الحمد لله.
أولا :
إن مشكلتك الحقيقية هي ما ذكرت من نظرك إلى النساء ، ولو كان بغرض الزواج كما تقول ؛ فإن من نظر إلى النساء ، رق دينه ، وضعف إيمانه ، وهانت عنده زوجته ، وهام بالحياة مع غيرها ، وهذا ـ بالطبع ـ يزيده نفورا من زوجته ، ويزيد قلبه تعلقا بالزواج الثاني ، ظنا منه أنه المخرج . ومن خبر أحوال الناس علم أنهم بهذا النظر المحرم ، يستقبحون اليوم ما كان بالأمس جميلا ، والجديدة تمر عليها الأيام فتصير قديمة مملولة ؛ فلا يهدأ لهم بال ، ولا يستقر لهم رأي ، ولا تكفيهم زوجة ولا اثنتان .
ولهذا نقول : اتق الله تعالى ، وغض بصرك عما حرم الله ، وعد إلى زوجتك فتأمل ما فيها من المحاسن ، وما تحلت به من الشمائل ، وستجد خيرا كثيرا ، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم : ( لا يَفْرَكْ مُؤْمِنٌ مُؤْمِنَةً إِنْ كَرِهَ مِنْهَا خُلُقًا رَضِيَ مِنْهَا آخَرَ ) رواه مسلم (2672).
والفرْك : البغض .
ومن أراد الزواج لم يُبح له أن ينظر في كل غاد ورائح ، بل يباح له النظر إلى المخطوبة متى عزم واستقر في نفسه خطبتها ، كأن يُخبر عن امرأة ، فيرضى دينها وخلقها وأهلها ، ثم يبقى النظر إليها ، فيباح له ذلك بعلمها وبدون علمها ، نظرا من غير شهوة .
وأما ما يفعله البعض من إطلاق النظر إلى النساء يمينا وشمالا ، بحجة اختيار إحداهن ، فهذا محرم ، لا تأتي به شريعة ، ولا تقبله فطرة ، ولا يرضاه أحد لنفسه وأهله .
ونظنك ـ أخانا السائل ـ تدرك ذلك كله ، وتدرك في قرار نفسك أن قضية اختيار زوجة ثانية عن طريق النظر في النساء الرائحات والغاديات ، ما هي إلا حيلة ، احتال الشيطان عليك بها من أجل أن يوقعك في النظر المحرم الذي لا يزيدك الاستمرار فيه إلا تعبا ونكدا وتنغيصا ، عدا ما فيه من معصية الرحمن جل جلاله ، وطاعة الشيطان ، والوقوع في حباله.
ثانيا :
يباح للرجل أن يتزوج بواحدة واثنتين إلى أربع ، إذا كان قادرا ماديا وبدنيا ، وكان يرجو من نفسه العدل بين نسائه .
ولا يشترط في زواجه الثاني إذن الزوجة الأولى ، وغالب النساء لا يرضين بالتعدد ، ويرين استحالة الحياة مع وجوده ! وهذا راجع إلى أسباب كثيرة منها الدعايات الإعلامية المغرضة ، التي جعلت من التعدد جريمة ومنكرا ، وعارا ومذمة على الزوجة الأولى ، ومنها سوء استعمال الرجال لهذا الحق ، وجنوح عدد منهم إلى الظلم والتجاوز ، إلا من عصم الله تعالى .
وعلى العاقل أن ينظر في حال أهله ومدى استعدادهن لقبول التعدد ، وأن يوازن بين حياته المستقرة الآن ، وبين ما يمكن أن يكون عليه في المستقبل ، وأن يقدر تقديرا صحيحا - بعيدا عن العاطفة – مدى حاجته للزوجة الثانية ، ومدى قدرته على القيام بمسئولية بيتين ، وأسرتين ، وأن يستخير الله تعالى قبل الإقدام على أمر الزواج ، وأن يحسن الاختيار ، حتى لا يعود بالندم ، ويدرك بعد فوات الأوان أنه يبحث عن شيء لن يدركه ، ولو تزوج من النساء من تزوج .
فإذا وقع في قلبه أمر الزواج الثاني ، وكانت ظروفه العامة تسمح به ، على ما قلناه ، وكان جادا في إمضائه ، فهنا ـ فقط ـ يباح له النظر إلى المرأة التي وقع في نفسه خطبتها .
على أننا ننبهك هنا إلى خطأ يقع فيه كثير من الأزواج ، حين ينغص على نفسه وعلى أهل بيته عيشهم بإثارة هذه القضية بين الحين والآخر ؛ فلا الفائدة من إثارة هذه القضية المنغصة والصحت أولى به ، فإذا عزم على الزواج ووجد مبتغاه ناسب أن يحدث أهله أو يمهد الأمر لإخبارهم .
وفق الله الجميع لما يحب ويرضى .
والله أعلم .
تعليق