السبت 8 جمادى الأولى 1446 - 9 نوفمبر 2024
العربية

هل يجوز تأخير العقد عن الخطبة مدة طويلة

82876

تاريخ النشر : 19-05-2006

المشاهدات : 99946

السؤال

منذ سنة تقدمت لخطبة فتاة ولقد تم الاتفاق على كل شي ، ولقد طالت الخطبة الآن ، وأنا أريد أن أعقد عليها الآن ، ولكن أهلها يرفضون ويقولون إنها تدرس ، ويجب علي أنا أنتظر ثلاث  سنوات حتى تنتهي من دراستها في الجامعة ، ثم يتم الزواج والعقد !!!
ولا أدري هل هو حرام إذا طالت الخطبة أو لا ؟.

الجواب

الحمد لله.

لا حرج في تأجيل العقد وإن طالت مدة الخطبة ؛ إذ لم يرد في الشرع تقدير المدة التي تكون بين الخطبة والعقد ، بل ذلك يرجع إلى العرف والعادة ومدى استعداد كل من الخاطب والمخطوبة لإتمام النكاح ، فقد يخطب الرجل ويعقد ويبني بأهله في ساعة ، وقد يتم ذلك في شهر أو سنة أو أكثر .

غير أن الأولى ، والذي ننصح به ، أن لا تطول مدة الخطبة ، ما دام الخاطب قادرا على إتمام النكاح ؛ لما ورد من الترغيب في الزواج لمن استطاع الباءة ، قال صلى الله عليه وسلم : ( يَا مَعْشَرَ الشَّبَابِ مَنْ اسْتَطَاعَ مِنْكُمْ الْبَاءَةَ فَلْيَتَزَوَّجْ وَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَعَلَيْهِ بِالصَّوْمِ فَإِنَّهُ لَهُ وِجَاءٌ ) رواه البخاري (5065) ومسلم (1400).

ثم إن التجارب الكثيرة تبرهن على أن طول مدة الخطبة مدعاة لفتح باب المشكلات من الطرفين ، قبل أن تبدأ الحياة الحقيقية بينهما ، وكثيرا ما تؤدي هذه المشكلات إلى فسخ تلك الرابطة ، أو تترك آثارا بعيدة المدى في نفوس الطرفين .

والذي نشير عليكما به في هذا المقام ، أنت أيها السائل الكريم ، وأولياء الفتاة المخطوبة ، أنه أذا كان المتوقع ألا يتم الزواج إلا بعد مدةٍ ، ثلاث سنوات أو نحوها ، على ما في سؤالك ، فالذي نشير به على الطرفين ألا يتعجلوا في العقد من الآن ، لأنه لا فائدة في الواقع من هذا العقد مدة طويلة ، إذا كان الطرفان على علم بأن أن الخاطب أجنبي عن مخطوبته ، كسائر الأجانب ، حتى يعقد عقدة النكاح ، وكانا جادين في الالتزام بأحكام ذلك وآدابه . والذي يدفعنا إلى تلك المشورة عليكما كثرة التجارب التي نتج عن طول فترة العقد فيها من المشاكل الشرعية الشيء الكثير ، وبعضها انتهت بفسخ ذلك العقد ، وليس من شك أن فسخ الخطبة وانتهاءها ، أخف وأهون على الطرفين من فسخ عقد نكاح شرعي .

ثم إن من الآثار السلبية المقررة لطول فترة العقد ، ازدياد تعلق الطرفين ببعضهما ، وانشغال القلوب والخواطر ، بلا مبرر ، مما قد يؤثر على النفوس ، ويشغلها عن المهمات التي خلقت لها ، من تحصيل العلم النافع ، أو العمل الصالح .

وتأمل أخي الكريم مصداق ذلك في القصة العجيبة التي قصها علينا النبي صلى الله عليه وسلم للعبرة والعظة ؛ كما في صحيح البخاري (3214) ومسلم (1747) عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( غَزَا نَبِيٌّ مِنْ الأَنْبِيَاءِ ، فَقَالَ لِقَوْمِهِ : لا يَتْبَعْنِي رَجُلٌ مَلَكَ بُضْعَ امْرَأَةٍ وَهُوَ يُرِيدُ أَنْ يَبْنِيَ بِهَا وَلَمَّا يَبْنِ بِهَا ، وَلا أَحَدٌ بَنَى بُيُوتًا وَلَمْ يَرْفَعْ سُقُوفَهَا ، وَلا أَحَدٌ اشْتَرَى غَنَمًا أَوْ خَلِفَاتٍ وَهُوَ يَنْتَظِرُ وِلادَهَا .. ) إلى آخر القصة ، وهي معروفة مشهورة .

والشاهد منها هنا أن هذا النبي الكريم استبعد من هذه المهمة الجهادية الجليلة أصنافا من الناس لا يصلحون لها ، فكان منهم : رجل عقد على امرأة ، وهو يريد أن يبني بها ، لكن لم يتحقق له مراده ذلك بعد .

نقل ابن بطال عن المهلب ، أحد شراح البخاري ، قوله : فيه دليل أن فتن الدنيا تدعو النفس إلى الهلع وتخيبها ؛ لأن من ملك بضع امرأة ، ولم يبن بها ، أو بنى بها ، وكان على طراوة منها ، فإن قلبه متعلق بالرجوع إليها ، وشغله الشيطان عما هو فيه من الطاعة ، فرمى في قلبه الجزع، وكذلك ما فى الدنيا من متاعها وقنيتها. وقال الحافظ ابن حجر رحمه الله : وَالْغَرَض هُنَا مِنْ ذَلِكَ أَنَّ يَتَفَرَّغ قَلْبه لِلْجِهَادِ وَيُقْبِل عَلَيْهِ بِنَشَاط ، لأَنَّ الَّذِي يَعْقِد عَقْده عَلَى اِمْرَأَة يَبْقَى مُتَعَلِّق الْخَاطِر بِهَا ، بِخِلافِ مَا إِذَا دَخَلَ بِهَا فَإِنَّهُ يَصِير الأَمْر فِي حَقّه أَخَفّ غَالِبًا ، وَنَظِيره الاشْتِغَال بِالأَكْلِ قَبْل الصَّلاة .

غير أن هذا الرأي السابق إنما نشير به عليكما في حال العجز عن المبادرة بالنكاح ، لسبب معتبر ، أو عذر قاهر ، وأما التأخير بحجة الفراغ من الدراسة فهو ما لا نراه رأيا سديدا ، ولا نشير به عليكما .

وقد قال سماحة الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله :

" الواجب البدار بالزواج ، ولا ينبغي أن يتأخر الشاب عن الزواج من أجل الدراسة ، ولا ينبغي أن تتأخر الفتاة عن الزواج للدراسة ؛ فالزواج لا يمنع شيئاً من ذلك ، ففي الإمكان أن يتزوج الشاب ، ويحفظ دينه وخلقه ويغض بصره ، ومع هذا يستمر في الدراسة . وهكذا الفتاة إذا يسر الله لها الكفء ، فينبغي البدار بالزواج وإن كانت في الدراسة - سواء كانت في الثانوية أو في الدراسات العليا - كل ذلك لا يمنع .

فالواجب البدار والموافقة على الزواج إذا خطب الكفء ، والدراسة لا تمنع من ذلك .

ولو قطعت من الدراسة شيئا فلا بأس . المهم أن تتعلم ما تعرف به دينها ، والباقي فائدة .

والزواج فيه مصالح كثيرة ، ولا سيما في هذا العصر ؛ ولما في تأخيره من الضرر على الفتاة وعلى الشاب .

فالواجب على كل شاب وعلى كل فتاة البدار بالزواج إذا تيسر الخاطب الكفء للمرأة . وإذا تيسرت المخطوبة الطيبة للشاب ، فليبادر ؛ عملا بقول الرسول الكريم - عليه الصلاة والسلام – فى الحديث الصحيح : ( يا معشر الشباب من استطاع منكم الباءة فليتزوج ؛ فإنه أغض للبصر وأحصن للفرج ، ومن لم يستطع فعليه بالصوم ؛ فإن له وجاء) متفق على صحته .

وهذا يعم الشباب من الرجال والفتيات من النساء ، وليس خاصا بالرجال ، بل يعم الجميع ، وكلهم بحاجة إلى الزواج . نسأل الله للجميع الهداية "

[ مجموع فتاوى ومقالات متنوعة 20/421-422 ]

وسئل الشيخ ابن عثيمين رحمه الله :

هناك عادة منتشرة ، وهي رفض الفتاة أو والدها الزواج ممن يخطبها ، لأجل أن تكمل تعليمها الثانوي أو الجامعي ، أو حتى لأجل أن تُدَرِّس لعدة سنوات ، فما حكم ذلك ، وما نصيحتك لمن يفعله ؛ فربما بلغ بعض الفتيات سن الثلاثين أو أكثر ، بدون زواج ؟

فأجاب :

حكم ذلك أنه خلاف أمر النبي صلى الله عليه وسلم ؛ فإن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( إذا أتاكم من ترضون خلقه ودينه فزوجوه ) [ الترمذي (1084) ] وقال : ( يا معشر الشباب : من استطاع منكم الباءة فليتزوج ؛ فإنه أغض للبصر وأحصن للفرج ) .

وفي الامتناع عن الزواج تفويت لمصالح الزواج ؛ فالذي أنصح به إخواني المسلمين ، من أولياء النساء ، وأخواتي النساء من النساء ، ألا يمتنعن من الزواج من أجل تكميل الدراسة أو التدريس ، وبإمكان المرأة أن تشترط على الزوج أن تبقى في الدراسة حتى تنتهي دراستها ، وكذلك تبقى مدرسة ، لمدة سنة أو سنتين ، ما دامت غير مشغولة بأولادها ، وهذا لا بأس به.

على أن كون المرأة تترقى في العلوم الجامعية ـ مما ليس لنا به حاجة ـ أمر يحتاج إلى نظر .

فالذي أره أن المرأة إذا أنهت المرحلة الابتدائية ، وصارت تعرف القراءة والكتابة ، بحيث تنتفع بهذا العلم في قراءة كتاب الله وتفسيره ، وقراءة أحاديث النبي صلى الله عليه وسلم وشرحها ، فإن ذلك كاف ؛ اللهم إلا أن تترقى لعلوم لا بد للناس منها ؛ كعلم الطب وما أشبهه ؛ إذا لم يكن في دراسته شيء محذور ، من اختلاط وغيره . )

فتاوى علماء البلد الحرام ص (390 )

وفقنا الله وإياك لما يحب ويرضى .

والله أعلم .

هل انتفعت بهذه الإجابة؟

المصدر: الإسلام سؤال وجواب