الجمعة 21 جمادى الأولى 1446 - 22 نوفمبر 2024
العربية

حكم التخيلات الجنسية

84066

تاريخ النشر : 17-08-2006

المشاهدات : 684563

السؤال

تزوجنا مند 3 سنوات ونصف ، هو طيب جدّاً ، متدين جدّاً ، ونعبد الله معا ما استطعنا ، والحمد لله ، المشكلة بدأت معي من أول الزواج , كان لابد له أثناء الجماع أن يحكي لي قصصا جنسية ، وأنا أتخيل ؛ لأني لم أكن أستطيع أن أقضي وطري بدونها ، وحتى أشبع لابد أن أتخيل ، المشكلة عندي للآن ، وأحس بتأنيب ضمير بعد كل جماع ، تلاحقني التخيلات وأنا معه حتى أنتهي - لا أتخيلني مع شخص آخر أبداً أبداً , فقط أناس لا أعرفهم - أخبرته بهذه المشكلة ، ولم يغضب , لكن أنا أحس بنوع من الخيانة , ماذا أفعل ؟ أفيدوني أرجوكم ، وما حكم الشرع ؟.

الجواب

الحمد لله.

أولاً :

التخيلات الجنسية جزء من الخواطر التي تطرأ على ذهن الإنسان بسبب ما يستدعيه العقل الباطن من صورٍ مختزنةٍ أوحتها له البيئة التي يعيش فيها ، والمناظر التي يراها ، وهي تخيلات تصيب أغلب الناس ، وخاصة فئة الشباب ، لكنها تختلف من شخص لآخر من حيث النوع والإلحاح والتأثير .

والشريعة الإسلامية شريعة الفطرة ، جاءت منسجمةً مع الطبيعة البشرية ، وملائمةً للتقلبات النفسية التي جعلها الله سبحانه وتعالى جزءا من التكوين البشري ، فلم تتعد حدود الممكن ، ولم تكلِّف بما لا يطاق .

يقول الله سبحانه وتعالى : ( لاَ يُكَلِّفُ اللّهُ نَفْساً إِلاَّ وُُسْعَهَا ) البقرة/286 ، وعن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( إِنَّ اللَّهَ تَجَاوَزَ لأُمَّتِي مَا حَدَّثَتْ بِهِ أَنفُسَهَا مَا لَمْ يَتَكَلَّمُوا أَوْ يَعمَلُوا بِهِ ) رواه البخاري ( 2528 ) ومسلم ( 127 ) .

قال النووي - رحمه الله - في شرح هذا الحديث :

وحديث النفس إذا لم يستقر ويستمر عليه صاحبه : فمعفو عنه باتفاق العلماء ؛ لأنه لا اختيار له في وقوعه ، ولا طريق له إلى الانفكاك عنه .

" الأذكار " ( ص 345 ) .

والتخيلات العارضة تدخل في دائرة حديث النفس المعفو عنها بنص الحديث السابق ، فكل من تصورت في ذهنه خيالات محرمة ، طرأت ولم يطلبها ، أو حضرت قَسرًا ولم يَستَدْعِهَا : فلا حرج عليه ، ولا إثم ، وإنما عليه مدافعتها بما يستطيع .

ثانياً :

وأما إذا كان الشخص يتكلف التخيلات المحرمة ، ويستدعيها في ذهنه ، فقد اختلف كلام الفقهاء في تكييف هذه الحالة ، وهل هي داخلة في دائرة العفو أو في دائرة الهم والعزم المؤاخذ به ؟

والمسألة يذكرها الفقهاء بالتصوير التالي :

لو أن رجلا وطئ حليلتَه متفكِّرا في محاسن أجنبيَّةٍ ، حتى خُيِّلَ إليه أنَّه يطؤُها ، فهل يحرم ذلك التفكر والتخيُّل ؟ اختلفت في ذلك أقوال الفقهاء :

القول الأول : التحريم ، وتأثيم من يستحضر بإرادته صُوَرًا محرَّمَةً ويتخيلها حليلته التي يجامعها .

قال ابن عابدين الحنفي – رحمه الله - :

والْأَقْرَب لقَوَاعِد مَذهَبِنَا عَدمُ الحِلِّ ، لأَنَّ تَصَوُّرَ تلك الأَجنبِيَّةِ بَينَ يَدَيْهِ يَطَؤُهَا فيهِ تَصويرُ مُبَاشَرةِ المَعصِيَةِ عَلى هَيئَتِهَا .

" حاشية رد المحتار " ( 6 / 272 ) .

وقال الإمام محمد العبدري المعروف بابن الحاج المالكي – رحمه الله - :

ويتعين عليه أن يتحفظ في نفسه بالفعل ، وفي غيره بالقول ، من هذه الخصلة القبيحة التي عمَّت بها البلوى في الغالب ، وهي أن الرجل إذا رأى امرأةً أعجبته وأتى أهله جعل بين عينيه تلك المرأة التي رآها .

وهذا نوع من الزنا ؛ لما قاله علماؤنا رحمة الله عليهم فيمن أخذ كُوزا يشرب منه الماء ، فصوَّرَ بين عينيه أنه خمر يشربه ، أن ذلك الماء يصير عليه حراما .

وما ذُكر لا يختص بالرجل وحده ، بل المرأة داخلة فيه ، بل هي أشد ؛ لأن الغالب عليها في هذا الزمان الخروج أو النظر من الطاق ، فإذا رأت من يعجبها تعلق بخاطرها ، فإذا كانت عند الاجتماع بزوجها جعلت تلك الصورة التي رأتها بين عينيها ، فيكون كل واحد منهما في معنى الزاني ، نسأل الله السلامة منه .

ولا يقتصر على اجتناب ذلك ليس إلا ، بل ينبه عليه أهله وغيرهم ، ويخبرهم بأن ذلك حرام لا يجوز .

" المدخل " ( 2 / 194 ، 195 ) .

وقال ابن مفلح الحنبلي – رحمه الله - :

ذكر ابن عقيل وجزم به في " الرعاية الكبرى " : أنه لو استحضر عند جماع زوجته صورةَ أجنبيَّةٍ محرَّمَةٍ أنَّه يأثم ، ...أما الفكرة الغالبة فلا إثم فيها .

" الآداب الشرعية " ( 1 / 98 ) .

ودليل هذا القول : ما يرجحه طائفة من أهل العلم من أن خواطر النفس إذا أصبحت عزيمة وإرادة دخلت في دائرة التكليف ، والتخيلات المحرمة التي يجلبها الذهن بإرادته انتقلت من دائرة العفو ؛ لأنها أصبحت هَمًّا وعزيمة يحاسب عليها المرء .

قال النووي – رحمه الله - :

وسبب العفو ( عن حديث النفس ) ما ذكرناه من تعذر اجتنابه ، وإنما الممكن اجتناب الاستمرار عليه ، فلهذا كان الاستمرار وعقد القلب حراما .

" الأذكار " ( 345 ) .

القول الثاني : الجواز ، وأنه لا حرج على من فعل ذلك : وهو قول جمع من متأخري الشافعية : منهم السبكي والسيوطي .

قالوا : لأن التخيلات ليس فيها هم ولا عزم على معصية ، إذ قد يتخيل في ذهنه أنه يباشر تلك المرأة الأجنبية وهو مع ذلك ليس في قلبه عزم على فعله والسعي إليه ، بل قد يرده لو عرض عليه .

جاء في " تحفة المحتاج في شرح المنهاج " ( 7 / 205 ، 206) - وهو من كتب الشافعية - :

" لأنه لم يخطر له عند ذلك التفكر والتخيل فعل زنا ولا مقدمة له ، فضلا عن العزم عليه ، وإنما الواقع منه تصور قبيح بصورة حسن " انتهى .

وانظر " الفتاوى الفقهية الكبرى " ( 4 / 87 ) .

والذي يبدو أن الراجح القول بكراهة ذلك التخيل إن لم نقل بالتحريم ، وذلك للأسباب التالية :

1. أن كثيراً من المتخصصين النفسيين يعدون التخيلات الجنسية اضطرابا نفسيا إذا سيطرت على عقل الإنسان بحيث تفقده كل لذة تأتي من غير طريق تلك التخيلات ، وذلك قد يفضي إلى تخيلات جنسية غير سوية .

2. أن الشريعة الإسلامية جاءت بقاعدة سد الذرائع ، ومنع كل باب يفضي إلى الشر ، وإفضاءُ التخيلات الجنسية إلى الوقوع في المحرمات أمر متوقع ، فإن مَن أَكثَرَ مِن تصور شيء وتمنيه لا بد وأن تحفزه نفسه إلى الحصول عليه ، والسعي إلى الاستكثار منه ، فيبدأ بالتطلع إلى الصور المحرمة ، وتعتاد عيناه على مشاهدة المحرمات ، سعيا لتحقيق الشبع الذي أصبح مرتبطا بتلك التخيلات .

3. أن غالب تلك التخيلات إنما تجتمع في الذهن بالأسباب المحرمة ، عن طريق فضائيات الرذيلة ، ومشاهدات الواقع المتحلل من كل خلق في بلاد الكفار ، حيث ينعدم الحياء وتصبح مناظر ممارسة الجنس مألوفة معتادة .

4. وأخيراً قد تفضي كثرة تلك التخيلات إلى زهد الزوجين ببعضهما ، فلا تعود الزوجة محل نظر الزوج ، كما لا يعود الزوج محل إقبال الزوجة ، وتبدأ حينئذ رحلة المعاناة والمشاكل الزوجية .

ولذلك كله ، فالنصيحة لكل من ابتلي بمثل تلك التخيلات أن يسارع إلى إيقافها والتخلص منها ، ويمكنه الاستعانة بالوسائل التالية :

1. الابتعاد التام عن كل ما يثير تلك التخيلات من الأفلام والمشاهد المحرمة التي تعرضها الفضائيات ، والابتعاد عن قراءة القصص التي كانت السبب في تولد تلك التخيلات ، وقد سبق في موقعنا الحديث عن حرمة قراءة تلك القصص الجنسية ، فانظري جواب السؤال رقم ( 34489 ) .

قال الغزالي في " إحياء علوم الدين " ( 1 / 162 ) :

" وعلاج دفع الخواطر الشاغلة : قطع موادها ، أعني النزوع عن تلك الأسباب التي تنجذب الخواطر إليها ، وما لم تنقطع تلك المواد لا تنصرف عنها الخواطر " انتهى .

2. المحافظة على الأذكار الشرعية ، وخاصة تلك التي تقال قبل الجماع ( الَّلهُمَّ جَنِّبْنَا الشَّيْطَانَ ، وَجَنِّبِ الشَّيطَانَ مَا رَزَقتَنَا ) رواه البخاري ( 141 ) ومسلم ( 1434 ) .

3. الانشغال باللذة الحاضرة عن اللذة الغائبة ، فإن في كل من الزوجين ما يغني الآخر عن التطلع إلى الحرام ، فإذا انشغل الزوجان بمحاسن بعضهما واستغرقا في ذلك لم تنصرف الخيالات إلى شيء آخر .

4. تصوري لو كان خيال زوجك يجول في مثل ما تجولين فيه ، هل ستكونين راضية عن ذلك ؟ ألن يشعرك ذلك بعدم الرضا ؟ فكيف ترضين أنت أن تصيبي زوجك بمثل هذا الشعور ، فاحرصي على استغلال هذه الفكرة للتخلص مما تجدين .

5. استشارة المختصين النفسيين ، فلا حرج عليك أن تراجعي الطبيبة النفسية أو الأسرية وتطلبي نصيحتها في حالك ، وستجدين عندها ما يساعدك إن شاء الله تعالى .

وأسأل الله لك ولزوجك التوفيق والسعادة .

والله أعلم .

هل انتفعت بهذه الإجابة؟

المصدر: الإسلام سؤال وجواب