الحمد لله.
أولا :
إذا طرأ على الإمام عذر يمنعه من إتمام صلاته أو من البقاء في الإمامة ، فإن له أن يستخلف أحد المأمومين ليتم الصلاة بالجماعة خلفه ، هذا هو مذهب جماهير أهل العلم .
قال النووي رحمه الله في "المجموع" (4/142) :
" حكاه ابن المنذر عن عمر بن الخطاب وعلي وعلقمة وعطاء والحسن البصري والنخعي والثوري ومالك وأصحاب الرأي وأحمد ، ولم يصرح بحكاية منع الاستخلاف عن أحد " انتهى.
واستدلوا بأن عمر بن الخطاب رضي الله عنه لما طعن وهو في الصلاة أخذ بيد عبد الرحمن بن عوف ، فقدمه ، فأَتَمَّ بالناس الصلاة . رواه البخاري (3700) .
وكان ذلك بمحضر من الصحابة وغيرهم ، ولم ينكر ، فكان إجماعا .
انظر : "الموسوعة الفقهية" (3/252) .
ثانياً :
عَجْزُ الإمام عن إتمام الصلاة بالناس أو القيام بأحد أركان الصلاة يعتبر من الأعذار التي تجيز له أن يستخلف غيره فيتم صلاة الجماعة .
قال أبو الوليد الباجي في "المنتقى شرح الموطأ" (1/290) :
" وأما تأخر الإمام لعذر فلا خلاف في جواز ذلك ، والأعذار على وجهين :
منها : ما يوجب للإمام كونه مأموما ، وذلك إذا عجز عن شيء من فروض الصلاة ، فإنه يتأخر ويقدم رجلا من القوم يتم بهم الصلاة ويأتم هو به " انتهى .
ومن ذلك لو غلب البكاء على الإمام فما يعود يقدر أن يتم ركن القراءة بالفاتحة ، فيستخلف أحد المأمومين حينئذ .
قال ابن قدامة في "المغني" (1/944) :
" إن عجز عن إتمام الفاتحة فله أن يستخلف من يصلي بهم ؛ لأنه عذر ، فجاز أن يستخلف لأجله ، كما لو سبقه حدث ، وكذلك لو عجز في أثناء الصلاة عن ركن فإنه يستخلف من يتم بهم الصلاة " انتهى .
أما إذا كان الإمام قد أتم قراءة الفاتحة ، ثم غلبه البكاء أثناء القراءة بعد الفاتحة ، فإنه حينئذ يقطع قراءته ويركع ولا شيء عليه .
فعن عبد الله بن السائب رضي الله عنه قال : ( صَلَّى لَنَا النَّبِيُّ صَلَّى الّلهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ الصُّبحَ بِمَكَّةَ ، فَاستَفتَحَ سُورَةَ المُؤمِنِينَ ، حَتَّى جَاءَ ذِكرُ مُوسَى وَهَارُونَ ، أَخَذَتِ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ سَعلَةٌ فَرَكَعَ ) رواه مسلم (455) .
قال النووي "شرح مسلم" (4/177) :
" وفي هذا الحديث جواز قطع القراءة ولا كراهة فيه إن كان القطع لعذر " انتهى .
ولا يجوز له أن يستخلف حينئذ ؛ إذ يمكنه إتمام الصلاة بالناس مقتصرا على أركانها ، ولا داعي لمعاناة القراءة أثناء البكاء ، فإن قراءة ما زاد على الفاتحة ليس بواجب .
وقد نقل في "مواهب الجليل" (2/136) عن المازري أنه قال :
" لا يستخلف لِحَصرِ قراءة بعض السورة " انتهى . (أي : إذا امتنعت عليه القراءة) .
ويوصَى في مثل هذه الأحوال أن يحاول ضبط نفسه قدر الإمكان ، حتى لا يشق على المصلين ، فإن البكاء يسترسل ويطول ، ولذلك بعض المفاسد .
وقد سئل الشيخ ابن باز رحمه الله في "مجموع الفتاوى" (11/342): ما رأي سماحتكم في ظاهرة ارتفاع الأصوات بالبكاء ؟
فأجاب :
" لقد نصحت كثيرا ممن اتصل بي بالحذر من هذا الشيء ، وأنه لا ينبغي ؛ لأن هذا يؤذي الناس ويشق عليهم ويشوش على المصلين وعلى القارئ ، فالذي ينبغي للمؤمن أن يحرص على أن لا يسمع صوته بالبكاء ، وليحذر من الرياء ، فإن الشيطان قد يجره إلى الرياء ، فينبغي له أن لا يؤذي أحدا بصوته ، ولا يشوِّش عليهم ، ومعلوم أن بعض الناس ليس ذلك باختياره ، بل يغلب عليه من غير قصد ، وهذا معفو عنه إذا كان بغير اختياره ، وقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم ( أنه إذا قرأ يكون لصدره أزيز كأزيز المرجل من البكاء ) ، وجاء في قصة أبي بكر رضي الله عنه أنه ( كان إذا قرأ لا يُسمِع الناس من البكاء ) ، وجاء عن عمر رضي الله عنه ( أنه كان يُسمَعُ نشيجُه من وراء الصفوف ) ، ولكن هذا ليس معناه أنه يتعمد رفع صوته بالبكاء ، وإنما شيء يغلب عليه من خشية الله عز وجل ، فإذا غلبه البكاء من غير قصد فلا حرج عليه في ذلك " انتهى .
ثالثاً :
تبين مما سبق أنه إن كان إمامكم قد أتم قراءة الفاتحة ، فقد أخطأ حيث استخلف غيره ، فلا يَعُد إلى مثل ذلك ، أما حكم صلاتكم وصلاته فهي صحيحة إن شاء الله ، ولا يؤمر أحد بالإعادة ، لعدم العلم بالحكم الشرعي .
وأما إن كان الإمام غلبه البكاء عن قراءة الفاتحة ، فما فعله من استخلاف غيره صواب مشروع .
والله أعلم .
تعليق