الحمد لله.
أولاً :
نشكر لك اهتمامك بأمور دينك ، وحرصك على الخير لنفسك ولغيرك ، وننبهك إلى ضرورة أن يكون الحوار مع الكفار في مسائل الشرع من قبَل متخصصين ؛ خشية أن يقذف أحدهم شبهة على المسلم المتحمس لدعوتهم فيحار في ردها .
ونحن إذ نشكر لك إرسال سؤاله لنا وعدم إجابتك عليه من تلقاء نفسك ننصحك – وننصح الدعاة إلى الله عموماً – أن لا يُفتح المجال لأولئك الكفار للحوار في مسائل عملية جزئية ، بل ينبغي أن يكون الكلام معهم في الأصل الذي تتفرع منه هذه المسائل الجزئية وتنبني عليه ، فيكون الكلام على توحيد الله تعالى وإثبات البعث والحساب ، ورسالة نبينا محمد صلى الله عليه وسلم ، وبيان محاسن الإسلام وموافقته للفطرة المستقيمة والعقل الصريح ، وبطلان الشرك وإقامة الحجج والبراهين على ذلك .
ولا مانع من أن يردَّ على بعضهم في هذه المسائل ممن يُعرف عنه حبّه للوصول للحق ، وقد تكون هذه المسألة مفتاحاً له للدخول في دين الله عز وجل .
ثانياً :
سؤال هذا الكافر فيه مغالطة ، ويجب رد هذه المغالطة قبل الدخول في تفاصيل الجواب ، فلا علاقة لكون الله تعالى قبل كل شيء بكون الراتبة تؤدى قبل الفريضة ؛ لأن تشريع الصلاة بهذا الترتيب هو من الله تعالى .
ولعله يظن أن النوافل والرواتب هي للنبي صلى الله عليه وسلم ! ولعل هذا ما دعاه لاستشكال هذه المسألة ، فظنَّ أننا نتقرب بالرواتب للنبي صلى الله عليه وسلم ، وبالفرائض لله تعالى ! وهذا لا شك جهل بدين الإسلام ، ولا يحتاج المسلم لكثير عناء في رده .
وبكل حال : فنحن عبيد لربنا تبارك وتعالى ، ونفعل ما يأمرنا به عز وجل ، والنبي صلى الله عليه وسلم لا يشرِّع للناس إلا ما أمره الله تعالى بتبليغه ، فهو عبدٌ لربه تعالى مثلنا ، إلا أن الفرق بيننا وبينه أن الله تعالى فضله بالوحي والرسالة ، قال الله تعالى : ( قُلْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يُوحَى إِلَيَّ أَنَّمَا إِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ ) الكهف/110 ، وقال تعالى : (وَإِذَا تُتْلَى عَلَيْهِمْ آيَاتُنَا بَيِّنَاتٍ قَالَ الَّذِينَ لا يَرْجُونَ لِقَاءَنَا ائْتِ بِقُرْآنٍ غَيْرِ هَذَا أَوْ بَدِّلْهُ قُلْ مَا يَكُونُ لِي أَنْ أُبَدِّلَهُ مِنْ تِلْقَاءِ نَفْسِي إِنْ أَتَّبِعُ إِلَّا مَا يُوحَى إِلَيَّ إِنِّي أَخَافُ إِنْ عَصَيْتُ رَبِّي عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ) يونس/15.
ثالثاً :
السنن الرواتب التي يصليها المسلم في اليوم الليلة اثنتا عشر ركعة ، وهي التي جاء في فضلها أن من واظب عليها بني له بيتٌ في الجنة ، وقد سبق بيانها في جواب السؤال رقم ( 1048 ) ، وهي ركعتان قبل الفجر ، وأربع ركعات قبل الظهر ، وركعتان بعدها ، وركعتان بعد المغرب ، وركعتان بعد العشاء .
رابعاً :
ذكر العلماء رحمهم الله تعالى حكَماً للصلاة قبل الفريضة ، فمن المعلوم أن من يدخل المسجد فإنه يصلي ركعتين قبل أن يجلس ، والمتوضئ يسن له الصلاة بعد كل وضوء ، وكذا ما يوجد من رواتب قبل الصلاة كالفجر والظهر - كما سبق - ، ورغَّب النبي صلى الله عليه وسلم في صلاة أربع ركعات قبل العصر ، ووصى بالصلاة قبل المغرب ، وجعل بين كل أذانين – أي : أذان وإقامة - صلاة ، وكل هذا التشريع لأداء نوافل قبل الفريضة ، وله حِكَم عظيمة .
1. قال الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله :
"ففي هذه الرواتب فوائد عظيمة والمحافظة عليها من أسباب دخول الجنة والنجاة من النار مع أداء الفرائض وترك المحارم ، فهي تطوع وليست فريضة لكنها مثل ما جاء في الحديث تكمل بها الفرائض ، وهي من أسباب محبة الله للعبد ، وفيها التأسي بالنبي عليه الصلاة والسلام ، فينبغي للمؤمن المحافظة عليها والعناية بها كما اعتنى بها النبي عليه الصلاة والسلام مع سنة الضحى ، ومع التهجد بالليل والوتر فالمؤمن يعتني بهذا كله" انتهى .
" فتاوى الشيخ ابن باز " ( 11 / 381 ) .
2. وقال الشيخ عطية سالم رحمه الله :
"المسلم يؤدي النافلة قبل الفريضة تهيئةً لقيامه بين يدي الله وهو في أكمل ما يكون استحضاراً ، وهذه زيادة تحضير ، وسمِّها ما شئت ؛ لأنها تعطيك زيادة تنبُّه ويقظة ورغبة فيما عند الله ، فإذا دخلت في الفريضة عفويّاً ربما تحتاج إلى شيء من التحضير ؛ لكن إذا صليت السنَّة كان التهيؤ أكمل ، وكل فريضة - كما أشرنا - قبلها نافلة ، فهذا الفجر له ركعتان قبلية ، وتلك الظهر لها ركعتان أو أربع قبلية ، وتلك العصر قبلها أربع ، والمغرب كانوا يصلون قبلها ركعتين ، يقول الراوي : ( حتى إن الغريب إذا دخل المسجد رأى الناس قد بادروا إلى السواري فيظن أن الناس قد صلوا المغرب ) ، وجاء في الحديث : ( صلوا قبل المغرب ، صلوا قبل المغرب ، صلوا قبل المغرب ، وقال في الثالثة : لمن شاء ) ؛ كراهية أن يتخذها الناس سنة لازمة ، وقال : ( بين كل أذانين صلاة ) ، والمغرب كغيره له أذانان ، وهما : الأذان والإقامة ، وهكذا قبل صلاة العشاء نافلة ، وبعدها نافلة" انتهى .
" شرح الأربعين النووية " ( الحديث الثلاثون ) .
3. وقال الشيخ محمد المختار الشنقيطي حفظه الله :
"والسنن الراتبة هذه شُرعت لفضائل وحكَم عظيمة ؛ فإن المصلي إذا دخل إلى الفريضة مباشرة يكون في حالة أدنى من الخشوع والخضوع واستحضار القلب مما لو سبق الفريضة بسنة قبلية ، كما هو الحال في صلاة الظهر ، فإن الناس في الظهر يكونون على عناء العمل وشظف طلب العيش ، فإذا دخلوا إلى الصلاة وهم حديثو عهد بالتجارات ونحوها فإنهم يكونون أقل خشوعاً مما لو قدموا بسنَّة ثم دخلوا الفريضة بعد السنَّة ، فإن الطاعة تشرح الصدر وتيسر الذكر ، وهذا محفوظ من هدي النبي صلى الله عليه وسلم ؛ فإنه لما أراد أن يقوم الليل عليه الصلاة والسلام استفتح بركعتين خفيفتين ، قالوا : لأن هذا الاستفتاح يهيئ النفس للإطالة ، وللاستحضار وللخشوع ، فكان في السنة الراتبة نفس المعنى ، وهذا مجرب في الشخص الذي يأتي متأخراً في الصلوات ، أو يأتي مع الإقامة ، فإنه إذا دخل لا تجده في الخشوع كحالته حين يدخل بين الأذان والإقامة فيصلي الراتبة ويذكر الله ، فإن الحسنة تدعو إلى أختها ، فتجده بعد انتهائه من الراتبة أشرح صدراً وأكثر طمأنينة في قلبه ، فهذا يقوّيه على فعل الفريضة بنفس أقوى وحضور أبلغ ، وهذا إذا كانت الراتبة قبلية" انتهى .
شرح زاد المستقنع " ( كتاب الصلاة ) .
والله أعلم
تعليق