره أم لا ” انتهى.
هل يعاقب الشرع على مقدمات الزنا؟
مقدمات الزنا من اللمس والتقبيل ووضع الفرج على الفرج من غير إيلاج، لا تأخذ حكم الزنا، ولا يحد فاعلها حد الزنا ولكنه يعزر ويؤدب لارتكابه حراما ومنكرا بينا، ولما قد تفضي إليه هذه الأعمال من الوقوع في الزنا الحقيقي، وقد سمى الشرع هذه الأعمال زنا، كما في الحديث الذي رواه البخاري (6243) ومسلم (2657) عن أبي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: إِنَّ اللَّهَ كَتَبَ عَلَى ابْنِ آدَمَ حَظَّهُ مِنْ الزِّنَا أَدْرَكَ ذَلِكَ لَا مَحَالَةَ، فَزِنَا الْعَيْنِ النَّظَرُ، وَزِنَا اللِّسَانِ الْمَنْطِقُ، وَالنَّفْسُ تَمَنَّى وَتَشْتَهِي، وَالْفَرْجُ يُصَدِّقُ ذَلِكَ كُلَّهُ وَيُكَذِّبُهُ.
قَالَ اِبْن بَطَّال رحمه الله: “سُمِّيَ النَّظَر وَالنُّطْق زِنًا لأَنَّهُ يَدْعُو إِلَى الزِّنَا الْحَقِيقِيّ، وَلِذَلِكَ قَالَ وَالْفَرْج يُصَدِّق ذَلِكَ وَيُكَذِّبهُ ” انتهى نقلا عن “فتح الباري”.
التوبة والزواج بعد مقدمات الزنا
الواجب على من صدرت منه هذه الأعمال أن يتوب إلى الله تعالى توبة صادقة، وذلك بالإقلاع عنها، والندم على فعلها والعزم على عدم العودة إليها، وترك الأسباب والوسائل التي تفضي إلى ذلك كالخلوة والنظر والمصافحة.
وأما الزواج من هذه الفتاة، فإن كانت عفيفة لم تقترف الزنا، أو ألمت بذلك ثم تابت إلى الله تعالى فلا حرج في الزواج منها، ولم نقف على دليل يفيد أن هذا الزواج يكفّر تلك المعصية، بل الذي يكفرها هو التوبة إلى الله، وإصلاح العمل، قال الله تعالى: وَإِنِّي لَغَفَّارٌ لِمَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحاً ثُمَّ اهْتَدَى طـه/82.
هل النية كالفعل في العقوبة؟
لا يصح إطلاق القول بأن الإقدام على فعل الجرم كفعله، بل هذا فيه تفصيل:
فمن هم بالمنكر ثم تركه، كان مأجورا مثابا، كما في الحديث عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِيمَا يَرْوِي عَنْ رَبِّهِ عَزَّ وَجَلَّ قَالَ: قَالَ: إِنَّ اللَّهَ كَتَبَ الْحَسَنَاتِ وَالسَّيِّئَاتِ، ثُمَّ بَيَّنَ ذَلِكَ فَمَنْ هَمَّ بِحَسَنَةٍ فَلَمْ يَعْمَلْهَا كَتَبَهَا اللَّهُ لَهُ عِنْدَهُ حَسَنَةً كَامِلَةً، فَإِنْ هُوَ هَمَّ بِهَا فَعَمِلَهَا كَتَبَهَا اللَّهُ لَهُ عِنْدَهُ عَشْرَ حَسَنَاتٍ إِلَى سَبْعِ مِائَةِ ضِعْفٍ إِلَى أَضْعَافٍ كَثِيرَةٍ، وَمَنْ هَمَّ بِسَيِّئَةٍ فَلَمْ يَعْمَلْهَا كَتَبَهَا اللَّهُ لَهُ عِنْدَهُ حَسَنَةً كَامِلَةً، فَإِنْ هُوَ هَمَّ بِهَا فَعَمِلَهَا كَتَبَهَا اللَّهُ لَهُ سَيِّئَةً وَاحِدَةً رواه البخاري (6491) ومسلم (131).
وإن همّ بالمنكر وعزم عليه وشرع في فعله، أو سعى في تحصيله، لكن لم يتمكن منه، لأمر خارج عنه، فهو مأزور غير مأجور، كما دل عليه حديث: إِذَا الْتَقَى الْمُسْلِمَانِ بِسَيْفَيْهِمَا فَالْقَاتِلُ وَالْمَقْتُولُ فِي النَّارِ، فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، هَذَا الْقَاتِلُ فَمَا بَالُ الْمَقْتُولِ؟ قَالَ: إِنَّهُ كَانَ حَرِيصًا عَلَى قَتْلِ صَاحِبِهِ رواه البخاري (31) ومسلم (2888).
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: “وبهذا ينفصل النزاع في مؤاخذة العبد بالهمة، فمن الناس من قال: يؤاخذ بها إذا كانت عزما، ومنهم من قال: لا يؤاخذ بها، والتحقيق أن الهمة إذا صارت عزما فلابد أن يقترن بها قول أو فعل؛ فإن الإرادة مع القدرة تستلزم وجود المقدور.
والذين قالوا يؤاخذ بها احتجوا بقوله: إذا التقى المسلمان بسيفيهما فالقاتل والمقتول في النار الحديث، وهذا لا حجة فيه [أي على المؤاخذة بمجرد الهم]؛ فإنه ذكر ذلك في رجلين اقتتلا كل منهما يريد قتل الآخر وهذا ليس عزما مجردا، بل هو عزم مع فعل المقدور لكنه عاجز عن إتمام مراده، وهذا يؤاخذ باتفاق المسلمين، فمن اجتهد على شرب الخمر وسعى في ذلك بقوله وعمله، ثم عجز فإنه آثم باتفاق المسلمين، وهو كالشارب وإن لم يقع منه شرب. وكذلك من اجتهد على الزنا والسرقة ونحو ذلك بقوله وعمله، ثم عجز فهو آثم كالفاعل، ومثل ذلك في قتل النفس وغيره ” انتهى من “مجموع الفتاوى” (14/122).
وهذا إنما هو في حصول الإثم واستحقاق العقوبة في الآخرة، أما العقوبة المترتبة على فعل المعصية في الدنيا، كالحد المترتب على الزنا، فإنه لا يعاقب به إلا من زنى حقيقة، لا من سعى في الزنى ثم عجز عنه.
والله أعلم.
تعليق